محمد الماغوط الشاعر المتمرد (٣):سأعود حاجباً قديماً على باب الحزن

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 

انتزع الماغوط اعتراف الجميع حتى خصومه بشعره، وذلك لقوة موهبته وإصراره وعناده. واستخدم لغة خاصة أنزل خلالها القصيدة من سماء الحنين الرومانسي والروحانيات والوجوديات إلى أرض الحفاة والعراة والجائعين والمحطمين، عبر تهكم عال وعبر علاقات فريدة بين الكلمة والشيء، ليست بعيدة وليست قريبة، ليست مألوفة وليست غريبة، إنها كما يقال عنها نقدياً: مدهشة وصادمة.
“فليذهب القادة إلى الحروب
والعشاق إلى الغابات
والعلماء إلى المختبرات
أما أنا
فسأبحث عن مسبحة وكرسي عتيق… لأعود كما كنت
حاجباً قديماً على باب الحزن”.
قلت له: ماذا بعد بيروت أيها الشاعر المتمرّد؟
– “بالرغم من أن دمشق مدينة تحبها ولا تحبك فأنا أعطيتها صدري أربعين عاماً ولم أجرؤ على إعطائها ظهري ثانية واحدة.هذه المدينة سكنتني ولا اعرف أن أبتعد عنها. فتركت بيروت وعدت الى دمشق واخترت مكاناً لا يجلس فيه الشعراء والمثقفون، ولا الأثرياء ومحدثو النعمة، بل الناس الذين يحكون، على دخان أراكيلهم وصوت النرد على الطاولة، عن همومهم ومشاكلهم العالقة على جلودهم منذ ولادتهم.”
اذا كان مقهى “أبو شفيق” الملاذ الأخير للماغوط يقصده يومياً الى طاولته الثابتة التي يجري نهر بردى تحتها. يحمل صحفه وأوراقه الكثيرة وقلمه القاطع، ليكتب مسرحيات أثّرت ليس بالمزاج السوري فحسب، بل بالوضع العربي عموماً. وقد قام الفنان دريد لحام بتمثيلها جميعاً، الأمر الذي أتاح للشعوب العربية مشاهدتها والتأثر بها. وقد صنعت هذه المسرحيات ما سمي “مسرح محمد الماغوط”. كان هذا المسرح متصلا بنبض الشارع السوري وطال مختلف الفئات المهمشة كما في مسرحيات “غربة” و”ضيعة تشرين” و”شقائق النعمان” و”كاسك يا وطن” وغيرها. ميزة مسرح الماغوط أنه كان جماهيريا حيث أنزل من عليائه الى كل الناس.
اضافة الى الشعر والنثر والمسرح، برز الماغوط في السينما من خلال سيناريوهات أفلام: الحدود، التقرير والمسافر.
شكّل محمد الماغوط علامة فارقة في الثقافة العربية عامة، ووُصف بأنه “غابة من المثقفين في مثقف واحد”. وقد رحل في الثالث من نيسان\ابريل عام 2006 عن عمر يناهز 72 عاماً وذلك بعد صراع إمتد لأكثر من عشر سنوات مع الأدوية والأمراض عندما توقف قلبه عن الخفقان وهو يجري مكالمة هاتفية . قلب مائدة الشعر والكتابة في وجوه الجميع، وغادر بعد أن ترك بصمات خالدة في الثقافة السورية: “قولوا لوطني الصغير والجارح كالنمر، أنني أرفع سبابتي كتلميذ طالباً الموت أو الرحيل، ولكن لي بذمته بضعة أناشيد عتيقة من أيام الطفولة وأريدها الآن، لن أصعد قطاراً، ولن أقول وداعاً ما لم يعدها إلي حرفاً حرفاً ونقطةً نقطة، وإذا كان لا يريد أن يراني أو يأنف من مجادلتي أمام المارة فليخاطبني من وراء جدار ليضعها في صرة عتيقة أمام عتبة ما، أو وراء شجرة ما، وأنا أهرع لالتقاطها ما دامت كلمة الحرية في لعبتي على هيئة كرسي صغير للإعدام…”