“طوفان الاقصى” و”وعده صادق” … طعنتين مؤلمتين للكيان الغاصب.. في انتظار الثالثة !


بقلم العميد مُنذِر الايوبي *

ثبت بالملموس الشرعي ان المواجهات العسكرية من الاذرع الايرانية على ما توصف (حزب الله- الحشد الشعبي- الحوثيين الخ..) مكونات محور الممانعة لا تكفِ للرد على هجمات العدو الاسرائيلي الضاربة المتكررة واخرها الضربة الجوية التي استهدفت القنصلية الايرانية في الشام ومقتل القيادي في الحرس الثوري الايراني محمد رضا الزاهدي، اذ وجدت طهران بعد تعرضها على مر سنوات لسلسلة استهدافات شملت “قادة عسكريين، هجمات سيبيرية، اغتيالات علماء الهندسة النووية، عمليات استخباراتية في الداخل الايراني من نوع الضرب تحت الحزام وصلت الى حد تهديد كينونة النظام والدولة الاسلامية” وجوب الدخول على خط المواجهة المباشرة لجملة اسباب وخلفيات ليس اقلها من الوجهة المعنوية والضرورات الواقعية التخلي عن “فوبيا القتال المباشر” وان وضع حينآ تحت عنوان الصبر الاستراتيجي او حرية تحديد “الزمكان” المناسب للرد حينآ آخر؛ منفذ تجنب لما يسمى مرضيآ اضطراب الاجهاد او الكرب بعد الصدمة PTSD المتميز بتكرار ذكريات مؤلمة اقتحامية للحادث الصادِم او الساحق الذي تعرض له الضحية..!
من هذه المنطلقات شكلت عملية الوعد الصادق ردآ نوعيآ لا يمكن الاستهانة به ابرز عينة مقبولة من الحجم التسليحي والقدرات العسكرية النوعية الايرانية على تفاوتها مقارنة مع اسرائيل معطوفآ على عونٍ عَادلَ جهدآ اسنادآ جويآ والكترونيآ “اميركي، بريطاني، فرنسي واردني” غير مسبوق ظَهَرَ حجم الانصياع وعمق التحالف مع مجلس الحرب الصهيوني المصغر، كما اهمية وضرورة اسرائيل، ثابتة استراتيجية على ساحل المتوسط الشرقي لا يعلى عليها معلومة اصلآ لدى الولايات المتحدة تحديدآ والغرب عمومآ.،!

تاليآ، بصرف النظر عن النتائج المحققة من موجة القصف بالمسيرات والصواريخ على تنوع صنوفها
-في معظمها محلية الصنع- وفق المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي الأدميرال دانيال هاغاري، “إن الهجوم شمل 170 طائرة مُسيّرة و30 صاروخ كروز، لم يدخل أي منها الأراضي الإسرائيلية، و110 صواريخ باليستية وصل عدد صغير منها إلى إسرائيل”، لكن التقييم الفعلي لا يبنى فقط على اساس الدمار المحقق رغم اهميته ولا قدرة الصد على كفاءتها، اذ يكفي انه عمم هاجس رعب حد ارباك في المؤسستين العسكرية والسياسية للعدو، كما جعل دول الاقليم تعيش مرحلة توتر وانتظار مقلقة مع طرح نقاشات وتقييمات استراتيجية وتساؤلات عن حجم الضربة الايرانية وامكانية تحولها لاحقآ سببية حرب شاملة صعب اخمادها..

في السياق، اذ اعتبر خصوم الجمهورية الاسلامية ان ما حصل سيناريو مسرحي استعراضي راى تحالف الممانعة كسرا لهالة الهيبة الاسرائيلية عبر استهداف الاراضي المحتلة وقواعد العدو الجوية عن بعد اكثر من 2000 Km. لكن ما لا يمكن نفيه ان التدخل الغربي لحماية اسرائيل شاهد اثبات على جدية الرد وقرار المواجهة. اما الاعلان عن الضربة مسبقآ ثم ابلاغ الامم المتحدة انتهاء الهجوم فيتعذر تسطيحه بل وجوب وضعه ضمن خانة الثقة بالقدرات، بلاغ تحذيري يترك عامل المفاجئة سلاحآ احتياطيآ في التوقيت والاهداف كما لنوعية الاسلحة الهجومية الاكثر تطورآ..

من جهة اخرى، اصيب الكيان الغاصب بذهول اثر طعنتين بالغتي الغور غير متوقعتين في ثقلهما النوعي فعليآ ومعنويآ ضمن فترة زمنية لم تتجاوز السبعة اشهر طوفان الاقصى والوعد الصادق، جملة هواجس في لبها وجودية اسرائيل في المنطقة ومستقبلها التلمودي كدولة مغتصبة تستبيح كل الاعراف والقوانين، تفرض على معظم دول الكوكب وجوب درء مصالحها الاستراتيجية مع الاستجابة لاثقال مواقفها ورعونة سياساتها..!

في التغييرات العسكرية والجيوسياسية انتهت مرحلة الحروب بالوكالة الغير قابلة للعزل من ايران بوجه اسرائيل واصبحت قواعد اللعبة مختلفة، اذ لا تحييد ولا محظور لاستهداف عمق الكيان من الاولى بالتوازي مع احتضانها اذرعها المترابطة او القوى العسكرية المتاهضة حيثما هي في دول الممانعة، فيما ستثابر اميركا وحلفائها على رعاية الثانية سياسيآ وعسكريآ واقتصاديآ، بتوازٍ مزدوج بين واشنطن وطهران على عدم المخاطرة بحرب اقليمية شاملة يرغب بها نتنياهو في توقيت موائم مناسب اللحظة يمكن اقتناصه من خلال الدعم الدولي المعروض ..!

تزامنآ، وانطلاقآ من رأي شخصي لا يدعِ معرفةً مغاير لما يتداول فلا تغيير جيوسياسي او تقسيم لبعض دول الاقليم بالنصل العسكري او بالهيمنة السياسية والاقتصادية، فالاقليم لا يحتمل هذا النوع من التغييرات ايآ تكن القوى العظمى التي ستفرضها، اذ ستكون الفوضى باشكالها سمة غالبة اضافة الى تشظٍ يفسح ابوابآ اوسع للتنظيمات الارهابية المتطرفة، كما سيجعل شربكات الطبقات التكتونية الطائفية والديموغرافية والجغرافية تتصادم على نحو مدمر ذو انعكاس غير محمود العواقب وغير مضبوط التفاعل على الغرب الاوروبي والاميركي، ليس اقله موجات الهجرة واللجوء وصولآ الى تضارب المصالح بين دوله في مؤداه انبعاجات تحتاج سنينآ لترتيب الامور والتموضعات ان سمحت الظروف..!

على هذه الفوالق الشرق اوسطية يقع لبنان في فوهة البركان مراوحة معاناة اخمادٍ غير ثابتة تارة، ثم لظى فوران متواتر خارج عن مقياس طورآ، واذ تطفو الصهارة على السطح جنوبآ فامكانيات التذويب بالتبريد الوطني الداخلي معدوم كما تفادي انبعاثات ثاني اوكسيد الكبريت الاقليمي، اذ يحتاج فك الشيفرة البركانية السياسية مصفوفة دولية تفوق التركيبة الخماسية للمعادلة المعدومة الضمانات وان تبنت بعض اعتدال عقيم لا طائل منه وفيه..!

وطن له قول الشاعر السري الرفاء بيتٌ:
ناحية ً تَرجو النَّجاة َ تارة ً …. بِسَيْرِها وتارة ً تخشى العَطَبُ..!

بيروت في 16.04.2024
*عميد متقاعد، كاتب