إدارة الصراع في سوريا …

بقلم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي*

تَحتَ عُنوانٍ مُختَصَر “نَحنُ هُنا” جَاءَ تَمَركُز ألقوات ألأميركية عام ٢٠١٤ في سوريا ، و بِصَرف ألنَظَر عَن عَديدَها – ٢٠٠٠ جندي و عَتادِها ألرَمزي – فَقد كانََ تواجُدُها كافيآ ليُشكِل مَظلة حِمايَة لِحُلَفاء واشنطن
و ألأكراد في حِينه ، أما إنسحابها حَاليَآ سواءً كان مُنَسَقآ أم غير مُنَسَق فهو يَعني إنعطافة جوهرية و إعلانآ صَريحآ بِعُقم ألتَموضع خاصةً بِوجود حُلفاء أو وكلاء طَيِعُون يُؤدون ألدَور نفسه ، كَما يُشَكِل مؤشرآ لِعَناد ألرئيس ألأميركي ترامب و إصرارِه على وِجهة نَظَره و ألْمَضي قُدُمَآ في تَنفيذ قَراراتِه و سياسَته “أميركا أولآ” وِفقَآ لِوعودِه ألإنتخابية ..

بألتزامُن ،، بَادَرَت دُوَل ألخليج ألعربي وَ مِنها مَن سَبَقَ و تَورطَ و أنْفَقَ مَلايين ألدولارات بِهَدَف إسقاط ألنِظام ألسوري إلى فَتح سَفاراتها و قنصلياتها في دمشق تِباعَآ ، خاصَةً أثر إنهِزام ألفَصائل و ألتَنظيمات ألمواليَة لَها أو ألتي كانَت تُمولها أو ألإرهابية ألمُستَقِلَة ذات ألأجندَة ألخاصَة بها أو بِمُشَغليها من أجهزة مُخابراتية ، مَع ألإشارة أن دولآ أخرى عربية و غربية أبقَت قنواتها ألأمنية مفتوحة طوال ألسبع سنوات ألماضية سَواء بِصورة مباشرة أو غير مباشرة خِشيَةَ إرهابٍ يَضرُب دُونَ وازع مُتجاوزآ كل حُدود ..

مِن ناحيةٍ أُخرى ،، سَيُحاول ألجَيش السوري إستِغلال فَراغ ما بَعد ألإنسحاب و ألإندِفاع نَحوَ مَناطِق شَرق الفُرات – مُحافظتي دير ألزور و ألحسكة – بُغيَة إسترداد حُقول ألنَفط و ألغاز ألهامة بما يَضمن عَودَة ألمَوارد إلى ألدَولَة ألسورية و بِدَعمٍ روسي حَتمآ ..

مِن ألمُؤَكَد أنَ مُغادَرَة ألقوات ألأميركية سَيؤدي إلى تَبريد ألسَاحَة ألسورية و سَيتواصَل ، كَما سَيَتبَعه إنسِحاب آخرين بَعدَ إعتراف ألجَميع بِِِصُمود ألنِظام و بَقاء ألرئيس ألأسد و سَيطرة ألجيش ألسوري على ٥٧٪؜ من مَساحة سوريا ، إضافَةً إلى قَناعَةٍ لَدَى ألجَميع أنَ أللاعبين ألأساسيين هُم ألثلاثي “روسيا – إيران – تركيا” ، مَع ألأخْذ بِعين ألإعتِبار ألحِفاظ على ألستاتيكو مع ألعَدو ألإسرائيلي على جَبهَهَ ألجولان ..

و قَد أتَى ألإجتماع ألهَّام أليَوم “أمس” لوزيري دفاع و خارجية روسيا و تركيا و فَريقهما دَلالة واضِحَة على ما تقَدَم أيآ تَكُن نتائجه ،، وَ هي مَبدَئيآ تَفاهُمات إيجابية ما قَبلَ ألنِهائيَة تَدخُل ضٍمنَ إطار تَأمين مَصالِح ألأفرقاء ألثلاثة بما لا يَمُس جَوهَر ألحَل ألسياسي ألمَطروح بِما يَتَضَمنه من إصلاحات لِكَينونة ألنِظام و ألدُستور ألقائم على ألحِفاظ على وِحدَة ألأراضي السورية ، ألمُساواة بين ألمُكونات ألطائفية و ألإتنية ، عَودَة أللاجئين إلى وَطنهم ، مُتابعة ألتَنسيق في مَجال مُكافحة ألإرهاب كُلُ ذَلِكَ مِن خِلال ضابط ألإيقاع ألروسي وَ صَاحب ألقرار ألأساسي ألمُباشر و ألمُنَسَق بين ألرئيسَين بوتين و ألأسد ..

كَما مِن ألمُتَوَقع وِفقَ ما كَشَفَ وزير ألخارجية ألروسي سيرغي لافروف إنعقاد مؤتمر قِمة لرؤساء دول مَسار أستانة أوائل ألعام ٢٠١٩ لِمتابَعة و مُناقَشة و تَنسيق و تَثبيت ألخطوات ألعملية لِلحل ألنهائي في سوريا .
من ناحيةٍ أُخرى ، لَم يَكُن مُستغربآ دَعوَة وَحدات حِماية ألشَعب ألكُرديَة “ألتي تَعتَبرُها تُركيا جَماعة أرهابية” ألحُكومة ألسورية لإرسال قواتها ألمُسَلحة لِلدخول و ألسَيطَرة على مَدينة “مِنبج” بِهدف حِمايتها من تَهديد ألهجمات ألتركية ، خاصَةً و أنها جِزءّ من سوريا أرضَآ و شعبَآ ،، وَ مِنَ ألمُتَوَقَع أن يَصُب إجتماع ألأمس ضِمنَ إطار فَرمَلَة دُخول القوات ألتركية إلى مَناطق السَيطَرة ألسورية ألكردية حَيثُ تَتَواجَد قوات سوريا ألديمقراطية “قَسَد” و تلافي مَعارك داميَة إضافيَة ..

تَاريخيآ ،، ألمَصالِح ألإستراتيجية و ألجيوسياسية بَين تركيا و سوريا على طَرَفَي نَقيض و ألهواجس مُتَبادلة مُنذُ ضَم لِواء ألإسكندرون إلى ألدَولة ألتُركية ألوَليدة في ثلاثينيات ألقرن ألماضي ، إضافَةً إلى ألوجود ألكُردي في سوريا شَمال و شَمال شَرق ألفُرات و ما شَكَلَهُ حِزب ألعمال ألكردستاني من تَهْديدٍ عَبرَ ألسَعي لتأسيس ألدولة ألكردية ، و قد تَمَ تَجاوز هَذِه ألتَناقُضات على مَراحل و بِصورَةٍ خاصَة في ألفَترَة بينَ أعوام ٢٠٠٠-٢٠٠٥ مع بَدأ ألتَفكير بِإنشاء مَنظومَة إقتصادية و تِجارية مُشتركة تَضُم كلآ من تركيا – سوريا – إيران – ألعراق على غِرار نظام Schengen ألأوروبي لَكِنَ هَذِه ألمُحاولَة لم يُكتب لَها ألنور في ظِل تَلاحُق ألأحداث و إنتِفاضات ما سُميَّ ألربيع ألعَرَبي و ما تَلاه مِن إنعِكاساتٍ و مُستجِدات ..

عَلى ما يَبدو ، فأِن ألرئيس ألروسي بوتين وَضعَ هذا “ألشنغن” Schengen ألإقليمي ضِمنَ إسْتراتيجيَتِه وَ أحَد أهدافِهِ ألمُستَقبَلية و إن لم يتطرق إليه أحَد حَتى ألآن لَيسَ لإستِحالَتِه و إنما لأنَ وِلادَته بِحاجَة لِسنوات تَتَرافَق مَع مَرحَلَة إعْمار سوريا لكِنَ نَتائِجُه و مَردودِاتِهِ ألإقتصاديَة و ألتِجارية سَتكون هامَة جِدَآ و ربما تَوَسع و إنضَمَ إليه دُوَلٌ أخرى نَظَرآ لأهميَة إستثماراتِه ، فَ لِكُلِ حَربٍ ثِمارَها بِغَض ألنَظَر عَن ضَحاياها ..

أما لُبنان و ” ألشُعوب أللبنانية وفقَآ لِمُصطَلَح ألصَحافي ألمُخَضرَم سركيس نعوم ” فَما زالَ عَلى هَامِش ألأحداث يَتَخَبَط داخليآ في مَوضوع تأليف حُكومَة لا يَبني عَليها أحلامٌه ألمُستَقبَليةً، كَما أنَهُ و مَع ألأسَف سَيَكون في حَال إستَمَر أداء سياسِيه على هَذا ألمِنوال في وضعٍ إقتصاديٍ و مَاليٍ مُنهار غَير مُحَصَن و غَير مُواكِب لِتَطورات ألمِنطَقة و إنعِكاسات ما يَجري عَلى كافَة ألصُعُد ..

*عَميد كاتِب و باحِث.