(انهيار وطن 8) دور الثنائي الشيعي في سقوط المنظومة

 

(في الحلقة الثامنة من سلسلة مقالات انهيار وطن التي تنشرها جريدة “الدنيا نيوز” وفي سياق حديثه عن أدوار الاحزاب اللبنانية بمجملها في إسقاط الدولة وتداعي المنظومة، يخصص الكاتب الدكتور غسان الخالد مقاله عن ظروف نشأة وتأسيس حزبي حركة امل وحزب الله، او ما بات يسمى اصطلاحاً بالثنائي الشيعي بالمعنى السياسي، وعن دور كل منهما في وصول لبنان الى ما وصل إليه).

 

 

بقلم : د . غسان الخالد*

 

لعله من النافل القول إن شيعة لبنان قد توزعوا على معظم الأحزاب السياسية العاملة ضمن هذه الجغرافية. ونكاد لا نقع على حزب ذات توجه عروبي أو مقاوم، او متضامن مع الثورة الفلسطينية، الا ونجد العشرات وربما المئات من الشيعة المنضوين في هذه الأحزاب.
عانى شيعة لبنان، وخصوصا شيعة الجنوب، من ثقلين لا يقل أحدهما عبئا عن الآخر، الأول هو المتمثل بالاقطاع السياسي الذي احتكره آل الأسعد مع بعض العائلات الأخرى، والمتحالفة أيضا مع الدين المتمثل في مشيخة آل الأمين.وبخصوص هذا التحالف يمكن العودة إلى ما كتب عنه في الكثير من الأبيات، لكن وهنا أود أن أذكر واقعة تمثلت في إطلاق النار على تظاهرة لمزارعي التبغ والتنباك الجنوبيين، حيث تعتبر شتلة التبغ في الجنوب، رمزا من رموز النضال، والتشبث بالأرض،يومها أطلقت شرطة مجلس النواب النار على المتظاهرين واستشهد على ما اذكر ثلاثة عشر شهيدا من المزارعين، وحملت المسؤولية المعنوية لرئيس مجلس النواب آنذاك كامل الأسعد، والذي اضطر إلى عدم زيارة بلدته الطيبة حتى حلول ذكرى عاشوراء، وفجأة شوهد في مقدمة الحضور، مع العلم ان قرابة تربطه بالعلامة محسن الأمين. وهنا يقول معظم مؤرخي تلك الفترة، انه تم تجاهل ما حدث، وعفا الله عن ما مضى.

١- حركة أمل

ثمة ظاهرة دينية سياسية كانت تكبر ككرة الثلج في أواخر الستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي، تمثلت بظهور الإمام موسى الصدر، الذي كان يعيش حرمان أهل الجنوب ومعاناتهم على كافة الصعد. ومع هذه المعاناة ومن رحمها ولدت فيما بعد حركة المحرومين.
ومع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، ونتيجة الخوف الذي استشعره الإمام الصدر من الحرب الأهلية، ومن خطر الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، وفي ظل غياب تام للدولة، أعلن الإمام الصدر بتاريخ ٢٠ / ١/ ١٩٧٥،بمناسبة ذكرى عاشوراء، عن تشكيل مقاومة لبنانية ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. وهكذا ولدت رسميا بعد الانفجار الذي وقع في معسكر للتدريب في بلدة عين البنية، في بداية الشهر السابع من العام نفسه.
أفواج المقاومة اللبنانية واختصارها امل، كانت تهدف بالأساس إلى التصدي لاعتداءات الكيان الصهيوني ضد الجنوب وأهله. شكلت الحادثة المذكورة ولا زالت معمودية نار بالنسبة للحركة ولأفواج المقاومة اللبنانية،وجاءت كما ذكرت، وفي ظل غياب الدولة التام، تحت شعار حماية الشيعة من تداعيات الحرب الأهلية، كما من الاعتداءات الإسرائيلية.
بعد غياب الإمام، او تغييبه، استطاع نبيه بري تسلم مقاليد الحركة، وهو لا زال طبعا. لكن ثمة انعطاف وتحول في دور الحركة في عهده. فقد انخرطت حركة أمل في الحرب الأهلية بشكل مباشر، مع محافطتها على مقاومة الاحتلال. وجاء انخراطها في الحرب بعد اجتياح الأول في المنتصف الثاني من السبعينات، ثم مع الاجتياح الثاني في بداية الثمانينات.
ياخذ البعض على الحركة انحرافها ولو جزئيا عن الهدف الأساس في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، كما يأخذ عليها دخولها من الباب الواسع في أتون الحرب الأهلية.
مع كل الملاحظات السابقة ينبغي الاعتراف أن الرئيس بري استطاع نسج علاقات سياسية وعسكرية مع الكثير من أمراء الحرب آنذاك، وربما من هنا يمكن فهم ما يردده حتى الآن لبعض هذه القوى والذين يعتبرهم أعدقاء. وهو ما يشير إلى طبيعة الواقعية السياسية التي تفرض احيانا التحالف مع قوى ربما عن غير اقتناع.
لقد استطاعت الحركة بعد الطائف، ومن خلال تحالف أمراء الحرب مع البرجوازية الحريرية، وحتى بداية الألفية الثالثة، حصد كل الحصص العائدة للطائفة الشيعية،في كل الوظائف العسكرية منها والإدارية،كما استطاع الرئيس بري الذي لا زال يشغل منصب رئيس مجلس النواب منذ العام ١٩٩٢، أن يحجز وفي إطار المحاصصة الطائفية، مؤسسة خاصة بالجنوب تحت شعار مجلس أمناء الجنوب. ذلك المجلس الذي تولى تنفيذ معظم أو غالبية مشاريع الجنوب الإنمائية إن لم تكن كلها، أسوة بصندوق المهجرين ومجلس الإنماء والإعمار، كما الهيئة العليا للإغاثة. محاصصة طائفية، ساعدت بشكل أو بآخر كما غيرها من مؤسسات المحاصصة في لبنان، بتجذر الفساد، الذي بات مستشريا ولا زال. وعلى الرغم من كاريزما الرئيس بري، الا انه كما غيره، ناله ما نال المؤسسات الطائفية الحكومية من تداعيات فساد الإدارة التي شغلها المنتسبون للحركة. وهو ما يشكل ابتعادا عن فكر الإمام موسى الصدر، لكن استمرار الحركة مرتبط وفق رأي البعض بعاملين اثنين، الأول الكاريزما التي يتمتع بها الرئيس بري، والثاني الخطاب الديني التعبوي في مسألة الإمام الصدر. ويبقى السؤال الأهم، ماذا عن الحركة بعد الرئيس نبيه بري؟.
ثمة من يرى أن خلافة الرئيس بري في الحركة تتناوبها عدة محاور، جميعها يفتقد إلى كاريزما كالتي يتمتع بها الرئيس الحالي. وان دل هذا الكلام على شيء فإنما يدل على أزمة ما قد تظهر في أية لحظة، خصوصا وأن بري لم يظهر حتى اللحظة من قد يرثه في الحركة، اضافة الى ان الحركة لم تعد تحتكر مقاومة الاحتلال الصهيوني، كما أنها ومنذ الطائف، ودخولها في السلطة، وتنعمها بخيراتها، لم تعمل على ذلك، وهو ما يمكن أن يستنتج منه أن الحركة لم تعد تملك الأيديولوجيا التي تخولها الاستمرار لاحقا، خصوصاً وأنها لم تستطع أن تكون عابرة للطوائف، وليس بإمكانها بعد الآن أن تكون كذلك.
أن انغماس الحركة بالسلطة، جعل مسؤوليها يعيشون البيروقراطية، ولذلك فإن مصير الحركة يبدو غير واضح المعالم، خصوصاً مع تنامي الدور الذي يلعبه الطرف الثاني من الثنائي الشيعي، عنيت بذلك حزب الله.

٢-حزب الله
سوف احاول ان تقارب مقاربتي في التحليل المعايير الموضوعية بالحد الأعلى، وسوف انطلق في مقاربتي لحزب الله كحزب سياسي لبناني من بعض الثوابت التي لا أجد مفرا من ذكرها، لأنها ثوابت. ثم انتقل للحديث عن الممارسة السياسية للحزب، ودوره في الانهيار، او ربما دوره في منع الانهيار، اي في انتشال لبنان من انهياره، وهو احتمال مطروح، وله ارتباط بالوضع الإقليمي ككل. مع الإشارة إلى أن منع الانهيار، سيكون في حده الأدنى المحافظة على الكيان اللبناني بجغرافيته المعروفة وفق سايكس بيكو، وهو ما يعني بالتالي المحافظة على جغرافية الكيانات الأخرى كسوريا والعراق، وربما كل الدول القطرية التي أعقبت في ظهورها الحرب الأولى، تماشياً مع الاتفاقية المذكورة. وهذا قد ينتج عن عدة عوامل بدأت بالظهور بشكل أو بآخر، كصفقة القرن، والدين الإبراهيمي الجديد، المتناغمان مع الشرق الأوسط الجديد الذي يسعى الكيان الصهيوني لفرضه، مع الإشارة، إلى أن عوامل كثيرة باتت أيضا بالظهور، وهي معرقلة أن لم أقل مانعة لتحقيق الهدف الصهيوني وإمكانية نجاحه. سوف أوضح ذلك لاحقا في سياق الحديث عن أيديولوجية حزب الله، التي تعتبر سلاحاً ذو حدين. فهل يكون الحد الأدنى الإيجابي والقاضي بمنع فرض صفقة القرن، وبالتالي منع تحقق الحلم الصهيوني، هو الذي سيفرض نفسه ام العكس؟.
اما بالنسبة إلى الثوابت فسوف اتناولها وفق التالي:
١- مرحلة التاسيس
بعيدا عن ما كتبه الدكتور وضاح شرارة في بداية الثمانينات عن حزب الله تحت عنوان دولة حزب الله، والذي استند فيها إلى الكثير من المعلومات التي وفرها له بعض طلابه الذين ينتمون الى الحزب، فإن مرحلة التأسيس جاءت كما وفق مفكري الحزب، على إثر تراجع حركة أمل في دورها المقاوم للاحتلال الإسرائيلي، وانغماسها في الحرب الأهلية أكثر فأكثر على حساب مقاومة الاحتلال، مع الإشارة إلى أن الحركة لم تتخل كليا عن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لكن دورها تراجع لصالح انغماسها بشكل كبير في الحرب الأهلية، وهو ما يعتبره بعض المفكرين، تراجعا عن فكر الإمام موسى الصدر، الذي كان يشدد على مقاومة الاحتلال الصهيوني، من غير أن يمنع، او من غير أن يرفض مسألة حماية الشيعة من أتون الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان عام ١٩٧٥. وهنا تأتي حماية الشيعة كأولوية ثانية، لا ينبغي أن تتقدم على الأولوية الأولى المتجلية في مقاومة الاحتلال، وهي في هذه الحالة قوة ردعية، ترهب العدو أو الخصم السياسي، من غير أن تعني الدخول في الحرب. هذا التراجع النسبي، او الأنكفاء النسبي إن صح التعبير كان السبب الأساس في انفصال مجموعة من فصائل حركة أمل عن الحركة، تحت شعار حركة أمل الإسلامية، ولاحقا الانفصال الكلي الذي شكل بداية التأسيس لحزب الله.
٢-الثابتة الثانية هي عدم مشاركة الحزب في الحرب الأهلية. ولعل المراقب لصيرورة عمل الحزب وسباق عملياته، من بداية التأسيس وحتى السابع من أيار عام ٢٠٠٨ يلاحظ أن الحزب لم ينخرط في الحرب الأهلية ابدا، لا بل على العكس فإن حربا بينية مع الحركة، حدثت في وقت ما، وبظروف معينة، تشير بشكل أو بآخر إلى الاختلاف في التوجه والرؤية بين الحزب والحركة. أما ما حدث في ٧ أيار، فأغلب المحللين يعتبرون أن الحزب قد احتل بيروت، او اجتاحها، ولهذه الرؤية توظيف سياسي غير خاف على احد، حتى على الذين روجوه. ويكفي أن نستمع إلى ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عن ظروف ما حدث، حيث اعتبر انه حرض على قرار الحكومة، الذي كان يهدد حزب الله وجوديا، واعترافه بأنه (غشوه)، وغرر به، واعترافه بأن تحريضه نتج عن أن السيد قد هاجمه في خطاب له قبل السابع من أيار، يكفي أن نستمع ونقرأ في ما بين سطور التصريح، لنقول أن الحزب إنما كان في حالة دفاع عن النفس، وأنه حرص على الدفاع عن نفسه متجنبا حتى الحد الأدنى من الخسائر. ولو استبعدنا مؤقتاً، ما حصل في السابع من أيار، نرى أن الحزب لم يشارك في الحرب الأهلية مطلقا، بل كرس وجوده لمقاومة الاحتلال الصهيوني، وخصوصا بعد اغتيال امينه العام السيد عباس الموسوي. ولعل اندفاعة الحزب في المقاومة من خلال العمليات النوعية، ومن خلال عدد العمليات التي باتت يومية، هي ما كانت سبباً في انكفاء بعض القوى المقاومة عن الساحة الجنوبية، حيث كانت عملياتها مقيدة بمعطيات تحكمت بها ظروف معينة، في حين أن الحزب قد استفاد من هذه المعطيات لاحقاً، فشكل الجنوب بيئة حاضنة للحزب في مقاومته، وشكلت له البيئة الحاضنة قاعدة انطلاق وقاعدة ارتكاز، ساعدت كثيرا في نجاح عملياته وصولا إلى التحرير الأول عام ٢٠٠٠. كما ساعدته في تحقيق نصر مادي ومعنوي في حرب تموز، التي اعتبرها البعض خسارة للبنان، حتى أن بعض حلفاء الحزب كادوا أن يقعوا في فخ الهزيمة النفسية، لولا أن “رأؤوا برهان ربهم”.
٣-مما لا شك فيه أن الأيديولوجية قد لعبت دورا مهما في الممارسة المقاومة لحزب الله، في ما لو أخذنا بعين الاعتبار أهمية ما كتبه “جيل كيبل” عن أهمية الأيديولوجيا في كتابه يوم الله الأصولية في الديانات الثلاث. هذه الأيديولوجيا التي تشبع بها عناصر الحزب قد ساعدتهم في تحقيق الانتصارات المتتالية، ولعل عملية انصارية قد شكلت نقطة تحول في الفكر العسكري الصهيوني الذي بات يميل إلى الانسحاب الطوعي الذي اعتبره أشرف من الانسحاب تحت ضربات المقاومة، وهي في الحالتين كانت الرابحة حتى في عدوان تموز، ويكفي أن يقال ان الكيان الصهيوني لم يستطع أن يحقق نصرا ما، او ان يحقق أهدافه من العملية، حتى نقول ان الحزب قد حقق نصرا، ليس معنويا فقط رغم أهميته، بل ماديا أيضا. وان كنا لم نطلع على الخسائر العسكرية الاسرائيلية بفعل تكتم الإعلام الصهيوني عن نشرها، من باب عدم تأثيرها نفسيا على جنوده، فقد راح إعلامنا يهول بحجم الخسائر المادية والبشرية، وكان الحرب نزهة تتم من غير خسائر. وهذا بالطبع يعود إلى طبيعة تركيبة الإعلام المتأثرة بالذهنية العربية التي غالباً ما تحول الهزيمة إلى نصر والنصر إلى هزيمة.
٤-الواقعية السياسية
يتهم حزب الله بأنه مشارك في السلطة، السلطة التي لم يشهد العالم مثيلا لها في الفساد. لكن ما يحسب لخصوم حزب الله انهم لم يتهمونه مطلقا بالفساد خلال مشاركته في السلطة التنفيذية مع العلم ان مشاركته غالبا ما كانت في وزارات لا تمتلك مقومات الوزارة. وإذا ما استثنينا وزارة الطاقة على أهميتها، ووزارة الصحة لاحقا، لقلنا أن مشاركة الحزب معنوية أكثر من أي شيء آخر. على اية حال فإن حزب الله لم يشارك الا مؤخرا ومنذ العام ٢٠٠٥ في السلطة التنفيذية، وهدف المشاركة كان حماية نفسه من قرارات الفرقاء السياسيين الآخرين، ومع ذلك فهناك صعوبة في الدفاع عن الحزب في ما يتهم به من تغطية الفاسدين، كما في فتح ملفات الفساد التي بدأها الحزب وتوقف عنها مع الخطوط الحمر الطائفية التي وضعت. ثم كيف للحزب أو لغيره أن يفتح ملفات فساد، في ظل غياب ألاجهزة الرقابية والقضائية المتهمة أيضا بشكل أو بآخر بالفساد.
لقد فرضت الواقعية السياسية على الحزب المشاركة في السلطة التنفيذية، وناله من تداعياتها ما ناله مع العلم ان ممثلي الحزب في أية دائرة حكومية ومهما كان مستوى التمثيل، إنما يعملون وفق ضوابط شرعية، قد يظن البعض أن هذا الكلام مضحكا لكنه واقع ملموس.
لقد كتبت في كتابي ثنائيات ثقافية الصادر عن دار النهضة وبنسخة الكترونية، وتحت عنوان الثقافة المقاومة وثقافة المقاومة، أن المقاومة لا ينبغي أن تشارك في السلطة حتى لا يلحق بها من تداعياتها الشبهات. وكذلك قلت ان المقاومة ليست بحاجة إلى المعادلة الثلاثية التي ثبتت في البيانات الوزارية، وكل ما تحتاجه المقاومة هو البيئة الحاضنة. وعلى أية حال، وطالما أن الواقعية السياسية لا تعني بالضرورة التخلي عن المبادئ، مع الأخذ في الاعتبار حماية المقاومة من القرارات السياسية المستهدفة لها، فإن تبعات المشاركة ستبقى مقبولة نوعا ما رغم تداعياتها.
٥-تكمن أهمية الأيديولوجيا التي يتبناها حزب الله، في المقاومة. وحزب الله الذي يعتبر دولة داخل الدولة، بفعل ما يملكه من فائض القوة، والمتهم بأن كل الحكومات التي شكلت بعد اتفاق الدوحة، بأنها حكومات حزب الله، فإن الواقع السياسي يقول العكس. فلا الحزب فرض موظفا أو نائباً أو وزيرا على كل الحكومات باستثناء حكومة الرئيس سعد الحريري ما قبل الاخيرة، في إطار تمثيل اللقاء التشاوري، المتناقض اصلا في تركيبته وفي مصالحه، وربما العكس هو ما حصل عندما تخلى الرئيس بري عن مقعد شيعي في الوزارة لصالح فيصل كرامي. المهم في أن الأيديولوجيا التي يعتقدها الحزب ويعمل وفقها، هي في مقارعة العدوان الإسرائيلي، والتي لو ابتعد عنها لفقد احد اهم اسباب وجوده الذي وبناء عليه تأسس. وربما هذا السبب سيكون العامل الأفعل في ضرب صفقة القرن وما تهدف إليه. وهو ما سيكون له تداعيات أكثر من سلبية ليس على الحزب فقط، بل على كل الدول القطرية التي نشأت أعقاب الحرب الأولى واتفاقية سايكس بيكو. أضف إلى ذلك أن الحزب وبفعل انتمائه لولاية الفقيه، لن يقبل بما يسمى الدين الإبراهيمي الجديد، ذلك أيضا نفي لوجود. ولذلك اعتقد ان مسألة الأيديولوجيا قد تكون عاملا مهما في تثبيت كيانات الدول في الاقليم، خصوصا اذا ما أخذنا بعين الاعتبار المستجدات التي تحصل الان، وفي التقارب الحاصل بين المملكة العربية السعودية وإيران، وبين السعودية وسوريا، وغيرها من انواع التقارب الذي بدأ يفرض نفسه وهو ما سوف اتناوله في مقال آخر ضمن سلسلة مقالات انهيار وطن.
٦-حزب الله والعشائر
قلت سابقا أن العشيرة بما تعنيه من تركيبة في البنية الاجتماعية والسياسية، وحتى الثقافية، تعمل بصمت للمحافظة على نفسها في ظل الدولة، وقلت أن الأحزاب لم تستطع أن تخرق العشيرة، وهي بالتالي لا تصطدم بها، فما هي العلاقة التي تسود بين الحزب والعشائر، وخصوصاً في البقاع حيث لا تزال التركيبة العشائرية هي السائدة؟.
اعتقد انه من المفيد القول إن الإمام موسى الصدر قد ارتكز في قوته على العلاقة مع العشائر بقاعا وجنوبا وحتى في الضاحية حيث معظم سكانها من تلك الأصول.
لم يغير الحزب في تعاطيه مع العشائر في العلاقة، مع العلم ان الحزب مختلف عن الحركة، ذلك أن الانتماء للحزب، لا يعني بالضرورة أن ينال الشخص المنتسب حتى ولو كان شيخ عشيرة منصبا في الحزب أو ما شابه، فهو يبقى عضواً عاديا ربما، ومع ذلك فإن الحزب قد استقطب الكثير من العشائر، لا بل الغالبية العظمى منها. هو يتمدد على حساب الحركة في هذا المجال، ولعل نظرة متفحصة لنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، تعطينا صورة واضحة وربما دقيقة عن وضع الحزب، حيث نال مرشحوه أعلى نسب في مجموع الأصوات كما في الأصوات التفضيلية في دوائر الجنوب والبقاع، وفي بيروت أيضا. رب قائل أن التوافق الذي يسود بين الحركة والحزب باعتبارهما القوة الأكثر انتشاراً من بقية الأحزاب على الساحة الشيعية، هو الذي يسمح بتحقيق الفوز للثنائي، وهذا صحيح طبعا، لكن في المقارنة بين الحركة والحزب، نجد أن الحزب قد بدأ يتوسع اكتر وبالتالي فإن التوافق هو لصالح الحركة ههنا وربما على حساب الحزب. ان مراجعة الأرقام التفضيلية، إضافة إلى مجموع الأصوات العام، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن الحزب سوف يكون الوريث الشرعي للشيعة في لبنان، وانه ربما يكون الحزب الأوحد مع انهيار الحركة بعد الرئيس بري، في إطار صراع الأجنحة داخل الحركة. مع الإشارة إلى أن غالب الأحزاب، حتى الأحزاب الأيديولوجية قد عانت مما نسميه اصطلاحا الحرس القديم. أما بخصوص حزب الله، ولأنه يمتلك أيديولوجيا، وله أبعاد إقليمية، وقد سمحت له الظروف التي أحاطت بالإقليم من الاحتلال الأميركي للعراق، إلى إحداث اليمن وداعش في سوريا والعراق، وإحداث سوريا بالذات، سمحت له بالتمدد خارج لبنان، وسمحت له بامتلاك عناصر قوة اضافية قد يكون من الأفضل تناولها في موضوع منفصل.

—————

*باحث في الاجتماع السياسي