حذارِ قمة خنفشارية تتضمن لعباً في المحظور وتنذر بالانفجار ..

عباس صالح*

—————

لنفترض أننا نستمع الى نكتة سياسية، أو الى سيناريو خيالي، أو الى أسطورة جنونية، تقول إن قمة اقتصادية ستعقد للبحث في إعادة إعمار سوريا، ولكن من دون حضورها! او من دون ان توجه اي دعوة لدولتها ونظامها الرسمي الذي انتصر في أشرس حرب كونية، وبعد 8 سنوات على أعتى ماكينات الارهاب العالمي العابر للقارات، وهو إرهاب تضافرت من ورائه 84 دولة بينها الكثير من الدول الأعظم والأغنى،  وقد عملت ليل نهار بكل ثقلها وأجهزتها الرسمية لخلق حركاته الهدامة على اختلافاتها، ورعايتها ودعمها بأحدث الاسلحة الفتاكة ومنها لمحرمة دولياً، وساعدته وتورطت معه بدخول الحرب مباشرة وعبر جيوشها الجرارة وطائراتها وأساطيلها الحربية وما الى ذلك من الوصف الذي لا يُختَصَر ببضع كلمات، لكن يمكن الاكتفاء في هذا المضمار بالقول ان هذه القمة ستعقد من دون وجود الدولة السورية التي اعادت بسط سيطرتها على أراضيها وباتت الجهة المقررة الوحيدة في اعادة الاعمار وكيفيته وظروفه وأولوياته وكل تفاصيله الاخرى! 

باختصار، حتى المجانين، يعرفون جيداً ويدركون ملياً، أن حجراً واحداً لا يمكن ان يوضع في مكان ما على أرض سورية من دون موافقة دولتها، فكيف ولماذا ستنعقد القمة اذا لم تكن الدولة السورية هي المحرك الاساسي فيها والمعني الاول بالدعوة والتحشيد لها؟! 

والا فما المغزى الفعلي من هكذا قمة ؟ وما هي جدواها؟ ولنفرض ان قرارات اتخذت في سياق دعم إعادة الاعمار، مع من سيتم التنسيق بشأنها؟ ولمن ستسلم المبالغ؟والى ما هنالك من أسئلة وتساؤلات بديهية، ترد في مخيلات عقلاء يريدون ان يفهموا ما يحدث بمقاييس العقل الانساني.

وبمقاييس العقل البشري نفسه، نريد ان نفهم ما هو المردود السياسي والاقتصادي والوطني من هذه القمة على البلد المضيف الذي ييتكبد جراءها اعباء مالية باهظة، وحتى ولو لم يكن بلداً منكوباً مالياً، وهو بحاجة لترشيد كل النفقات في الاتجاهات الصحيحة وعصرها ما امكن للحفاظ على وضعيته المالية التي باتت على شفير السقوط في الهاوية؟

هناك بعد. فهذه السبل المنطقية في الاستقراء السليم تصح فيما لو كانت الدولة السورية هي المعنية الاولى والاخيرة بعقد هذه القمة وهي المحرك، ساعتئِذ يبقى على البلد المضيف أيا كان، ان يسأل عما يجنيه ويحققه من مكتسبات على كل الصعد، من انعقاد مثل هذه القمة على أرضه.

ولكن ما يجري اليوم فعلاً يبدو انه عصي على فهم العقلاء والمجانين معاً، لأن البلد المضيف نفسه لا منفذ له سوى سوريا، وسوريا المعنية غير مدعوة الى القمة وغير موافقة عليها، ولبنان لن يجني من هذه القمة اي مردود، سوى الكثير من التداعيات السلبية التي لن تحمد عقباها لأنه يعقد على ارضه اجتماعاً لن يكون بأي حال رفيع الحضور ولن تكون شخصياته من الدرجة الاولى حتماً، وسيهدر الكثير من اموال اللبنانيين على مجموعة من السياسيين العرب، في سبيل مشروع لن يرضي سوريا بل سيغضبها، ولن يرضي الغالبية الساحقة من اللبنانيين بل سيرفع التحدي لعقولهم أولاً، ولن يرضي العرب الذين يهرولون مسرعين منذ فترة لاعادة التطبيع مع الدولة السورية، وما يهمهم فعلياً في هذه الآونة هو إرضاء النظام والتصالح معه، واذا كانوا يريدون ان يقدموا مساهمات لاعمار سوريا فستكون من خلاله مباشرة ولن تدفع في قمة تعقد في بيروت للاستفزاز فقط!.

أما تذرع وزير الخارجية السابق جبران باسيل بأن الدعوات شأن الجامعة العربية فهو ايضاً من قبيل السخرية والاستهزاء بالعقول، لأن لبنان في أبسط الحالات يستطيع ان يعتذر عن عقد القمة على ارضه، او بإمكانه إرجاءها الى امد معين يتبين معه مسار  عودة سوريا الى الجامعة العربية، وحينها تنعقد في حضورها، وبتمثيل عربي سيكون رفيعا بعد عودة الحرارة الى المنظمة المعنية بوحدة العرب.

عقد القمة في هذه الظروف سيجعل من لبنان وسياسييه محط سخرية العالم كله، باعتبارها ستكون قمة خنفشارية لا فائدة منها سوى للنكايات السياسية والالاعيب الولادية، وإرضاء النفوس المريضة. 

لكن حذارِ فإن هذه القمة تتضمن لعباً في المحظور لبنانيا، وربما يكون انعقادها واحداً من أسباب باتت متراكمة لانفجار اجتماعي جديد، فهلموا إلى لملمة الأمور قبل انفلاتها من أيديكم.

—————

*رئيس التحرير