شاركت عشيقها بقتل زوجها ثم ادعت فقدانه…!

 

بقلم : العميد أنور يحيى*

مطلع شهر آب عام 1994، أدعت اللبنانية ،ملكه،38 عاما، أمام النيابة العامة الأستئنافية في زحلة بأختفاء زوجها مخايل،50 عاما بظروف مجهولة. أحال النائب العام ،القاضي جوزف خليل ، ملف الدعوى الى مفرزة زحلة القضائية التي يأمرها الرائد حسين زعروري، للتحقيق وكشف خفايا الحادث ومراجعته بالنتيجة.
أستدعيت الزوجة لأستماعها كمدعية والتي أكدت ذهاب زوجها مع أحد أصدقائه من الجنود السورين العاملين في بعلبك، بأتجاه سوريا عبر الخط العسكري التي تسلكه الأليات العسكرية وتجهل أسمه. كانت حزينة تبكي زوجها المخلص والمحب وأدعت بوجه مجهول بجرم خطف زوجها وطالبت بسرعة توقيفه وأعدامه!.
كلف الرائد زعروري دورية كفؤة ومتخصصة بجرائم القتل والخطف برئاسة الرقيب الأول علي نصرالله،لمتابعة التقصي وجمع المعلومات والأدلة عن أختفاء الزوج:مخايل.
لم تتحقق الدورية وجود علاقات مشبوهة عند الزوجة التي كانت تزور المفرزة تكرارا لحث الدورية لسرعة كشف الجاني وتوقيفه أو أستعادة زوجها المخطوف والذي يعمل بمهنة السنكرية لكسب العيش والرزق الحلال.؟لم تتوصل الدورية الى نتائج أيجابية حول ظروف فقدان مخايل!!
بعد مضي عشرين يوما على الأدعاء بأختفاء الزوج، ، عثر أحد المزراعين العاملين في سهل شليفا، قضاء بعلبك، على جثة شبه متحللة تحت كومة تراب في أرضه وملفوفة بحرام أحمر مخططا بالأسود. أعلم مخفر الدرك في دير الأحمر فحضرت القوى الأمنية ورجال الأدلة الجنائية وكلف النائب العام الأستئنافي أحد الأطباء الشرعين بالكشف على الجثة وتحديد أسباب الوفاة، تأريخ الموت،طريقة القتل، وهل قتلت الضحية في مكانها أم أنها نقلت الى حيث طمرت بالتراب، في شهر أب، اللهاب، لأسيما أن سهل البقاع تشتد حرارته في فصل الصيف مما يعجل في تحلل الجثة.
أعلمت المفرزة الجنائية في زحلة وحضر الرقيب الأول علي نصرالله لمعاينة الجثة التي نقلت الى براد مستشفى بعلبك الحكومي للتعرف اليها ومتابعة الأجراءات التحقيقية من قبل الضابطة العدلية المكلفة بجلاء القضية.
ذهبت الدورية برفقة السيدة ملكة والتي تعرفت الى جثة زوجها من الكلسون الذي ما زال على جسده والتي أعتادت أن تغسله في بيتها. أظهرت الأنفعال الشديد للمشهد المؤلم. كانت الجثة ما تزال ملفوفة بالحرام كما وصفه الرقيب الأول الذي عاين الجثة في البراد،للرائد الذي طلب اليه أقتطاع جزءا” صغيرا” منه، للأستثمار والمقارنة.
أجريت فحوص الحامض النووي DNAعلى الجثة ومقارنتها بخصائص الحامض النووي لأبنة الضحية،جانيت، فجاءت متطابقة مما يؤكد هوية صاحبها :مخايل.
أستدعيت الأبنة ،جانيت،الى المفرزة للاستماع الى أقوالها على سبيل المعلومات ،كونها قاصر ،15 سنة، وأنكرت أي علاقة لأمها بأحد ولما عرضت عليها القطعة من الحرام الذي يلف الجثة، أقرت وببساطة بأن لديهم حرام مشابه في المنزل!!.
أستدعيت الزوجة، ملكه، الى المفرزة،للتحقيق حول معرفتها بالحرام الذي يلف الجثة، وفقا لأشارة النائب العام،،، بدأ آمر المفرزة بالتحقيق شخصيا معها لأستكشاف مدى تورطها بقتل زوجها التي ادعت بأختفائه منذ فترة!
أستخدم الرائد ،الذي ساورته الشكوك حول تورط الزوجة بقتل زوجها بعد ظهور قرينة أقتناء حرام مماثل للذي لف جثة المغدور ، الأساليب والمناورات التي يلجاء اليها رجال التحري عند الأشتباه بأحد الأشخاص بجريمة معينة، وبعد أخضاعها الى أستجواب طويل مع عرض الأدلة والتهديد بالتوقيف بجرم كتم المعلومات،أنهارت ملكة وروت للتحري بأنها ترتبط بعلاقة عاطفية بالشاب لطوف ،28 سنة، والذي يعمل مرافقا لأحد أصحاب الأوتيلات في شتورا، والذي درجت على لقائه خارج منزلها منذ أربعة أشهر، لكنه أخذ منذ مدة قصيرة زيارتها في المنزل الزوجي أثناء غياب مخايل في عمله ،ووجود أبنتها القاصر ،جانيت في مدرستها، الى أن كان يوم 4 أب 1994 حين عاد الزوج، وخلافا لما كان متوقعا، حيث ضبط لطوف في غرفة النوم معها بالجرم المشهود،فتعاركا معا ،وكان لطوف مرفقا على زوجها لنشاطه وقدرته،أوقعه أرضأ وأخذ يضربه بحجرة كبيرة على رأسه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة،فطلب منها حرام للفه قبل حضور الأبنة جانيت، فقدمت له الحرام من منزلها حيث لفه به وساعدته على نقله الى صندوق سيارته الهوندا ثم نقله الى سهل شليفا، حيث جهز حفرة في أرض مفلوحة وطمر الجثة وقفل عائدا الى عمله في شتورا.
أعلم أمر المفرزة النائب العام الأستئنافي في زحلة الذي حضر على الفور الى مبنى المفرزة وأستمع الى أقوال ملكه فيما كان الرائد يوفد دورية من رجاله لتوقيف لطوف في شتورا ،حيث يعمل،وقد أعترض بشدة، صاحب الأوتيل الذي يعمل لديه ،على التوقيف وأن هذا الأتهام عار عن الصحة وهو على دراية بشيم وأخلاق مرافقه ،لطوف.
أخضع المتهم بسرعة الى التحقيق الجنائي بحضور المدعي العام، ولم تنفع أقواله بنكران إقدامه على القتل وعلاقته العاطفية بملكه، لكنه وبعد ثلاث ساعات من التحقيق المرهق ومجابهته بألأدلة وبفطنة مميزة لآمر المفرزة،أعترف بالعلاقة مع الزوجة وأنه لم يكن ينوي القتل أبدا لكن أخفاء” للعلاقة العاطفية ، ولحماية الزوجة ، تعارك معه وضرب رأسه بحجرة التقطها في المنزل حتى لفظ أنفاسه الأخيرة . قدمت عشيقته الحرام الأحمر لأخفاء جريمة القتل، ونقلته معه الى سيارته وأبقاه بداخلها أكثر من ساعة يفكر أين يطمره بعيدا عن الدرك والتحري وأستقر الراي أن يقصد سهل شليفا حيث وفق بأختيار أرض مفلوحة تبعد مئتي متر عن الطريق العام، ،حمله وأبقاه ملفوفا بالحرام الأحمر وطمره تحت كومة من التراب وأسرع هاربا خوفا من أن يعتلمه أحد من الناس وتابع عمله كالمعتاد وأنقطعت زياراته لملكه خوفا من أفتضاح أمره وتوقيفه.
حضرت وسائل الأعلام وأعلن المدعي العام توقيف قاتل المغدور، مخايل،ونوهت الصحافة بأنجازرجال التحري في مفرزة زحلة،كما حضر العميد سليم سليم ،قائد الشرطة القضائية، الى المفرزة وهنأ رجالها بهذا ألأنجاز الذي ترك الأرتياح لدى الرأي العام وأماط اللثام عن جريمة قتل الزوجة وعشيقها للزوج ، لأسباب عاطفية ودوافع دنيئة.
كانت العينة من الحرام الأحمر الذي لف الجثة في سهل شليفا، وأقوال الفتاة القاصر دون مواربة بوجود حرام مماثل لديهم ،المرتكز الأساسي الذي بنى عليه الرائد زعروري،أمر مفرزة زحلة القضائية،أستنتاجاته بشكوك حول علاقة الزوجة بحادث القتل والتي حاولت توجيه التحقيق نحو الجنود السورين، وكرست تحاليل ال DNA أرتباط الجثة بألابنة جانيت، لتحديد الهوية أضافة الى المناورات الذكية التي أعتمدها الضابط للأيقاع بالجاني، مما أكد قدرات جهاز التحري على أكتشاف الجناة مهما أخفوا أدلتهم وأظهروا البراعة في تنفيذ جنايات تستهدف المجتمع والكيان العائلي ولجعل مهمة الضابطة العدلية أكثر تعقيدا.
بقدر ما تكون كفاءة التحري متلازمة مع تعاون المجتمع ،والتنسيق التام مع النيابة العامة المشرفة والموجهة للتحقيقات الجنائية،تكون النتائج أكثر أيجابية . لكننا نتوخى تشديد الأحكام العدلية التي تصدر عن المحاكم الجزائية بحق الجناة لتكون رادعا لهم بعدم العودة الى تكرار جنايات مماثلة Repeat Victimization ، فتصيب المجتع بالصميم وتنشر الذعر لدى الأهالي الذين سلموا أدارة أمنهم وأستقرارهم ومستقبل أمن أولادهم الى الدولة وأجهزتها ومحاكمها.
هل تحمي القوى الأمنية السكان من الأرتفاع المطرد لمعدلات جرائم القتل في لبنان في الأونة الأخيرة مع تعدد الأجهزة الأمنية وتداخل التحقيقات ووجود مناطق بعيدة عن سلطة الشرعية ووجود أكثر من مليون نازح غير لبناني يستقرون على أرضنا؟؟

* القائد السابق للشرطة القضائية.

عرمون في 22-1-2018.