نشر قوات فرنسية عَلى الاراضي الاوكرانية، الاسباب والاهداف..!


بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

نوفمبر مِن عام 2020 طرح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عَلى دول الاتحاد الاوروبي فكرة تأسيس الجيش الاوروبي الموحد ذو العقيدة الخاصة والمستقل عن الولايات المتحدة، هدف الدفاع عن الاتحاد في اية مواجهة عسكرية قائمة وأخرى قادمة قد تفرض عليه سيَما من الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة الاميركية؛ معتبرآ قوة روسيا العسكرية المتعاظمة اخطرها..! اذ اعلن يومها في مقابلة مع “راديو أوروبا 1” : (ان الأوروبيين بدون جيشهم الحقيقي الموحد لن يكون بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم بمواجهة تهديدات خطيرة..!)

لاقى الاقتراح موافقة بعض دول الاتحاد وفي مقدمتهم المانيا، لكنه لم يصمد كثيرآ إذ دفن في مهده إثْرَ الرد المباشر مِن الرئيس الأمريكي في حينه دونالد ترامب عَلى منصة تويتر حيث كتب “إن فكرة تأسيس جيش أوروبي لم تفلح لا في الحرب العالمية الأولى ولا الثانية، الولايات المتحدة كانت بجانبكم وستبقى، كل ما هو مطلوب منكم هو أن تدفعوا مستحقاتكم في حلف الناتو”. فيما وجه رئيس الاتحاد الاوروبي دونالد توسك انتقادات حادة لترامب محذرآ من صعود قوى “سلطوية” وتسابقها بالتسلح على الحدود مع أوروبا، اعتبر أن أوروبا وأمنها سيكونان الضحية الرئيسية وبصورة خاصة لتداعيات إعلان الرئيس الأميركي عزمه الانسحاب من معاهدة نزع الأسلحة المتوسطة المدى مع روسيا.

تاليآ، عام 2017 اتفق أعضاء الاتحاد -باستثناء بريطانيا والدانمارك ومالطا- على تشكيل «آلية الدفاع الأوروبية الدائمة» Permanent European Defense Mechanism تحت عنوان “الاتحاد الأوروبي للأمن والدفاع” European Union for Security and Defense فيما اعتبرت الخطوة آنذاك ممهدة لتأسيس الجيش الاوروبي المستقل؛ نسخة مطورة مِن التعاون الدفاعي لدول الشمال الأوروبي، المعروف أيضًا باسم NORDEFCO..!

في السياق وعلى خلفية ما طرحه سابقآ لجهة انشاء القوة الاوروبية المشتركة كذلك مستجدات الحرب الروسية-الاوكرانية ومؤشرات انهيار الجيش الاوكراني، أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ردود فعل واسعة على المستوى الأوروبي وفي الساحة السياسية الفرنسية رافضة في غالبيتها مقترحه المتجدد “مواربة” لجهة إمكانية إرسال قوات فرنسية وغربية للقتال على الأرض…!
فيما أكد البيت الأبيض عَلى لسان مستشار الأمن القومي جيك ساليفان “أن الولايات المتحدة لا تزل مصرة على موقفها بعدم إرسال قواتها إلى أوكرانيا”٠٠ كما استبعد الأمر حلف شمال الاطلسي NATO؛ وكان ماكرون أعلن خطوات جديدة لدعم أوكرانيا في معركتها قائلآ “لَيسَ مستبعدآ إرسال قوات برية غربية لتحقيق هدف أوروبا المتمثل في إنزال الهزيمة بموسكو”، مضيفآ “نحن مقتنعون بأن هزيمة روسيا ضرورية للأمن والاستقرار في أوروبا”٠٠!
فيما اعتبرت الرئاسة الروسية هذا الامر عنصرآ مستجدآ ومهمآ في الصراع. حذر الناطق الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن اي خطوة فرنسية او اطلسية باتجاه نشر قوات غربية في الميدان الاوكراني “لن تكون في مصلحة اوروبا والغرب عمومآ”٠٠
توازيآ؛ يبدو ان جهاز المخابرات الروسية وخلافآ لكل التصريحات التي تشير الى ان مجموعة مِن تنظيم داعِش خراسان شنت الهجوم الارهابي الذي وقع في مركز Crocus City Mall قرب العاصمة فهي تشير باصابع الاتهام وفق جملة معطيات منها محاولة فرار المنفذين الاربعة نحو الاراضي الاوكرانية الى وقوف الاستخبارات الغربية والفرنسية خلف المجموعة الداعشية افتراضآ..!

السؤال الذي يطرح اليوم هَل مِن نهاية قريبة للعملية العسكرية التي شنها الجيش الروسي عَلى اوكرانيا..؟ مِن الواضح ان تدخل الناتو والدعم الغربي لاوكرانيا لَن يتوقف وان دخل مرحلة التقنين ما يؤشر اقله الى العبء المادي واللوجستي العسكري الهائل الذي تتحمله الولايات المتحدة في قسمه الاكبر، لكن الرؤية الواقعية باتَت تشير الى ولوج مرحلة ادارة الصراع؟ يمكن اختصار القراءة الاستراتيجية الجيوسياسية للكرملين في تصريح ادلى به الرئيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “في حال نشوب صراع واسع النطاق بين روسيا وحلف “الناتو”، سيكون العالم على بعد خطوة واحدة من حرب عالمية ثالثة”٠٠!

اخيرآ؛ يَبدو ان الرؤية السياسية المعطوفة عَلى معطيات جهاز الامن الخارجي الفرنسي تؤشر الى ان نهاية العملية العسكرية الروسية قد تؤدي او لا تستبعد احتمال تقسيم اوكرانيا، وهنا مكمن تصريح الرئيس ماكرون بنشر قوات التدخل الفرنسية ضمن استراتيجية حجز حصة مِن قطع قالب الجبنة الاوكراني رغم التحفظ الاميركي، خاصة بعد توطيد القوات الروسية تموضعها في الاقاليم الخمسة المستعادة: “لوغانسك ودونيتسك، زاباروجيا، خيرسون، القرم”، واعلان ضمها الى الاتحاد الروسي بعد اجراء الانتخابات المحلية ضمن دائرة الاستفتاء الايجابي..!

بيروت في 07.04.2024
*عميد متقاعد، كاتِب وباحث في الشؤون الامنية والاستراتيجية