كوع المشنقة في عين الدلبة..حيث تنام أسطورة عشتروت وأدونيس

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 

يحكى أنه فوق تلة منسية في بلاد جبيل، مطلّة على البحر المترامي حتى الأفق، تنام أسطورة أدونيس وعشتروت. أما مسرح الأسطورة فهو بلدة عين الدلبة التي تقع فوق تلة كبيرة مطلة على نهر ابراهيم وعلى ارتفاع نحو ألف متر عن سطح البحر وعلى مساحة تقارب الثلاثة آلاف متر مربع في قضاء جبيل.
تعتبر عين الدلبة أرضاً لأقدم المعابد الرومانية وهي مليئة بالآثار التاريخية للحضارات التي تعاقبت على المنطقة المعروفة باسم المشنقة أو كوع المشنقة.
قصدنا هذه المنطقة لنستمع الى حكايتنا وكان بانتظارنا المتخصص بالآثار الدكتور وفيق علّام لنبدأ معه جولتنا حول آثار عين الدلبة وتاريخها.
هنا في هذه البلدة ذات الجمال الساحر، يشي كل حجر فيها بقصة حضارة مرت ذات يوم من هنا. فظروف المناخ القاسية التي تعصف بهذه القرى الجبلية شتاء لم تؤثر على معالمها الأثرية بل بقيت شامخة تجعل الزائر يقف أمامها مأخوذا بروعتها ومتشوقا للمعرفة عنها أكثر فأكثر.
تذكر بعض الدراسات أنه في العهد العثماني قام الأتراك الذين احتلّوا المعبد بتحويل المذبح محكمة لمحاسبة المجرمين كما استعملوا الصخرتين اللتين تحوطانه من الشمال مشنقة للمجرمين.
وجراء ما كان يحصل في تلك الآونة، أطلق على الكوع الذي يقع بمحاذاة الصخرتين تسمية “كوع المشنقة”، وبات الموقع الأثري بأكمله يعرف باسم “المشنقة”. أما الدكتور وفيق علاّم فيؤكد أن التسمية تعود الى العهد الروماني.
هنا بقايا حجرية لأطلال هيكل له أعمدة ومن المرجح وجود غرف معدّة للسكن قربه ولمن يرغب من زوّار المعبد، أما الحكام فكانوا يسكنون في المعبد.
وذكر عالم الآثار جورج تايلر في كتابه عن آثار لبنان “أن الجهة الشرقية في المعبد كانت تضم مذبحاً بناه الرومان بهدف تقديم القرابين للآلهة”.
وفي الموقع أيضا تبدو بقايا حفر لا تزال صامدة في الصخر يشرح لنا عنها مرافقنا في هذه الجولة:”الآثار هنا عبارة عن مدافن حجرية وثنية فينيقية تختلف عن النواويس المنتشرة الى جانب هيكل أدونيس وعشتروت. فالأمراء والمسؤولين الكبار كانوا يدفنون موتاهم بالنواويس أما عامة الشعب فكانوا يضعون موتاهم بمقابر حجرية أو بآبار ما زالت بقايا العديد منها منتشرة في المنطقة.
نصل على مقربة من نقوش منحوتة في الصخر وتبدو لوحتان كبيرتان هي مصدر الأقاويل الشعبية عن تاريخ الموقع. فاللوحتان المتواجهتان والمزينتان بزخارف تبرز ملامح رجل وامرأة. ووصف المؤرخ هنري لامنس منحوتة الرجل بأنه “بطل يتمتع ببنية قوية، يرفع يده كأنه يحمل رمحاً ويتحفز للقتال”. أما اللوحة المقابلة له فتجسّد امرأة جالسة أرضاً، واضعة يدها اليمنى على خدها الأيمن وشاخصة بحزن إلى تمثال الرجل، وترتسم على محياها ملامح الكآبة.
بقايا غرف لم تسلم منها سوى كنيسة سيدة الميدان التي نتواجد أمامها، شيّدها النسّاك عام 24 م فوق جزء من الهيكل الروماني، بعدما نجحت في التصدّي للعوامل الطبيعية.

وتضم الكنيسة الحالية مدافن لأهالي البلدة فيما تشمخ أمامها شجرة سنديان معمّرة عملاقة يتجاوز عمرها 400 سنة ويبلغ ارتفاعها نحو 17 متراً.
وعلى الرغم من أن معظم هذه الآثار تعود الى العهد الروماني الا أن هناك دورا للفينيقيين لا يمكن اغفاله كما حدثنا المتخصص بالآثار الدكتور وفيق علاّم. فالكنعانيون الذين وفدوا من شبه الجزيرة العربية تبادلوا العلاقات التجارية مع الفينيقيين خصوصا تجارة الحرير.
هل يخضع هذا الموقع الأثري الهام للصيانة وتصان محتوياته من عبث العابثين ببعض الآثار التاريخية؟ “وجدت آثار بيزنطية(بعض الفخاريات) تعود للقرن الرابع والسادس الميلادي أما أكثر الأبنية فهي وثنية رومانية” يؤكد الدكتور علّام ويضيف:”هذه الأرض تابعة للبطريركية المارونية لذا فهي تعتبر أملاكا خاصة ولا يمكن للدولة التدخّل فيها لكنها تضعها تحت المراقبة. فمديرية الآثار اشتغلت على المنطقة في عهد الأمير موريس شهاب، أما معظم البعثات التي تنقّب في المنطقة فهي غالبا ما تكون جامعية أو من دول أجنبية تطلب الإذن من مديرية الآثار. والموقع عموما يخضع للحراسة وأهالي المنطقة يحرصون على آثارهم”.
وتبقى هذه المنطقة بكل ما تحمله من معالم جمالية وتاريخية تحتل مكانة مميزة في نفوس أبنائها وكانت حافزا لضيفنا في هذه الجولة لدراسة الآثار للتعرف أكثر على كل ما نقشته الشعوب التي مرت هنا على هذه الاعمدة والصخور والنواويس والمدافن.
تلك كانت حكاية آثار كوع المشنقة في قرية عين الدلبة الجبيلية. هذه البلدة التي تقدّم لزائريها إضافة إلى الآثار التاريخية القيّمة، المناخ الصحي والهواء النقي والهدوء والسكينة التي تجعلها من أحلى بلدات الاصطياف. وقد حافظت على مرّ السنين على طابعها القروي البسيط، وهي تدعو الجميع لزيارتها والتعرّف على جمالاتها وتاريخها عن كثب.