الانسحاب الاميركي من سوريا .. الأبعاد والخَلفيات..

 

بقلم ألعميد منذر ألأيوبي*

 

تَغريدَة غير مُتوقعة للرئيس ألأميركي دونالد ترامب أعلَنَ فيها عن إنسحابٍ فَوريٍ للقوات الاميركية مِن شَمال شََرقي سوريا بَعدَ هَزيمَة داعش “على ما صَرَح” مؤكدآ على مَوقِفٍ و نيةٍ سَبَقَ أن أعْلَنهُما مُنذُ حَوالي سِتَة أشهُر تَقريبآ … هوَ ألرئيس ترامب “ألبراغماتي” مُتَسَيدآ بِقرارتِه و قَناعاته لا يُقيم وَزنآ لِأركانِ إدارَتِه و مُستشاريه أو لعلاقاتٍ مع حُلَفاء ، مُصِرٌ على تَقليص حَجم ألإنتشار ألعسكَري ألأميركي في ألخارِج ، رَفض ألإتفاق ألنَووي ألإيراني و إتفاقية تَغير ألمَناخ ، ألإنسحاب من مُعاهدَة ألحَد من ألصواريخ ألنَووية القَصيرة و ألمُتَوسطة ألمَدى ، بِناء ألجِدار ألحُدودي مع ألمكسيك ، خَفْض عَديد ألقوات ألأميركية في أفغانستان إلى ألحَد ألأدنى تَمهيدٍآ لِإنسِحابٍ شامِل مُستَقبَلَآ وَ ذَلِكَ وِفقَ ما تَعَهَد بِه في بٍرنامجِه ألإنتخابي ..
إلا أن مِما لا شَكَ فيه أنه قَرارٌ دراماتيكيٌ مُفاجيء أَدى و سَيؤدي إلى إرباكٍ و تَصَدُعٍ لِلإدارة ألعَميقَة في واشنطن كَما سَيُثير ألكََثير من ألتَساؤلات و ألغُبار في مَيدان ألمنطقة … هيَ مَرحَلَةٌ جَديدَة و ألأسئلةُ ألمَطروحَة مَشْروعة و كَثيرَة حَول ألأبعادِ و ألخَلفيات ، ألخَيبَّاتِ و ألإستِنتاجات .!!

هل ألإنسحاب ألأميركي يَصُب في خانَة مَشاريع حُروب جَديدة .؟؟ أم هو تَخَلٍ عن مَنطقة نُفوذ “غَنيَةٌ بِألنَفطِ وَ ألغاز” و ألتَهديف نَحوَ مَنطقة أُخرى في ألعَالم كَ “شَرق آسيا” مَثَلآ .؟؟
هل مِن ضِمنِ أهدافِ ترامب إطلاق يَد ألرئيس بوتين في إرسَاء ألتَسويَة في سوريا – بناءً لتفاهُم مُسبَق بَينَهما و غَير مُعلَن .؟؟
هل هُنالك تَفويض لِأردوغان بأخذِ دَورٍ ما زال يَطمَح إليه كشُرطي ألمنطقة – ضِمنَ إرتياحٍ تركي – أميركيٍ مُستَجِد يُسَهل عَمَليَة إنتشار ألقوات ألتُركيَة على ألشَريط ألحُدودي و شمال شرق سوريا ألمُتاخِمَة .؟؟ هل ألجَيش ألتُركي ألمُنضَوي تَحت رايَة حِلف شَمال ألأطلسي هو ألبَديل ؟ و هوَ بالتالي مَن سَيحفَظ مَصالح ألغَرب و مُحارَبَة داعش .؟؟
هل ألإنسحاب سَيَدفع ألأكراد إلى مواجَهَة دامية مع الجيش التركي “كوباني، عين عيسى، خراب ألعشق” أم إلى ألإنكفاء و ألعَودَة إلى ألإلتِحاق بالدَولة ألسورية بَعد خَسارتهم حَليفهم ألأساسي مَيدانيآ .؟؟
هل سَتعود داعش و ألنُصرة و غَيرَها من ألتَنظيمات الإرهابية ألجِهادية و ألمُتطرفة إلى ألتَمَدُد مُجَدَدآ و تَوسيع ألحَيِّز ألجُغرافي لإنتشارها مُستغلةً ألفَراغ ألحاصِل .؟؟
أين هو ألعدو ألأسرائيلي في ألمُعادلة ألجديدة و ما هي ألإرتدادت سِواء على إستراتيجيته أو على صَعيد ألداخِل ألإسرائيلي و نتنياهو تَحديدآ .؟؟
هل وَراء ألأكَمة ما ورائها – صَفقة كبيرة تَطال و تَشمُل ألقوى ألإقليمية ألمُتمثِلة بألمحوَرَين ألمُتَصارعين تتضَمَن تَبريد ألمَلفات ألساخِنة ” سوريا ، ألعراق ، أليمن ” و إعادَة تَرتيب ألأوراق تَمهيدَآ لِلتَسوية ألشامِلة و ما يُسمى صَفقَة ألقَرن و إن مُعَدَلة .؟؟
كَيفَ تواجه أميركا إيران بالعُقوبات و تَعتَبِر أن دَورها تَخريبي في ألإقليم ثُم تُخلي ألطَريق ألبَري ألمُمتد من ” قصر شيرين الإيرانية ــ ديالى البَعَّاج العراقية – دير الزور السورية، وصولآ إلى شَرقي لبنان لناحية مَنطقة الهرمل، القاع ” بما يُفْسِح ألمَجال لِتَمَدُد ألنُفوذ ألإيراني و هَو ما يُثير هَلَع نتنياهو و يَخشاه .؟؟
هل سَتَتأثر عَملية تَطبيع ألعلاقات ألعربية – ألأسرائيلية “أللا مُستجدة” لا سيما مع دوَل ألخَليج ألعَرَبي .؟؟
ما هي قَواعِد ألإشتباك ألجَديدة .؟ و هل سَتكون على إنموذج و نَسَق قواعد ألإشتباك (ألسوري-ألإسرائيلي) التي فُرِضَت من قِبَل القيادة ألروسية بَعدَ حادِث إسقاط طائرة “ألأليوشين” Ilyushin 20 ألروسية مُقابِل شواطيء أللاذقية من قِبَل طيران ألعدو ، و ما تَلا ذلك من قَطيعَة مَحدودة مع إسرائيل و تَسليم الجيش السوري بَطاريات صواريخ ألدفاع الجوي SS-300 .؟؟
أخيرآ هَل أتَى قَرار ألرَئيس ترامب بألإنسِحاب مِن سوريا بَعدَ دِراسة مُتأنية مع مُستَشاريه ألمُقربين و أركان ألبنتاغون كما مع حُلَفاءه ألغَربيين ..؟ “مع ألإشارة إلى أن وزير ألدفاع ألأميركي جايمس ماتيس إستقال من مَنْصِبه أليَوم “أمس” على خَلفية قَرار ألإنسِحاب” …
بألمُختَصَر ،، بعد أقل من ٢٤ ساعة إرتَسَمَ ألمَشهَد ألصَباحي كما يلي : ألقَلق إسرائيلي ، ألتَشكيك روسي ، ألرِهان تركي ، ألإرتياح سوري-إيراني ، آلإعتراض أميركي” ألإستبليشمنت” ، ألشَجب و ألإستْنكار ألحلفاء الغربيين و ألأكراد …

رُغمَ أن ألقُوة ألأميركية ألمُنتَشِرة في سوريا يتَراوح عَديدها بين ألفين و ثلاثة ألآف جندي بِما فيها تِلكَ ألمُتواجدة في ألقواعد ألجوية “رميلان – ألجلبية – ألطبقة” فَهيَ لَيسَت ذات تَأثير هَام على ألمَيدان ، إلا أنَ ألمَظَلة ألتي يُشكُِلها وجودها كَحامٍ و ضامنٍ لِحُلفاءها لا سيما إسرائيل هو ألأكثر أهمية و فَعالية ، فَألإنسِحاب أفْقَدَ حكومة ألعدو ورقة ألمُساومة ألمُهِمَة و ألوَحيدَة في وَجْهِ روسيا و تركيا ، و على هذا ألأساس فأن ألعاصِفة ألتي أثارها قَرار ألإنسحاب لَن تَهدآ سَريعآ أو في ألمَدى ألمَنظور و سَتَكون ألتَفاعُلات هَامَة جِدَآ على صَعيد ألمِنْطَقَة و ألإقليم …

من ناحيَةٍ أخرى ،، ( لَن نَكون شُرطي ألشرق ألأوسط بلا مُقابل ) لم تُجدِ أو تنَجَح تَبريرات ألرئيس ترامب لِقَراره في لَجْمِ و إطفاء إعتِراضات ألعَديد مِن أعْضاء مَجلسَي ألشيوخ و ألبرلمان سواء من ألجمهوريين أو ألديمقراطيين ، عِلمَآ أن قَرار ألإنسِحاب يَتَضمن وَقف ألعمليات ألجوية “مَركَزية ألغطاء ألجوي” مِما يَحرُم حُلفاءه من أي دَعمٍ ..

في سِياقٍ مُتَصِل ،، لا شَك أن خُطوَة ألرئيس ترامب بألإنسِحاب سَتَدفَع فُرَقاء ألصِراع كُلٌ إلى إعادَة تَجميع و َ تَرتيب أوراقِه ، كما سَتَترُك أثرآ إيجابيآ على ألعلاقات مع تُركيا و قد أتَت زيارة ألرئيس ألإيراني حسن روحاني أنقَرَة أمس و لقاءه مُطولآ ألرئيس أردوغان ثُمَ إعلان ألأخير عن قِمَة رابعة سَتُعقَد بين بِلاده و إيران و روسيا ” لإرساء ألأمن في سوريا و ألمَنطقة ” مؤشِرآ على أهَمية و خُطورة و عُمق ما يَجري في ألإقليم ..

البَيادِق على رُقعَة ألشَطَرَنج مِنها ما يَتهاوى و مِنها ما يَتَقدم ،، ألحِيطَة وَ ألحَذَر من ألأهَمية بِمَكان ، وَ إذا كانت ألسنوات ألسَبع ألماضية من عُمر ألأزمة ألسورية لَم تُفضِ إلى “كِش مَلَك” ، إلا أن ألخِشيَة ألآن هي في سُقوط “ألقِلاع” ألمُتَبادَل تِباعَآ ..!!

*كاتب و باحث في ألشؤون ألأمْنِية و ألإستراتيجية .