المؤتمر التأسيسي ..!!

 

 

بقلم ألعَميد منذر ألأيوبي*

ألسُؤال الَذي بَاتَ يُطرَح أليَوم عَلى رُؤوسِ ألأشْهَاد بَعدَ ألتَعَثُر في تَشكيل ألحُكومَة و تَوالي ألأزَمات ألسياسيَة ألداخِليَة ، سواءً ما خَصَ صَلاحيات ألرؤساء بِما فيهِم نائِب رئيس ألحُكومَة أو فيما يَتعَلَق بِتَوزيع ألمَناصِب و ألمَراكز ألعُليا “و غَير ألعُليا” في دَولتنا ألعَليَّة !! مع مَبدأ ٦ و ٦ مُكَرر هوَ :
هَل نَحنُ بِحاجَة حَقَآ إلى مُؤتَمَر تَأسيسي جَديد لِلعُبور إلى ألدَولَة ألحَقَة بَعدَ مُرور حوالي تسع عشرة عامآ عَلى إتِفاق ألطَائِف …؟؟
و دُونَ ألغَوصِ أو ألتَبَحُر في عِلْم ألقَانون كَون ألمَقَال لَيسَ بَحثَآ حُقوقيآ أكاديميَآ ، فَبِألأيجَاز ألدُستور أللُبناني صَدَر عام ١٩٢٦ و حَدَد شَكل الدَولَة و قِيام الجمهورية اللبنانية التي كانَت تُدعى دولة لبنان الكبير إبانَ ألإنتِداب ألفرنسي ، و قَد أُقِرَ تَعديلَه ألأكبَر بِموجَب اتفاق الطائف عام 1989 الذي وُضِعَ بِموجَبِه الدُستور اللبناني الجَديد الذي صَدَرَ في ٢١/٩/١٩٩٠ وَ وضَعَ بِألتالي حَدًا للحَرب الأهلية اللبنانية ..

في ألمَبدَآ ،، تَتَطَور ألدَساتير و ألقَوانين وِفقَآ لأنظِمَة الحُكم و ألمُتَغيِرات في أوضاع ألدُوَل ألسِياسيَة
وَ ألديمُقراطية كَمَا رُؤاهَا ألإستراتيجيَة بِما يَتَواءَم مَع رَغَباتِ ألشُعوب و طُموحاتِها و تَطبيقها لِمباديء ألعَدالة و ألحُرية و ألمُساواة و حُقوق ألإنْسان ..

مَاذا عَن ألنِظام ألسيَاسي اللُبناني ..؟؟
مِنٍ ألطَبيعي أو ألبَديهي أن يَكون ألهَدف مِن ألمؤتَمَر ألتأسيسي هوَ تَعديل ألدُستور و آلقوانين ألوَضعيَة بِما يَصُب في إطار تَطوير ألنِظام و ألمُمارسة ألسياسيَة مَع تَوحيد أهْداف و تَطلعات ألشَعب أللُبناني ،، لَكِن كَيْفَ يَطْرَح أو يَقتَرِح البَعض مؤتَمَرَآ تَأسيسيآ لِتَطويرِ نِظامٍ لَم يُطَبَق دُستورَهُ أصلآ حَتى ألآن ..؟

هَذا الدُستور ألمُنبَثِق أساسَآ عَن إتِفاق ألطائِف جَرَى و يَجري تَطبيقُه بِشَكلٍ مُشَوَه و إستنسابي ،، فَهْوَ يُنتَهَك عِندَ كُلِ إستِحقاق بإستِخفافٍ و بِدَع خارِجَة عَن نُصوصِه ، وَ مَا قَانون ألإنتخابات ألجَديد الَذي على أساسَه جَرَت ألإنتخابات النيابية مُنْذُ حَوالي ألتِسعَة أشهُر سِوى نَموذَجٌ فاضِح لِقانونٍ هَجين مَسَخَ ألنِسبيَة الَتي هيَ ألأساس و صَفَرَ ألغايََة لِجِهَة العَدالة في ألتَمثيل بِما يَشمُل ألفُسَيفُساء أللُبنانيَة ألجامِعَة لِكُل ألفِئات و ألأحزَاب وَ ألأطيافِ و ألمَذاهِب و ألأقليات عَلى إختلافِها إلا أنٍ “ألكُحْلِ أفضَل مِن ألعَمَى” كَما يُقال ..
أنَ ألقَوانين ألصَادِرَة مِن وَحيِ ألدُستور و رَحْمِهِ تُمَزَقُ يَوميآ من قِبَل واضِعيها تارةً و مِن مَسؤولي ألأدارة و مُوظَفي ألدَولَة وَ ألمَعنيين بِتَطبيقَها و مُكافِحي خَرقَها تارةً أُخرى ،، دونَ أن يَهتَز جِفْنُ مَسؤول أو تَرمُش عَينُ رئيس ، و هيَ في كِلتا ألحالَتَين إذا طُبِقَت يأتي تَطبيقَها مُشَوَهَآ مُحَرَفَآ أو مَصلَحيآ على يَدِ جاهِلٍ أو حاقِدٍ أو مُتَعالٍ أو صَاحِبُ غايَة أو مُرتَشي و هوَ “ألأعَّم” كَبابِ رِزقٍ “رَشوَةٌ جَاريَة” ..

مِن هُنا لا يُمكن ألسَير بألمؤتَمَر ألتأسيسي في هَذِه ألمَرحَلَة ألدَقيقة مِن تَاريخ الوَطَن اللُبناني بألتَوازي مع قُصورٍ مُخيفٍ في ألأداء ألسياسي و أبتِعاد أغلَبيَة ألمَسؤولين و السياسيين عَن ألمَصلَحَة الوَطَنيَة ألعُليا و إستِبدالها بِحُقوق و مُكتَسبات ألطَوائف و المَذاهب و ألأحزاب كَما ألمَصالِح ألشَخصية ، لا سيَما في ظِلِ واقِعٍ أِقليميٍ مُتَفَجِر و إرتِباط مُعظَم أفرِقاء ألصِراع بِدوَلٍ و أنظِمَةٍ خَارِجيَة و مَا يَتَرَتَب عَلى ذَلِكَ مِن إنعِكاساتٍ خَطيرَة عَلى لبنان ..

في سِياقٍ مُتَصِل ،، تَشهَد ألمِنطَقة ألعَربية و ألشَرق أوسطية حَالة مِن ألتَشَرذُم وَ ألإنقسام و ألحُروب ألمُتَنقِلة ألأمر الذي سَيؤَدي إلى رَسم خَريطَة جَديدَة لِلإقليم وَ ألكَيانات ، و ما ألكَلام عَن صَفَقَة ألقَرن
و إعتِبار ألقُدس عاصِمَةً لِإسرائيل و مِن ثُمَ إعلان كَيان العَدو دَولَة قَوميَة يَهودية إلا من بُنود ألخَريطَة ألجَديدة ، وهَذا ما يَفرُض تاليَآ ألحَذَر ألشَديد تِجاه أيَة طُروحات قَد يُشتَم مِِنها مَشروع فَدرَلَة سَيُصيبُ لُبنان الكَيان مَقْتَلَآ ،، مَع ألإشارة أنَ تَجاهُل ألمُجتَمَع ألدَولي لِعَودَة ألنازحين السوريين إلى وَطَنهم سواءً كَانَ مُتعمدآ أو غَيرَ مُتَعَمَد ما هوَ إلا صَب ألزَيت عَلى نارِ ألأزمَة ألسياسية ألداخِلية المُستَفحِلَة ..

إن الصِراع المُحتَدِم في ألمَنطقة أليَوم يَنعَكس عَناوين طائفية و مَشاريع مَذهبية وعِرقيَة جُهَنَميَة ،، كَما أنَ ألسَعي أن يَكون لِكُل طائِفَة او قَوميَة دُوَيلتَها وثَقافَتها هو مَشروع تَقسيم و حُروب مُستَقبلية و قَد سَبَقَ أن أطلّ شَبح ألتَقسيم في لبنان و لُوِحَ به إبَانَ الحَرب ألأهلية و ألإجتياح ألإسرائيلي و سَقَطَ مما يُحَتِم ألوَعي ألكامِل كَي لا تَتَكَرر ألتَجرُبَة …

مِن جِهَةٍ أُخرى ،، إن إقتراح و تَسويق فِكرَة ألمُؤتَمَر ألتأسيسي يَضَع ألوَضع اللُبناني بِرُمَتِه في مَأزَقٍ كَبير لِذا لا يَجِب إعتماده مَادَة نِقاش أو أخذ و رَد ، بَل أنَ ما يَجِب ألإصرار عَليه هوَ تَطبيق إتفاق ألطائف نَصَآ و روحَآ بِحذافيره بِما في ذَلِكَ إنشاء مَجلس ألشيوخ و ألتَوَجُه نَحوَ دَولَة مَدَنية مَع فَصلِ ألدِين عَن ألدَولَة .. لا شَك أن ثَغَرات عَديدَة تَشوب الدُستور اللُبناني ألحالي و هوَ بِحاجَة لِعَمَليَة شَدْشَدَة إلى حَدٍ ما إضَافَةً إلى بَعض ألتَعديلات لِمواده ،، هذا ألأمر كَافٍ و لا يتطلب أكثر مِن وَرشَة دُستورية إصلاحية ، لَكِن في ظِلِ مَناخاتٍ مؤاتية غير مُتَوفرة أليَوم …

لا يُمكِن تَجاهُل خُطورَة و هَزالَة الوَضع السياسي القَائِم حَاليَآ في لُبنان ، القَضية بَاتَت تَتَجاوَز تَشكيل حُكومَة وِحدَة وَطَنية ، وَ مَن قالَ أنَ الوِحدَة الوَطَنيَة تُؤَمَن أو تُحْمَى و تُضْمَن بِهَكَذا نَوع مِن ألحُكومَات هي كِناية عن مَجلسٍ مِلي أو نيابي مُصَغَر ، فَفي نَظرَةٍ مُتمعِنَة لِطَبيعَة المواقف السياسية نَجِد أنَ كُل ألمُؤشِرات تَدُل على أبعادٍ جَسيمَة و سَيئَة للنَوايا و ألمَواقِف مِن طَرح فِكرَة ألمؤتَمَر ألتأسيسي بألتَزامُن مَع رَفع سَقف وَ لَهجَة ألخِطاب ألسياسي مِن قِبَل هَذا أو ذاكَ مِن ألمُتَخاصِمين السياسيين دونَ ألأخذ بِعَين الإعِتبار مَصلَحَة الوَطَن العُليا ، مِما سَيَستَتبِع حَتمَآ تلاشيآ فُجائيآ غَيرَ مَحمودِ ألعوَاقِب لِلإستِقرار في الشَارِع أللُبناني و تَفاقُمَآ لِإنهيار ألمُؤسَسات ألعَامَة و ألخَاصَة وَ يَدفَع بِالتالي ألوَضع المَالي و ألنَقدي إلى ألإفلاس ألمُنتَظَر ..

مَعلومات غَير رَسميَة يتداولها ألعاَمَّة و يَجري طَرحَها في مَجالِس ضَيقَة مَضمونَها سَعي قِوى سياسية لِطَرحِ إستِعادَة صلاحيات يَعتَبرونَها سُلِبَت غَفْلَةً و غِيلَةً مِن رئاسة الجُمهورية و ذلك من خلال “المؤتمر التأسيسي” ، بِألمُقابِل مَجالِس أخرى تَطَرح وَقف ألتنازُلات مِن قِبَل فَريقٍ لأفرِقاء آخَرين وَ طَرح مَوضوع ألمُثالَثَة ألمَذهَبيَة بَدَل ألمُناصَفَة ألحاليَة بَينَ ألمُسلمين و ألمَسيحيين ..
كَما أنَ ألكَثير مِن ألمُفَكِرين ألسياسيين و ألمُحَللين باتوا يَخشونَ أن تَكون فِكرَة أو إقتراح أو ألسَعي إلى مُؤتَمَر تأسيسي مُقدِمَة لِطَرح الفِدرالية ألمُقَنَعَة الَتي سَتَقود أللبنانيين إلى مَزيدٍ من ألإنعزال ألطائِفي و ألمَذهَبي و التَقَوقُع في كانتونَات جُغرافيَة ، تَقسيميَة في جَوهَرِها ، فَنَخسَر بِذَلِكَ فَرادَّة لُبنان ألوطَن ألرِسالَة .

لُبنان وَطَنٌ مَنكوب ،، و قُدرَة أهلِ ألبَلَد عَلى تَحَمُل هَذا ألكَم مِن ألإستِلشاء و ألضَحَالَة ألفِكريَة و ألسياسية إضافَةً إلى ألفَسادِ و ألإهمال و ألأزَمات ألإقتصادية و ألمَعيشيَة و مُؤخَرَآ ألنَفسيَة أصبَحَ يَفوق طاقَتَهُم و هوَ غَير مُقتَصَرٍ عَلى مَنطِقَة دونَ أُخرى ، لِذا باتَ مِن ألواجِب وَطَنيآ و شَرعيَآ ، دينيآ ، أخلاقيَآ و ضَميريَآ ألخُروج مِن هَذا ألمُستَنقَع ألنَتِن الذي سَمَمَ أحلام اللبنانيين و أغرَقَ آمالَهُم و بَدأ يُمَزق نَسيجَهُم ألإجتماعي و ألديمُوغرافي …!

فَكَيفَ سَيَكون ذَلِكَ ..؟ مَن سَيُلزِم مَن بِتَطبيق الدُستور و ألقانون طَالَما كُلٌ في شَرنَقَتِه ألمَذهَبيَة أو الحزبيَة ..؟ وَ مَتى تَبدَأ عَمَليَة إصلاح ألإدارة و تَغيير ألواقِع ألمُزري ..؟ كَيْفَ سَيَتِم تأمين حُقوق ألمواطنين و مُتطلَباتِهم ألمَعيشيَة و ألإقتصاديَة عَلى إختلافِ طَبقاتهم و تَوزُع مَناطِقِهِم ..؟
مَن سَيَنبَري لِهَذِه ألمُهِمَة ألجَليلَة ألمُقَدَسَة ..؟ قالَت : “أما بينَ هَذي ألجُموع مِن رَجل” مَع ألإحترام ..!!

في أَتوْنِ هَذِهِ ألإخْفاقاتِ ألكُبرى لا يَجِد ألمُواطِن جَوابآ على ما تَقَدَم فأليأس إستَفحَلَ و “بَلَغَ ألسَيل ألزُبى” ،، ألإنتِظار مُميت و ألتَأجيل قَاتِل و ألمُراوَغَة خَادِعَة ، و إن كَانَ ألإنتِفاض عَلى ألواقِع مِنَ الصُعوبَة بِمَكان إلا أنَهُ لَيسَ مُستَحيلآ …!

أخيرَآ و حَسَب الرواية الشَعبية وَقَفَ المَلك ابي عبدالله ألصغير بَعدَ هَزيمَتِه يُلقي نَظرَتَهُ الأخيرَة عَلى “غرناطة” ألأندلسيَة و هي ما يُعرَف بِ (زَفرَة العربي الأخيرة) (بالإسبانية: el último suspiro del Moro) وَ بَكَى ،، فَقالت لَهُ أُمُه “عائشة الحرة”: «ابكِ كالنِساء على مُلك لَم تُحافِظ عَليه كالرِجال».
عَلى رَجاء ألا نَبكي مُلكِنا وَطَنُنا …

*عَميد،كَاتِب وَباحِث.