زين شعيب ..أبرز أعمدة جوقات الزجل اللبناني

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 


لا يختلف أهل الزجل في أنه كان رائدا في صناعة الصورة الشعرية الجميلة… طار بشهرته فوق البحار وحمل حب الوطن وحكايات الأرض ونثرها على مسامع المغتربين اللبنانيين… لقب ب”سفير الريف اللبناني الى لبنان المغترب في أميركا وافريقيا”…
بلغ في حياته أكثر من مجد، وشاهد ما يشتهيه كبار الشعراء في العالم، ألا وهو حب الناس وتجاوبهم. هابه بعض الشعراء وانتقده بعضهم لكن الكل أجمع أن “أبا علي” أبدع في كل ما كتب وغنّى… انه الشاعر الزجلي “زين شعيب”…
ولد الشاعر زين شعيب في بلدة الشرقية بلدة الشعراء والأدباء كما توصف في جنوب لبنان عام 1924… ووسط بيئة مفعمة بالجمال، نشأ زين شعيب والشعر على إلفة فتناغيا وترعرعا معا…
في عمر الثامنة بدأ زين شعيب بإنشاد الزجل، وصار يذهب الى الحفلات فيفاجئ الحضور بما ينشده. لكن طريقه الى الشهرة والبروز كان في عمر الرابعة عشرة أثناء حفلة لجوقة شحرور الوادي في مدينة النبطية كما روى بنفسه في احدى المقابلات التلفزيونية.
ومنذ ذلك الحين لمع نجمه في ليالي الزجل، وبدأ مرحلة جديدة من الحفلات والمباريات، فأسس جوقة “الجنوب العاملي” مع الشاعرين خليل روكز وعبد الجليل وهبي.
ولا شك في ان الزجل اللبناني له نكهة مميزة واشتهر منذ نشأته وحتى اليوم… وتكمن أهمية الزجل في كونه فنا ملاصقا لنفسية الناس فلغته سهلة جداً، نستطيع فهمها ببساطة ومن دون أي جهد. كما أنه سهل الحفظ، يدخل الذاكرة من دون استئذان. وأهمية أخرى يختزنها هي أنه يحاكي مشاعر جميع الناس، يدغدغ عواطفهم وانفعالاتهم.. لذلك نجد جمهور الزجل جمهوراً انفعالياً، يتفاعل مع الزجّال الذي يعرف كيف يحرك عواطفه ومشاعره…
بعد أن توفي رشيد نخلة وتبعه “شحرور الوادي” وانفرطت فرقته، قامت هنا وهناك فرق متنوعة مختلفة لا تكاد تبرز حتى تغيب… ويأتي أهم تاريخ في مسيرة “ابو علي” عندما انتقل الى العاصمة بيروت وأسس مع الشاعر الراحل جوزيف الهاشم جوقة زغلول الدامور التي ذاع صيتها وتحوّل اقطابها الى نجوم شعبيين…
شكّل الزغلول وزين شعيب ثنائيا مميزا…الأول امتاز بصوته الحنون وأسلوبه الهادئ والثاني اشتهر بالمرجلة وأسلوب التحدّي والمشاكسة.
حملت جوقة “زغلول الدامور” أفراح الناس وهمومهم ومشاكلهم وقدّمتها بقالب ابداعي… وقد اتسّم زين شعيب ضمن أعضاء الفرقة بخفة الظل وسرعة الارتجال والعفوية… واستطاع أيضا أن يكسب محبة الجمهور الذي كان يتفاعل مع شعره ويطلب اليه باستمرار أن يعيد الردّة أكثر من مرة فيجيبهم بعفويته
“رح عيدها وقولوا يا زين شعيب عيد وفضل الاعادة للبيخلق شي جديد”
وكما ورث زين شعيب الشعر عن آبائه أورثه بدوره لأبنائه الذين برعوا كلهم في نظم الشعر وارتجاله…
كتب زين شعيب في الرثاء والفخر والحماسة والغزل والوجدانيات والشعر الوطني، وقد تجلّى ذلك في معظم شعره لا سيما المجموعات الشعرية المطبوعة ومنها:”الشجرة الطيبة،المرج الأخضر،مع المغتربين،بين القلوب،بين الأرواح،أفكار،حلم سجين،وأخيرا ديوان زين شعيب الذي صدره بالردّة التالية:
مش كل شاعر قال عندي وفي الي بموجب كلامو منوضعو بمركز علي
تلاتي بأرض لبنان بيغنو زجل زين وأنا وانسان اسمو بو علي”
عانى زين شعيب المرض في الفترة الأخيرة من حياته، لكن داءه لم ينل من توقّد فكره وحضوره الذهني… وبعد أكثر من ثمانين عاما على الارتباط بالوطن، والإخلاص للأرض الطيبة، وإطلاق العنان للموهبة والإبداع، ترجّل الفارس عن صهوة جواده وغادر الدنيا في العاشر من نيسان\ابريل عام الفين وخمسة…
خسرت الجوقة أحد أبرز أعمدتها وانفرط عقدها ولم يعد القاء الشعر الزجلي يحلو للراحل زغلول الدامور بعد خسارة من كان يعتبره أقوى وأهم شاعر وخصم يمكن أن يعتلي المنبر برفقته…
لقد أصبح اسم زين شعيب خيطاً في نسيج كلمة زجل، فلا تذكر إلا وهو معها، ولا يُذكر إلا وهي معه…
غادر أبو علي شعيب بعد أن اودعنا تراثاً كاملاً من الشعر، يستحق المراجعة والفرز والتصنيف، ثم الجمع في أعمال عدة ودراسات تبدأ من السيرة ولا تنتهي عند صوره الشعرية والفكرية… فهل من يتلقّف هذا التراث اللبناني الأصيل ويعيد له الاعتبار؟