البَجعَة البيضاء.. White Swans

بقلم ألعميد مُنْذِر ألأيوبي

بناء لقرار ألرئيس ألروسي فلاديمير بوتين مُوَجَه إلى قائد ألقوات ألجو فضائية ألروسية ألفريق أول فيكتور بونداريف Viktor Bondarev إنطلقت فَجر أول من أمس من قاعدة Saratov ألروسية ألعسكرية ألجوية قاذفتين إستراتيجيتين نوويتين من طراز TU-160 ألمعروفة ب “ألبجعة ألبيضاء” ترافقهما طائرة ألشَحن ألثقيل Antonov An-124 و طائرة نَقل ألقوات Ilyushin ll-62 بإتجاه مطار ماكيتيا Maiquetia بالقرب من ألعاصمة كاراكاس في فنزويلا ،، قَطعت خلالها ألقوة ألجوية ألروسية مسافة 11.000 km في أجواء بَحْرٌَي بارنتس – النروج – ألمحيط ألأطلسي و ألبحر ألكاريبي للمشاركة في تمارين و مناورات جوية روسية-فنزويلية مُشتركة حَسبَ ما أُعلِن ..

ألعَملية من ألمَنظور ألعسكري ألإستراتيجي ألبَحت تَضع ألقواعد ألعسكرية ألأميركية تَحتَ مَرمى ألصواريخ ألتكتية ألنووية ألروسية ألمُتوسطة ألمَدى ، و هي ألمرة ألأولى التي تَنتَشر فيها قوة صاروخية نووية جوية روسية في أميركا اللاتينية على بعد 4000 km تقريبآ من قواعد ألولايات ألمتحدة ألأميركية و ذلك مُنذ أزمة ألصواريخ ألنووية SS-4 ألتي حاولت روسيا نَشرَها في كوبا عام ١٩٦٢ .

مِن جِهَةٍ أخرى ،، إعتبر ألكرملين على لِسان ألناطق بإسم ألرئاسة ألروسية ديميتري بيسكوف أن إنتقادات وزير ألخارجية ألأميركية جورج بومبيو في هذا ألخُصوص “كلام غير ديبلوماسي و إتهام خطير” ،، و كان بومبيو قد عَلَقَ بِغَضب على تَوجه ألقاذفتين ألإستراتيجيتين ألروسيتين إلى فنزويلا ، في تغريدة إعتبر فيها ألعَملية: “هَدرآ للمال ألعام ، حُكومتان فاسدتان تَسحقان ألحُريات في حين يُعاني شَعباهما”.. ثم توالى ألرَد ألروسي بِشَكلٍ لافِت على تصريحه فإعتَبَرهُ برلمانيون روس أنه: “غير لبق” كما عَلَق نائب رئيس لجنة ألشؤون الدولية فلاديمير جاباروف قائلآ: “ليسَ هو من يُقرر كيفية إنفاق حكومتنا أموالنا” ، أما رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما ألكسندر شيرين بألإضافة لسياسيين و إعلاميين كُثُر فإعتبروا كلام بومبيو: “لا يستحق ألإهتمام”…

هذا ألصَخب ألذي أثيرَ لَم يأتِ من فَراغ ، فهو إعلانٌ مُضْمَر عن تَجدد ألحَرب ألباردة بين روسيا و الولايات ألمتحدة ، فَ لعبة شَد ألحبال و ألعَض على ألأصابع مُتواصلة بِدءآ من قرار ترامب ألإنسحاب من معاهدة ألحَد من ألصواريخ ألنووية ألقصيرة و ألمتوسطة ألمدى ،، إلى ألأزمة ألأوكرانية و إحتجاز ألبحرية ألروسية للسُفن ألعسكرية ألأوكرانية مع بَحارتها في مياه بحر آزوف مؤخرآ ،، مُرورآ بالحرب السورية و تعاظُم ألنفوذ ألروسي سواء في ألشرق أو على ألمَسرَح ألعالمي ..

“كاراكاس” ألعاصمة ألفنزويلية تَنَفَسَت ألصُعداء بِوصول ألقوَة ألجَوية إلى مطار Maiquetia لا سيَما و أن قيادَتها ألعَسكرية سَبَقَ و إتَخذت تَدابير دِفاعية عَاليَة ألمُستوى تَحسُبآ لإقدام ألولايات ألمتحدة على مُحاولة غَزوَها ، خاصةٍ بَعدَ مُحاولة ألإغتيال ألفاشلة ألتي تَعَرضَ لَها ألرئيس ألفنزويلي نيكولاس مادورو أوائل شهر آب ٢٠١٨ أثناء إلقائه خِطابه في إستعراضٍ عَسكري في ألعاصمة كاراكاس بواسطة طائرتين مُسَيَرَتين مُحَمَلتين بألمتفجرات.

كُثُر من ألمحللين ألإستراتيجيين و مَسؤولي ألإستخبارات ألأميركية سَيَطرحون بَديهيآ أسئلةً يُحاولون ألإجابة عَنها ، بَعدَ أن تَبيَن أن عديد ألقوة ألروسية ألمُرافقة يَبلُغ ١٠٧ عسكريين بين ضباط و طيارين و فنيين على دَرَجة رَفيعة من ألتَدريب ، إضافَةً إلى أن تَواجد أل TU-160 على مَقرُبة من شواطيء ألولايات ألمتحدة لَيسَ أمرآ ثانويآ : إلى مَتى سَتبقى هذه ألقوة ألجوية ألإستراتيجية في فنزويلا ؟ ما هي ألغاية من تَواجُدها ؟ ماذا يَتَضَمن بَنك ألأهداف ألمُلَقَم في أجهزتها ؟ هل هي مُزودة بألصواريخ ألنووية ألإستراتيجية ألمُخصصة لها ؟ أم أن ألأمر يقتصر على ألصواريخ “ألمادون” نووية و ألأسلحة ألكلاسيكية كونَها تُشارك في مُناورات تَدريبية …! و ما ألذي يَضمَن مُستَقبلآ عَدَم توقيع مُعاهدة دِفاع مُشترك بين روسيا و فنزويلا ؟ و ما هي إنعكاسات ذَلك فيما لو حَصَلَت ؟؟

ألقادَة في وزارة ألدفاع ألأميركية “ألبنتاغون” حَاوَلوا ألتَخفيف من أهَمية ما يَجري في ألبَحر ألكاريبي Caribbean Sea إذ أعلَنوا عن مُتابَعتهم تَحَرُكات ألقاذِفات ألروسية مُعتَبرينها تأتي ضِمنَ إطار ألمناورات ألتَدريبية ليس إلا “..
لا شَك أن ألقيادة ألروسية سَتتحفظ عن تَوضيح كل ما ذُكِر ،، و من أجْدَر من ألرئيس آلروسي بوتين في مُمارَسَة الحَرب ألنَفسية و أللُعبة ألإستخبارية و ضَعضَعَة ألخَصم …؟

عَمَليآ ، ألمَصالح ألمُشتركة ألتجارية و ألإقتصادية سَتتوطد بين ألبلدين لا سيما و أن إتفاقيات ثُنائية وُقِعَت و منها ما سَيوَقع قَريبآ في قطاعي ألنفط و ألذهب ، وهذا حَتمأ لا يُريح أميركا إذ أصبَحت روسيا في حَديقتها ألخَلفية سياسيآ و عسكريآ و إقتصاديآ …

بألتَوازي ، أعطى وزير ألدفاع ألفنزويلي “بادرينو لوبيز” أهميةً لما يَجري مِن خلال إستقبالِه ألعسكريين ألروس في مَطار كاراكاس ألدولي مُصَرِحَآ بِقوله : ” كما نَتَعاون في مَجالات ألتَنمية ألمُختلفة نَستَعِد أيضآ للدِفاع عن فنزويلا ، مُعتبرآ ألمُناورات بأنها تَبادل تَحليق عَملاني لِرَفع مُستوى أنظمة ألدفاع ألجوية للبلدين” .

أخيرآ ،، يبدو أن مسرح ألصراع ألروسي – ألأميركي لم يعد مقتصرآ على ألحَلَبَة ألأوروبية “ألملف ألأوكراني” و لا على ألحلبة ألشرق أوسطية “ألملف ألسوري” !! فها هي فنزويلا تفتح للدب ألروسي حلبة أميركا أللاتينية …
” ألبَجعَة ألبيضاء ” هاجَرَت إلى ألبِلاد ألدافِئة عَسى أن لا يَكون شِتاؤها قاسِيَآ …

*كاتب و باحِث في ألشُؤون ألأمنيَة وَ ألإستراتيجية .