سياحة في الاطلال:زيارة في مدينة بورفيريون

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 

بلدة الأمجاد الغابرة كما تشهد بذلك أمواج البحر وآثار الشاطئ. عن السريانية يعني اسمها المكان المبهج واللطيف. ورد اسمها مرات عديدة في النصوص والكتابات التاريخية القديمة ومنها نص يتحدث عن حملة الملك الأشوري أسرحدون على صيدا جاء فيه: “إن الملك الأشوري بنى مدينة جديدة أطلق عليها اسم “كار أسرحدون” لتسيطر على المناطق التي كانت تابعة لمدينة صيدا وهي من الجنوب الى الشمال: بيت صفوري, سيكو, جي (الجية), أنعمة (الناعمه), خلدو (خلده), قرطيمي, بيرو (بيروت)”.
الجية من المدن البحرية القديمة على ساحـل الشـوف ومن أطـول بلداته، إذ تمتد مسافة 7 كلم على طول الساحل الذي يحيـط بخـليج طبيعي جميل يحدّه رأس السعديات من الشمال ورأس النبي يونس من الجـنوب.
تعرّفت الجية بحكم موقعها الجغرافي الهام الى جميع الشعوب التي مرت بالساحل اللبناني قديماً وحديثاً وعلى ألوان حضاراتهم، وقد اكتسبت منهم تسميات عديدة فاشتهرت باسم “بورفيريون” أي مدينة الأرجوان التاريخية القديمة الذي أطلقه عليها اليونان. ويقال إن هذه المدينة تهدّمت بفعل الزلازل ولا تزال آثارها داخل الرمال على شاطئ بلدة الجية.
ورد ذكر مدينة “بورفيريون” في العام 218 ق.م. حين زحف الأمبراطور السلوقي أنطيوخوس الثالث ضدّ خصومه البطالسة حيث دارت معركة ضخمة في البر والبحر على الشاطئ الضيّق عند “بورفيريون” والمناطق المجاورة لها.
عرفت المدينة كمحطة على الطريق الساحلي بين عكا وإنطاكيا، وقد شيّدت فيها البيوت التي تضم غرفاً عدة ورصفت أرضيتها بالفسيفساء من اللون ذاته لتسهل صيانتها. وتظهر فيها الشوارع الضيقة المجهزة بالمجارير والأقنية لتصريف المياه الى البحر. وكان للمدينة نبع يزودها بالمياه العذبة، وما يلفت الإنتباه أيضاً وجود معاصر الزيتون بكثرة ولا تزال حجارتها متناثرة في المكان لارتباط غنى المدينة بالنشاط الزراعي الى جانب نشاطها التجاري. وفي الجهة الشمالية من موقع “بورفيريون” تمتد مدينة مدفنية كاملة فيها مقابر محفورة في الصخور الرملية تمتد بمحاذاة الشاطئ بطول ١٠٠ متر وعرض ٥٠ متراً. كما يوجد فيها مغاور مدفنية تعود الى فترات تاريخية مختلفة منها مقابر يونانية مكلسة بالكلس على شكل النواويس وهناك آبار مدفنية ذات طبقتين وأغطية نواويس حجرية تعرّضت للنهب والتدمير.
في هذا المكان المتعدد الآثار حيث الغرف وحائط الكنيسة البيزنطية ومقام النبي يونس والمغاور وبقايا المقابر والنواويس والأقنية والآبار، لم تبق كلها على حالها. بعضها تعرّض للنهب والتدمير أثناء الحرب وبعضها الآخر تمّ نقله وكل ذلك يدل على أهمية هذه الآثار.
وبرغم تعاقب المجالس البلدية لم تنجح المساعي الى انشاء متحف للاثار في الجية، وتأهيل الموقع الاثري ليصبح متاحاً للزوار. كما ان المديرية العامة للاثار لم تكلف نفسها عناء حماية الموقع وتسييجه، الامر الذي عرضه للمزيد من العبث والتخريب طمعاً بالعثور على الذهب أو المقتنيات الاثرية الباهظة الثمن.
نغادر مدينة بورفيريون آملين أن تزدهر مجددا ويقصدها الزوار والمهتمون من كل مكان لتسرد على مسامعهم أمجادها الغابرة. هنا يستريح التاريخ أمام هذا المدى الأزرق المترامي بدلال على تلك الرمال التي اصطبغت ذات يوم بالأرجوان وتعطّرت بملح البحر الذي حمله الهواء وأعاد قاطنو المكان تشكيله ونحته بأشكال متعددة على مر العصور.
*