خزي العرب على نصل الانتفاضات الجامعية ومذكرات “الجنائية الدولية”..!


بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

لم يكن مستغربآ ان تلك الانتفاضة السلمية لطلاب الجامعات الاميركية “هارفارد، كولومبيا، ييل وغيرها..” كما في ولايات عدة، ذلك احتجاجآ على ما يرتكب جيش الصهاينة من جرائم ومجازر بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر، كما استنكارآ لسياسة الدعم التسليحي الهائل اللا محدود الذي يرفد به.. لكن ما لم يكن مستغربآ ومفاجئآ خزي امام الملأ إثر تدجين عُلِب في ادمغة كثر من شعوب العرب مر سنين، اذ اغضوا الطرف صمتآ فيما استحلت انظمة بدهاء معتاد ما حُرِمَ طالبين شفاعة الاصنام، فلا اترحتهم ابادة ولا هزت ضمائرهم مجاعة، حال من انعدام الجاذبية القومية في اقصى ثقلها النوعي تلطٍ خلف مساعدات انسانية وغذائية منها ما اسقط جوآ في بحر الدماء ومنها ما احتجز على المعابر ليفسد إن وُزِع..!
واذ عمت المظاهرات انحاء اوروبا (بريطانيا، فرنسا، فنلندا، المانيا، النمسا، السويد، ايطاليا، كوريا الجنوبية، تونس، المغرب، اليمن، الاردن…).. سُجل مشاركة طلاب واكاديميين يهود مع زملائهم المسلمين ومنتمين لمذاهب أُخَرى؛ ارتفعت وتيرة التوترات مع إدارات المؤسسات الأكاديمية فيما تولت سلطات إنفاذ القانون بناء لطلب الاخيرة مهمة منع الاعتصامات وازالة مظاهره.! كذلك لم تتردد الادارة الاميركية في اتخاذ قرار زج الحرس الوطني وشرطة مكافحة الشغب لقمع التحركات التضامنية لاجئة الى العنف حينا والتوقيفات أحيانآ أخر وعليه سُجِلَ عَلى سبيل المثال القبض على أكثر من 100 متظاهر داخل حرم جامعة كولومبيا وحدها…!

لا مناص من القول استنادآ على الطوفان ان ما يقارب ال 40 الف شهيد والاف الاطنان من ركام منازل ومستشفيات ودور عبادة شواهد على هول ما اقتُرف، فيما حُولت الانظار عن تثمين حجم التضحيات وتصريف دَلالاتِها التحريرية عبر فتح افاق التسوية السياسية للقضية الفلسطينية المتمثلة بحل الدولتين الى مفاوضات فاقدة الابعاد سعي وقف مرحلي لاطلاق النار، اخلاء سبيل الاسرى المحتجزين ومطالبة بضخ المزيد من المساعدات الانسانية..!

من زاوية اخرى؛ للمطولات صفة اسمية لعمق دراسات جدية ولوج طرف حلول مسائل مطروحة علميآ او فقهيآ، لكنها حولت في القضية المركزيةً والحرب المفتوحة على غزة مماطلة وتأجيل على حساب ارواح تزهق، فيما لم يعد خافيآ ان رئيس حكومة العدو نتنياهو يمارس مع الشعب الفلسطيني “استراتيجية المحرقة” هوس يعزز ميلآ جرميآ متأصلآ في حده الادنى امتاع القاتل باعداد الضحايا بالتوازي مع سياسة تسويف هي في الاساس نمط سلوك مرضي لكنها في حالته إرجاء حساب ومحاسبة رأفة بالنفس الجانية..!

في السياق؛ لجأت اسرائيل الى اعتماد هندسة الاختيار Choice Architecture في التعاطي مع الدول العربية لجوء الى تطبيقات ترغيب تعدد مسالك الوصول الى القرار المناسب (التطبيع) Normalization مسجلة نجاحآ في مؤداه علاقات طبيعية مِن محميات مع الكَيان المحتل مع تثبيت تواقيع على تبادلات اقتصادية وتجارية مع تنسيق عسكري في ضوء المصالح الامنية الاقليمية المتبادلة..! في المقابل ادت عملية طوفان الاقصى التي نفذتها حركة حماس على صهاينة الجيش والمستوطنين فرملة قهرية الى حد ما لاجراءات التطبيع، لكنها بالمطلق الفعلي لَن تحتاج قوة الإخضاع Yield Strength وبالحيز الزمني لَن تتعدى تأجيل مرحلي تحت طائلة (التطبيع التأديبي) Disciplinaire لاحقآ..!

في خلاصة القول؛ تعتبر الانتفاضات الجامعية سيَما الاميركية انعكاسآ لرفض الرأي العام الاميركي سياسة الرئيس جو بايدن الازدواجية المتمثلة بمساعدات عسكرية لاسرائيل قاربت خلال سبعة اشهر ال 50 مليار دولار، بالتوازي مع سلوكيات رمزية إنسانيآ تتظهر في دعوة نتنياهو الى تفادي المدنيين الفلسطينيين والسماح بادخال المزيد مِن مساعدات طبية وغذائية.. كما تعكس ايضآ بعد تضامن دولي غير مسبوق في بدايات حرب غزة فشلآ ذريعآ للحملة الدعائية والاعلامية الهادفة للتغطية عَلى جرائم الابادة الجماعية التي يرتكبها الجيش بحق الفلسطينيين، سيَما في حمأة احتمالية اصدار المحكمة الجنائية الدولية اوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الامن يوآف غالانت ورئيس هيئة اركان الجيش هرتسي هاليفي بتهمة “ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة”.. كما تَطرح استطرادآ فرضية الخلل في التحالف الاستراتيجي التاريخي الراسخ مع واشنطن في حال عدم معارضة الاخيرة الخطوة الجريئة المثيرة والمؤثرة الصادرة عن محكمة لاهاي..!

طرابلس في 30.04.2024
*عميد متفاعد، مختص في الامن القومي والاستراتيجي..!