المُتحوِّر اللبناني …!

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

على ما كُتِب وكان متوقعآ قبل زيارة وزير اوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي Jean-Yves Le Drian بيروت منذ ايام، فقد غادر الرجل الى مقره في ال Quai D’Orsay تجول في رأسه الف فكرة وفكرة؛ إذ لا زال مسيو لودريان يتصبب عرقآ بعدما رآى وسمع وتأكد ان السلالة الجديدة من “المتحور اللبناني” THE LEBANESE MUTATED STRAIN للفيروس السياسي، بدأ بالانتشار إثر الاعلان عن احتمال فرض عقوبات فرنسية واوروبية، دون تحديد ماهيتها، ستطال شخصيات ومسؤولين لبنانين ساهموا في عرقلة تأليف الحكومة اللبنانية .

تاليآ؛ بات من الواضح ان النسخة المتحورة من معضلة التشكيل اصبحت اعمق فتكآ بالبلد واهله واكثر مقاومة للقاح الفرنسي المصدر والمُصَنَع من قبل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في القصر الباريسي التاريخي. وعلى ما يبدو فإن التوصل الى العلاج الذي يوجب بدايةً اصلاح ذات البين بين الاخوة الاعداء، في تسوية مؤلمة مجها اهل البلد باتت نجاعته اكثر صعوبة، لا سيما بعد دخول عامل “التحفيز المتجانس” Homogeneous stimulus factor اي اضافة احتمالية اعتذار الرئيس الحريري عن التكليف، مما قد يساهم في تسريع التفاعل الحيوي لانهيار الكيان.!

من جهة اخرى؛ في رؤية تفاؤلية معقولة فإن علاج التجلطات Blood Clots في حال تم حقن المزيج الكيميائي الفرنسي-الاوروبي من العقوبات في اوردة الجسم اللبناني، سيكون بشهادة الصلاحية الصادرة عن واشنطن لمختبرات فيينا حيث المفاوضات الغير مباشرة 4+1 لإحياء الاتفاق النووي الايراني.. اما باقي الادوية المهدأة لحال “الرجفان” Defibrillation والتوتر في الاقليم تلافيآ ل “السكتة الدماغية” Apoplexy فستلقم بالفم على عدة جرعات من الحوار السعودي- السوري في مستشفى بغداد، بالتوازي مع ترتيبات لعملية ًاستئصال التورم اليمني الاستراتيجي بما يؤدي لتموضع سليم في العلاقات الايرانية- الخليجية والسعودية تحديدآ ..!

بالمقابل؛ فإن الانتكاسة “المتوقعة دائمآ” ستكون جنوبآ وهي محسوبة بدقة، إذ تم اخضاع السور الحدودي للمراقبة اللصيقة من غرفة العناية المركزة ولمدة شهر تقريبآ، بالتزامن مع بدء االمناورات العسكرية الاسرائيلية الغير مسبوقة حجمآ وانتشارآ. كما زاد من احتمالاتها حدوثها ارتفاع الضغط النفسي الناتج عن معاينة ضعف في جهاز المناعة بعد انزلاق صاروخ SAM-5 السوري حوالي 300km في اجواء الكيان.
اسباب اخرى قد تدفع نحو “الانتكاسة” منها؛ توقف مفاوضات الترسيم البحري في تظهير احد الخطوط الثلاث المرقمة؛ قصور فاضح في عضلة التأليف اصاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إثر تكليف الرئيس الاسرائيلي Reuven Rivlin خصمه السياسي “يائير لابيد” تشكيل الحكومة الجديدة..! ومن اللافت “المشتبه به” وحدة مسار زمني بين مدة التشكيل المعطاة للرئيس المكلف Yair Lapid دستوريآ والمحددة باربعة اسابيع ومدة المناورات التي ستستمر شهرآ كاملآ بدءآ من صباح امس الاحد..!

في سياق متصل؛ لا يمكن ايضآ استبعاد هذه المدة الشؤم (4 اسابيع) القادمة عن الواقع الداخلي اللبناني الحياتي والمعيشي، على اعتبار ان رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية والاساسية كما المحروقات سيحصل في نهايتها على الاكثر، وذلك على ما يروى نتيجة نفاذ البنكنوت الاميركي من عنابر مصرف لبنان ووصوله الى منسوب الدرجة الصفر، دون احتساب الاحتياطي الالزامي “اموال المودعين”، المفترض ان يكون موجودآ ومحميآ. الا اذا ..!! كانت قصاصة الورق التي احتوت ارقام المبالغ “موجودات وديون” والتي سبق وسلمها خازن المال (الهازيندار) Hazindar Agha الى الرئاستين الاولى والثالثة منذ السنة ونيف تقريبآ مكتوبة بالحبر السري، وفي هذه الحال فمن المحال قراءة الكتابة الا بطريقة “ألكَي” Cautérisation عبر تعريض الورقة للحرارة “التدقيق الجنائي”، وهو آخر العلاج..!

وزير الخارجية الفرنسي لودريان، استبق لقاءاته التي اجراها كل على حدة مع الثلاثي اللبناني السلطوي الحاكم، بتغريدة قال فيها إنه يزور لبنان “حاملا رسالة شديدة الحزم للمسؤولين اللبنانيين، وسنتعامل بحزم مع الذين يعطلون تشكيل الحكومة، واتخذنا تدابير (…) هذه ليست سوى البداية”..!
لذا اللبنانيون ينتظرون التعامل الفرنسي بحزم مع المعطلين والمعرقلين والفاسدين، كما يأملون ان تضع الحكومات الاوروبية يدها على ارصدة مشبوهة لمسؤولين في المصارف الاوروبية ناتجة عن ارتكابات الفساد او تبييض الاموال. اذ ان فرض قيود السفر وعدم منح تأشيرات دخول لشخصيات لبنانية دفعت البلاد الى حال الانهيار الشامل مع مراوحة مثبتة لتخاذل وطني ومراهقة سياسية لا تكفي، هي ليست “قد المقام” الفرنسي وليست مدخلآ للعلاج والمحاسبة واستعادة الثقة.!
إستطرادآ؛ مما لا شك فيه ان نجاحآ ولو متأخرآ من الجراح الفرنسي Macron ومساعده الاقرب Le Dorian في فتح كوة داخل شريان الانسداد الحكومي الابهر، سيشكل له دعمآ غير مباشر خلال معركته الرئاسية القاسية عام 2022، اذ يعتبر معالجة الملف اللبناني احد اسلحته المميزة؛ مع الاشارة الى معطيات متسربة ولو مبكرة من اروقة البيت الابيض ان الرئيس الاميركي Joe Biden لا يمانع لا بل يؤيد تمديد اقامته في الاليزيه.!

اخيرآ؛ من يزرع الريح يحصد العاصفة “مثل فرنسي”.. انها وجوه من الواح الثلج ستذوب مع حرارة هذا الصيف. واذا كان طرح دعوة الفرقاء اللبنانيين الى مؤتمر في باريس قيد اختبار او انتظار، فهذا ما يؤكد ان زيارة الوزير لودريان الاخيرة ليست لاعلان انتهاء مبادرة بلاده من قصر الصنوبر كما اشيع، بعد ان تأكد بالوجه الشرعي لفرنسا وللعالم ان نكبة لبنان وتجويع شعبه مما لا يصدق من طبقة لا عاقلة حكمت عقودآ. كما ان تمزيق الكيان اللبناني شرائح طائفية في مربعات جغرافية تحت قناع الفدرلة المروج لها بخلفياتها السياسية والايديولوجية والاقطاعية هي نعوة زوال الكيان، وهو امر مستحيل الحدوث. اما علاج “المتحور اللبناني” محليآ بالتوازي مع الدولي فتبقى رهن تعميم الارادة والثبات ب مصل الوحدة الوطنية والصمود، وبانتظار يوم الحساب يبقى الامل الا نبقى طويلآ عند البرزخ بين الحياة والموت ..!

بيروت في 09.05.2021