“رماد لا يذرى” لعباس صالح أوجاع حنين إلى كنه النور ونقاء الثلج وحضن الام

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 

 

ثمة فراغات لا تمتلئ أبدا “فراغات قاتلة”،ضاعت في زحمة العمر ومن يومها لم يستكن صاحبها.بقي في حالة بحث-ولم يزل-لتاريخ ربما لم يأت بعد أو لأمنية لم تتحقق…
في هذا الكتاب الذي اعتبره صاحبه ظلال خيال وترنيمات وجد وأوجاع حنين توق لتفاصيل عمر يحاول التقاطه لكن أوراقه تتساقط كما وريقات الخريف.تقع في فخ “تنين العمر” الذي يطغى بلا رحمة ولا يتعب.توقٌ لنبض كان يوما ما حكاية شغف…قضية…دنيا…فضاء…بحرا…نارا يخلق في روحه عبق فرح سرعان ما يتلاشى ليغيب في بحور السراب.وتعود الفراغات مجددا…
فراغ لماض يسكنه الحنين إلى الراعي ونايه وعزفه الشجي…
فراغ لطيف حبيب في صورة مختبئة.فهو تارة “الصباح في وجه أعمارنا” و”الدنيا الجميلة بكل صخبها وكل حيويتها وكل فرحها وكل تجاربها السحرية” وطورا “كينونة سحر لم تلدها إنسية” و”ترنيمة عشق لم تخرج من حنجرة بشرية” أو “نسمة عبرت ذات مساء وترسخت في أقاصي الروح نبع فكر لا ينضب”.وتأتي الصدمة ليكون أيضا “عمرا من العذابات المتلاحقة”.
وفي جعبة الحكايا فراغ خلفتها قصص غير مكتملة ربما أصابها القحط فأضحت بحاجة إلى غيث يسقي “عطش الأرواح الهائمة وينعشها”.
وفي السلم الموسيقي نوتة هاربة تغرّد خارج السرب.ففي لوحات جمالية تعانق الحروف شلالات ضوء يبعثها مرأى زهور الحقل أو خرير النهر. وفي الوسادة ثمة حلم لطيف هو “كل الكل وبعض البعض وذلك الجزئي المجزء من الجزء”.وما الحياة سوى “حلم طويل سنعبره يوما ما لكن خلف سراب”.
في “رماد لا يذرى” يخاطب عباس صالح نهى وبهية ونهال وليلى وكل ابن أم ناء تحت ثقل الوجع وحاصرته الهموم ويبحث عن الخلاص.ف”عندما يجف الحب يموت الزرع” و”الإنسان ديدنه إيذاء أخيه الإنسان” كقصة ليلى التي سلّمت سرّها لإنسي فافترسها بينما صانتها حيوانات الغاب.ويخلص إلى أن الكراهية “تحيل كل بنيان إلى رماد أسود لا تذروه الرياح.”
الحزن يضرب نفسه في عمق الكاتب كما النخلة الضاربة بجذورها في صحراء لا ترحم ومع ذلك تغدق علينا بثمار قلبها العسلية.وعندما لا نقطف الثمر تسقط فتجففها الشمس تاركة ورائها النواة التي تنغرس في التربة فتنبت نخلة أخرى.هنا يعيد الكاتب غرس نفسه في الحزن مرارا وتكرارا حتى استحال غابة من نخيل تسقط تحتها كل ألوان القهر والظلم والبشاعة الإنسانية بكل صورها من ذبح وقتل وتدمير.وبعد أن تعب وأتعبنا معه يطلق أوجاع الحنين إلى الحب الصافي واللحظات الجميلة التي تمر سريعا،إلى كنه النور ونقاء الثلج والمطر المنهمر من حضن الأم.