فرنسا نحو العصيان المدني

بقلم ألعميد منذر ألأيوبي*

 

ألسَبت ألرابع لِحركة ألسُترات ألصفراء بَدا ألأعنف سواءً على صعيد ألمُحتجين أو على مستوى أداء ألشرطة ألفرنسية ،، و رغم أن ألرئيس ماكرون عَلَق ألعمل بالضريبة على ألوقود التي سَبَقَ و أُقرت منذ حوالي الأربعين يومآ تقريبآ و كانت ألنقطة التي طفح بها ألكأس ثُم أعلن ألناطق بإسم ألإليزيه إستعداد ألحكومة للحوار ،، إلا أن ذلك لم يَمنع ألمواطنين عُمالآ و موظفين ، طُلابآ و مُتقاعدين من مُتابعة الحِرَاك و ألتظاهر لإيمانهم بأحَقية مطالبهم و نتيجة تجاربهم ألسابقة و ألفاشلة مع ألسلطة ألفرنسية التي دأبت على تخدير المواطنين عَبرَ تلبيتها جِزءآ من مَطالبهم بِمعنى إعطائهم باليد أليُمنى و أخذ ما أُعْطوا باليُسرى منذ عهد ساركوزي مرورآ بهولاند و صولآ إلى ماكرون …

إستَبدٍلَت ألعاصمة ألفرنسية أليَوم زينة ألميلاد ألمَجيد بالقنابل ألدخانية و ألصوتية و حَجَبَ سماءها ألدُخان ألأسود ألناتج عن إحراق السيارات و حُطام ألمقاعد ألخشبية و مستوعبات ألنفايات و غيرها ،، في حين عَمَّ ألدخان ألأبيض ألناتج عن إلقاء القنابل المسيلة للدُموع Grenades Lacrymogenes مُعظم شوارع باريس، أما ألرَغوة ألبيضاء Fire Retardant Foam المُستخدمة من قبل رجال ألإطفاء لأخماد ألحرائق فقد جٍعَلت حجارة ألطرقات ألبازيلتية زلقة مؤذية للمشاة و ألمحتجين …
منذ ساعات ألصَباح ألأولى بدأ أصحاب ألسُترات ألصَفراء بالتَجمع بالقرب من قوس ألنصر و شارع ألشانزيليزيه و مُتفرعاته مُحاولين ألتقدم باتجاه ألمُرَبع الذهبي ألذي أصبح ألمربع ألأمني حيث ألمَقار ألحُكومية ألرئيسية كما تجمع مُحتجين آخرين في ساحة ألكونكورد و ألنجمة و متفرعاتهما ، بِألمُقابل إنتشر بمواجهتهم ٨٠٠٠ شرطي مُعززين بالدرك ألفرنسي و ألأليات ألمُصَفحة في معظم ألجادات ألرئيسية ،، و بُعٍيدَ منتصف ألنهار بِقَليل إحتدمت المواجهات بينهما في أعمال عُنف و تَخريب لجأ اليها الغوغاء عبر وضع الحواجز و احراق السيارات و اقتلاع أعمدة الإشارات الضوئية في حين كانت قُوات الأمن تَتقدم تارَةً و تَتراجع أُخرى لِحَصر المُتظاهرين و الحِفاظ على الطَوق الأمني مَنعآ لإمتداد ألشغب إلى شوارع و مُرَبعات أخرى …
نستطيع ألقَول أليوم أن فرنسا سَتتجه نحو مَرحَلة جديدة في توَجُهاتها ألإقتصادية ألمالية و ألمعيشية بدأت تَرتسم مَعالِمَها إثرَ هذا ألحراك الشعبي المُتواصل ،، فالتراجع ألأول عن ضَريبة ألكاربون لن يكون ألأخير ، إذ باتَ الرئيس الفرنسي ماكرون و رئيس حكومته إدوارد فيليب مُرغَمان على إتخاذ خُطوات جَدية و فاعلة تضمن تحقيق مطالب حركة ألسُترات ألصفراء التي تُلَخص إرادة ألشعب الفرنسي و معاناته …

في سياقٍ مُتَصل ، يبدو أن هَذِهِ ألحَركة ألعَفوية و ألغير مُنتَميَة لِأيٍ من ألأحزاب أو ألنَقابات كَشَفَت حَجم ألتََصَدُع ألإجتماعي و أظهَرَت ألهوَة بين الطَبقة ألغَنيَة و ألمتوسطة ألتي تَتحول تدريجيآ إلى فَقيرة ، نتيجة النَهج ألحكومي ألمُتبع في فَرض مزيد من ألضرائب ، تضاؤل ألتقديمات ألإجتماعية ، تَدني مستوى ألمعيشية ، تَدهور ألقيمة ألشرائية ، خَفض ألرواتب و إنعدام فُرص ألعمل … إلخ .
بألتوازي ، تَلاشَت ثِقَةٍ ألمواطن ألفرنسي بالدولة نتيجة صَبره على سياسة الحكومة المالية و ألإقتصادية ما يتجاوز الخمسة عشر عامآ ، فَبَعدَ أن كان ألدَين العام حوالي ألف مليار يورو إرتفع اليوم إلى ما يُقارب ألثلاثة ألاف مليار يورو ، هذا ألدٍين ألتراكُمي أقنَعه بعدم جَدوى سياسة ألتقشف ألمَفروضة عليه ،، إضافة إلى ضرورة تَوقف ألحكومة ألفرنسية عن تَطبيق سياسة ألإتحاد ألأوروبي و مُقرراته …

من جِهةٍ أخرى ، و في إطار إستشراف ألحلول و ألمعالجات ، يُفترض بالرئيس ألفرنسي ماكرون مواجهة ألواقع و تلافي سقوطه ألمُدَوي بعد ممارساته ألعنجهية و تجاهله مطالب ألعَامَّة و عَدم تَحَسُسِه ألواقع ألمعيشي و ألإجتماعي للفرنسيين ، عَبر إتخاذ سلسِلَة خُطوات جَذرية مُؤلمة تَتلخص بإقالة رئيس ألحكومة و حَل ألبرلمان و إجراء إنتخابات نيابية مُبَكِرَة مما يُطفيء غَضب ألشارع و يَمنَحه فُرصة ألتغيير …

على ألصَعيد ألأوروبي يَتوجَب عليه حَث ألدول ألأعضاء أل ٢٧ على تَعديل ألقوانين ألأوروبية ألإقتصادية و ألمالية تلافيآ لِإنفكاك ألإتحاد خاصةً
و أنَ التحركات ألأحتجاجية ألمَطلبية بدأت تأخذ طريقها نحو بروكسل، أمستردام، برلين و روما …

إن ألمُتابعة في سياسة ألتَخدير و ألحُلول ألمؤقتة و ألمُجتزأة سَتَجعل ألأمور مَفتوحة على أكثر من إحتمال قَد يَكون أحَدها لُجوء الفرنسيين و حركة ألسُترات ألصفراء إلى ألعصيان ألمَدَني و هذا ما يَجِب أن يَقرأه ألرئيس ماكرون و يَتلافاه على أمَل أن يكون ألسَبت ألخامس لِشِراء هَدايا ألميلاد …

*كاتب و باحث في ألشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية.