الخيار الثالث … The third option

 

بِقَلَم ألعميد منذر ألأيوبي*

لَطالَما كانَت ألعَلاقات ألديبلوماسيَة “ألخَيار ألأوَل” وَسيلَةِ ألإتصال ألراقيَّة ألأساسيَة ألمُتَعارَف عَليها دَوليآ ، إضافَةً إلى كَونها ألمِعبَر ألأساسي لإجراء ألمُفاوضات بَين ألدُول و ألأمَم ، هي بِمَفهوم ألعِلم ألسياسي فَن ألتفاوض The Art of Negotiation
و هوَ “عَين ألسياسة” ..
تاريخيآ ،، عَرَفَ “الروماَّن” كَلِمة “دبلوماسية” Diplomatic بأنها صِفَة لِطباع المَبعوث أو السَفير بِما يعني “الرجُل ألمُخادع ذو الوَجهَين”…
‏The deceptive manو بِغَض ألنَظَر عن قَساوَٓة ألتَعريف ألروماني فألديبلوماسيون المُمثلون لِدولهم و المُفاوضون عَنها هُم مَن يؤَمِن استمرارية العلاقات اليَومية بَين بِلادهم وَ البِلاد التي يَخدُمون فيها ، سَاعينَ لِتحقيق ألمَكاسِب ألسياسية و ألاقتصادية كَما ألتجارية لِمَصلحة حُكومات دُوَلهم إضافَةً لتَحسين التَعامل وَ ألصِلات الدولية …

تَبقَى ألديبلوماسية و أعرافها ألبروتوكولية ألمُتَبعة أمرَآ لا غِنى عَنه لا بَل حاجةً قَيمَٓة للبُلدان و ألحُكومات إذ أنها قَناة ألتَفاوض ألأولى رَقم (1) …
‏ First Channel of negotiation ..

مِن ألطَبيعي أن تَكون ألحَرب Hot War هي
“ألخَيار ألثاني” بَعد ألديبلوماسية ،، تُعتَبر ألحَرب وِفقَ ألكََثير مِن ألباحثين و ألأكاديميين رُوح ألسياسة أما ألديبلوماسية فَهي حَياتها ..!
« الحَرب” هيَ نِزاعٍ بَين دَولتين أو أكثر نَتيجة خِلافات عَلى ألمَصالِح ألسياسية أو ألحُدودية أو ألإستراتيجية .. إلخ ،، يَترتَب عَليها إعادَة صياغَة الجُغرافيا السياسية لِلحُصول عَلى ألنَتائِج ألمَرجوَّة ألمُخَطَط لَها ذاتيآ و مُسبَقَآ .. مِن جِهَةٍ أُخرى يَعتَبر أكاديميون الحَرب أعلى دَرَجات الدبلوماسية كَما أنَها وَسيلة مِن وَسائل التَفاوض .. في كتابِه عَن ألحَرب يَقول “كلاوزفيتز” Carl von Clausewitz : ” إنَها عَملياتٌ مُستَمرة مِن العلاقات ألسياسيَة ، لَكنها تَقوم عَلى وَسائِل مُختَلِفة “..!!

“ألخَيار ألثَالِث” وَ لََه وَجهان حَرب أللاعُنف War of Nonviolence هِيَ ألوَجه ألأول ، تُعَرَف كَنَهجٍ فَاعِل في ألعَمَل ألسياسي و ألإجتماعي لَها إستراتيجياتها و تكتيكاتها إضافَةً إلى فَلسَفتها ،، أداةٌ مَنهجيةٌ في ألتَغيير و ألتَحَرُر مِن ألظُلم وَ ألإستِبداد كَما مِن أداء ألسُلْطَة ألمُنحاز و ألفاسِد حَيثُ تَسَيُد ألفاسِدين ألمُفسِدين وَ ذَلِكَ دونَ عُنفٍ و بإستِمراريَةٍ دونَ إستِسلام ..

“حَرب أللاعُنف” لَيسَت هَويَة ألضُعفاء ،، هِيَ سلوكٌ حَضاريٌ راقٍ يَسعَى لِتَحقيق ألمَطالب ألمُحقة و تَمتَاز بِوِحدَة ألمُشاركين بِها ، بإرادَتهم ، بِثقافَتهم ، بِذكاءِهِم و صَبرِهم ،، يَمتَلكونَ قوةً تغير وَجهَ ألعَالَم وَ ألدولَة وَ ألمُستَقبل .. أما أسلِحَتها فَتَبدأ بألإحتِجاجات و ألتَظاهُرات ألسِلميَة وصولآ إلى ألعُصيان ألمَدَني Civil Disobedience ..

في سِياقٍ مُتَصِل ، يُشَكِل ألتَواصُل مَع ألمواطنين إضافَةً إلى شَرحِ أسباب ألحِراك و ألأبعادِ و ألأهداف عَبر إستخدام أجهِزَة ألإعلام و ألإعلان وَ وَسائل ألتَواصُل ألإجتماعي بِموازاة رُؤيويَة فِكريَة واضِحَة ضَمانَةً لِإستِقطاب ألشرائِح ألإجتماعية ، ألسياسية ، ألحِزبيَة ، ألطُلابية و ألنَقابيَة ، بِما يَكفَل إلتزامَها قٍواعِد ألتَحَرُك ألسِلمي ألفَاعِل وَ تَصاعُد أللَهجَة ألمَطلَبيَة مَع ألأصرار وٍ ألتَمَسُك بِألقَناعات و بألتالي تٍنامي حَجم ألجُمهور ..!

ألوَجه ألآخَر لِ “ألخَيّار ألثالِث” هوَ ألحَرب ألإستخباراتية The Intelligence War و تَهدُف إلى ضَمان مَصالِح ألدَولَة ألجيوسياسية و ألإستراتيجية .. ألخَيار ألثالث إستخباراتي بِإمتِياز لا يَلتَزِم قَواعِد ألحَرب ألكلاسيكيَة وَ لا مَواثيق ألمُنظمات ألدَولية ، ألإنسانيَة و ألأمَميَة لا سيَما حِمايَة ألمَدَنيين ، حُقوق ألأسرى و ألجَرحى و ألمُعتَقَلين ..

كُلُ شَيْءٍ مُباح عَلى مَيدان ألصِراع ، لا حُدود جُغرافية ، لا حَصانَة لِأحَد ، حَقل ألعَمل جُنح ألظلام، ألأسلِحَة و ألأدَوات ألمُستخدمة إستثنائية ،، أما ألجُنود فَهُم ألعُملاء بأللِباس ألمَدَني ذَوي أليَاقات ألبَيضاء و َألعُيون ألجَليديَة ..! تَحقيق ألأهداف يَعلو وَ لا يُعلَى عَليه ، كٍما أنَ ألدولة ألعَميقَة “ألإستبليشمنت” Establishment صَاحِبة ألقَرار فيهَا و بإعلانِها ضِمنيَآ ،، مَع ألإشارة إلى أن “ألحَرب ألنَفسيَة” Psychological warfare مِن لوازِمها و أدواتَها ألرَديفَة ..!!

لَم تَكُن ألمُطوَلَة ألبَحثيَةً إلا ضَرورةً لِتوَضيح ما يَجري في دُوَل ألإقليم ألشَرق أوسطي ،، !!
فَهُنا لا إستثناء لأيٍ نَوعٍ مِنَ ألخَيارات أعلاه ،، ألمَيدان مُشَرَع ألأبواب و إذ تَستخدِم ألدول ألكبرى “ألخَيار ألثالث” فأِنََ دُوَل ألإقليم مُنغَمِسَة في حُروبٍ و نِزاعات دَمَويَة “ألخَيار ألثاني”،، لا إحْصاء مَنطِقي فيها لأعْداد ألقَتلى وَ ألجَرحى كَما لِلنازِحينَ وَ ألمُهَجَرين ،، بِمُعظَمِها إن لَم نَقُل جَميعها حُروب بألوَكالة ..
أما شُعوب ألمِنطَقة فٍهي تُحاوِل ألتَعبير عٍن رأيها و مَطالبها في حالَةِ “حربٍ أللاعنف” ،، لَكِن حُكوماتها تَبدأ مَعها ألحِوار بألهَراوات و تُنهيهِ بألرَصاص ألحَيّ ..
أخيرَآ ،، يَجدُر ألإشارَة إلى أن “ألخيار ألثالث” لا ضَرورَة لِتَفعيلِهِ Reactivated عِنْدَ أللُزوم ،، فَهو ناشْطٌ في كُلِ زمانٍ و مَكانٍٍ ،، ألأمثلَة كَثيرَة مِن ألحُدَيدَة إلى إدلِب ، هِيَ لَم تَعُد دَربآ مِن طَريق ألحَرير أنَها دُروب ألمَوت !! أدْمَنا سُلوكَها و باتَ عُبورَها أمرَآ لا مَناصَ مِنْه أو مَفَر ،، لَكِنَ ألخِشيَة هي مِن حال ألمُرواحَة حَيثُ أكوامِ ألجَماجِم عَلى أرصِفَتَها لَا تُعَدُ أو تُحْصَى ،، مَع ألأسَف ..!

*عَميد، كاتِب وبَاحِث
في الشؤون ألأمنية و الإستراتيجية.