حكومة الثلثين ..خيارات محدودة وسط عاصفة وجودية!!

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. بقلم : نمر ابي ديب*

بعيدا عن الإصطفافات السياسية المعلنة وموازين الربح والخسارة الإقليمية، شُكِّلَت الحكومة العتيدة وسط أجواء ضبابية في السياسة الداخلية وأيضاً في الإقتصاد .

أبصرت الحكومة النور وفي جعبَتُها مواد خلافية كثيرة ظاهرة، وأخرى مُستَتِرَة بوشاح التذليل السياسي لعقبات المرحلة وخلافات الساعة التي لم تتعدى فيها الحلحلة السياسية بعد حدود الشكل في مساحات الأزمة المستفحلة سياسياً إقتصادياً وحتى صحياً، بالتزامن مع مُراوَحة داخلية قاتلة وعجز إضافي في عملية إستجرار الحلول والدعم المالي المشروط بالاصلاح السياسي والإداري.

قد يكون الرهان المُنبثق من تطورات سياسية مرتبطة بمواقف خارجية إقليمية وحتى دولية ساهمت في تشكيل الحكومة الجديدة، لدى بعض اللبنانيين مقدمة أساسية لتحولات برلمانية كبرى يمكن ترجمتها لاحقاً في الإنتخابات النيابية المقبلة، بنفس شعبي تغيِّري داخل صناديق الإقتراع، وهنا يجدر التوقف أمام حقائق سياسية عديدة قد لا يُعيرُها البعض أهتماماً، ومنها العمل في “نظام الأولويات” التي باتت تتحكم في سياسات الدول المعنية بالملف اللبناني، وتتعاطى من خلاله القوى الكبرى مع مُجمَل الهندسات السياسية المُعَدَّة للبنان بما فيها التفاوض مع البنك الدولي تحت سقف الدولة أي ضمن إطار المؤسسات وفق مُتدرجات عبور سياسية محكومة بالنسبة للدول المعنية بالملف اللبناني، بالاصلاح السياسي/الإداري وليس بتغيير الطبقة الحاكمة وهنا تجدر الإشارة إلى أن غياب ما بات يُعرَف ب”منظمات NGO” عن المشهد اللبناني، رسم بكثير من الوضوح سقف التدخل الدولي في لبنان أقله في المرحلة الحالية، وطرح أكثر من علامة إستفهام سياسية وتساؤل حول إستراتيجيات الدول المعنية بالملف اللبناني حول الدور الداخلي المرسوم للمجتمع المدني الذي أصبح كما يبدو خارج الأولويات الدولية في ظل التغييب المُتَعَمَّد من قِبل المجتمع الدولي لمُجمَل العناوين الأساسية التي قامت عليها حركة 17تشرين.

قد يكون الكلام الذي حَدَد من خلاله الرئيس نجيب ميقاتي مهمة الحكومة الجديدة حين حصرها بأربع نقاط أساسية تمحورت حول “مواجهة جائحة كورونا، معالجة المضاعفات المادية الناتجة عن انفجار مرفأ بيروت، الإصلاحات بشكل عام، والانتخابات النيابية”، الضابط الأول لسقف الرهان اللبناني الذي لربما وجد في تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بارقة أمل جديدة، ومنعطف إيجابي في مسيرة إخراج لبنان من أزمته الوجودية، بإعتبار ما أدلى به اختصاراً  شفهياً لبيان وزاري مستعجل، مع صورة مُصغَّرَة على صفحات خالية من التجميل الإنشائي والبودرة السياسية، أراد من خلالها ميقاتي العزف السياسي على وترين.
– رفع المسؤولية السياسية وحتى المعنوية عن عناوين عديدة باتت تتطلبها مهمة إنقاذ لبنان ولم يشملها البيان المُصَغَّر أو لم تتوفر فيها حتى اللحظة أمكانية متابعتها الإقليمية وحتى الدولية نظراً للموقف العربي/الخليجي الموحَّد الرافض حتى الساعة تقديم مساعدات غير مشروطة للدولة اللبنانية.

– تحديد الأولوليات السياسية الناظمة للمسار الحكومي وفي هذا محاولة متقدمة أراد رئيس الحكومة من خلالها “تحميل الجميع مسؤولية أي فشل يمكن أن تتعرض له الحكومة لاحقاً، على قاعدة سقوط الجميع إذا تعذَّرت لسبب ما فِرَص النجاح السياسية.

مع تشكيل الحكومة الجديدة نجح لبنان في تحقيق خطوة أساسية لم يكتمل فيها الإنتصار السياسي بعد لأنها تفتقد في المبدأ إلى عاملين
– الوحدة الداخلية الجزء المفقود في حكومة ثلاث تمانيات، وحديث الرئيس ميقاتي عن إمتلاك الثلثين أكَّد على وجود ثلث آخر غير منضبط قادر على ممارست الفوضى الحكومية في أي وقت.
– المظلة الإقليمية المنبثقة من قرار دولي واضح لمساعدة لبنان وهذا العنصر بات اليوم غير متوفر على الساحة اللبنانية.

إنطلاقاً من ما تقدَّم بات واضحاً للجميع الفارق السياسي بين “سقف التسوية الحكومية وسقف الأزمة الوجودية” التي عصفت وما زالت في لبنان، بات واضحاً للجميع حجم العجز، تواضع الأمكانيات، نسبة المناعة اللبنانية في مواجهة التحديات، وهنا يجدر التساؤل عن أدوار غير مُعلنة لقوى لبنانية أساسية رفضت المشاركة في الحكومة الجديدة، يجدر التساؤل عن إستحقاقات دستورية مُقبِلة، نيابية كانت أم رئاسية على تماس مباشر مع مُجمَل القوى اللبنانية وحتى الخارجية الإقليمية منها والدولية.

أمام هذا الواقع يعيش لبنان اليوم مرحلة بحت إنتقالية تتحضر فيها القوى المعنية إلى خوض معاركها الرئاسية وفق عناوين سياسية فاصلة ما بين سقف التسوية الحكومية من جهة وأقصد “التوازنات السياسية داخل البرلمان الجديد” وسقف الأزمة الوجودية أي “المؤتمر التأسيسي” من جهة ثانية وتلك معركة غير محسوبة النتائج، يَصعُب التكهن اليوم في نتائجها السياسية، في تحولاتها الإستراتيجية، وتأثيرها المباشر على الدولة اللبنانية والنظام السياسي برمته.

لبنان في عين العاصفة الوجودية، وبارقة الأمل الوحيدة في هذه المرحلة اعتبار لبنان بجغرافيته جزء لا يتجزأ من المصلحة الدولية الكبرى نسبةً لموقعه الإقليمي وتأثيره المباشر في ساحل المتوسط، بإعتباره أحد اخطر النقاط الشرق أوسطية التي لم يحدد موقعها الدولي بعد على خارطة النفوذ الإقليمي بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الإتحادية.

—————–

*كاتب وناشط سياسي