هل يغيّر اللبنانيون نمط التفكير الاستهلاكي؟ حفلات وداع العزوبية وتحديد جنس المولود وغيرها تثبت العكس

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

نعيش في مجتمع اعتاد على الاستهلاك في كل شيء. ويمكن القول أنه غرق في مستنقع التبعية لعادات جديدة استوردها لكنه أضاف عليها لتزداد إبهارا.
وبعد أن كنا نحتفل بمناسبات محدّدة، أضيف اليها مناسبات لم تكن مدرجة ضمن روزنامة أيامنا لأنها تحرّك حركة البيع والشراء.
اليوم، أضيف إلى الاستعداد لحفل الزفاف مثلا مراسم حفل وداع العزوبية أيضا. وبعد أن كان الناس يحضرون ضيافة خاصة بالمولود الجديد، استجد حفل تحديد جنس المولود. وكل ذلك في مراسم خاصة ودعوات حاشدة ومآدب حافلة بما لذّ وطاب. وبعد؟ اللبناني يشكو ويتذمّر من الوضع الإقتصادي ومن ضيق الحال لكنه لا يتخلّى عن مناسباته الأساسية والمستوردة!
كيف بدأت حفلات العزوبية وحفلات توديع العزوبية؟
يحتفل الناس منذ القدم بنهاية العزوبية، فما هو أصل هذا التقليد.
ليلة أخيرة في المدينة كشخص أعزب، هذا ما أصبح سِمة حفلات توديع العزوبية وحفلات العزوبية. ربّما لن يكون الزواج نهاية المرح، لكن الاحتفال بنهاية مرحلة أصبح جزء ﻻ يتجزأ من الاحتفالات التي تسبق الزفاف في العالم الغربي.
كيف كانت تبدو هذه الحفلات قبل مئات السنين؟ وكيف أصبحت مرتبطة بالشرب آخر الليل وحتى الفجر؟
حفلات العزوبية أو توديع العزوبية هي ظاهرة جديدة كما نعرفها. تم تسجيل أول حالة لحفلات العزوبية سنة 1922 حسبما جاء في مجلة تايم، ولم يمر وقت طويل حتى أصبح الإفراط في الشرب والترفيه للبالغين هو معيار أساسي لهذه الحفلات. لكن بالمعنى الجوهري تُعَد حفلات العزوبية وتوديع العزوبية من طقوس العبور، هذا ما قاله عالم الاجتماع من جامعة لوبورو في المملكة المتحدة توماس ثورنيل ريد والذي يدرس طقوس ما قبل الزفاف. حيث قال «لديك شخص يافع ينتقل من حالة إلى حالة أخرى». منذ القدم، حَمَل الناس على إقامة الطقوس والاحتفالات بين الجنسين كإشارة إلى نهاية العزوبية.
لآلاف السنين، ركزت طقوس الزفاف على نظافة العروس ونقائِها. في اليونان القديمة، أمضت النساء اليوم السابق للزفاف المعروف باسم “proaulia” بتقديم القرابين والأضاحي للآلهة وخاصةَ ارتميس، آلهة العفة والولادة.
كتبت إيفا كنوتس في كتابها”Masks and Mumming in the Nordic Area” المنشور عام 2007: “في القرن الثامن عشر في السويد تحتفل العروس بالليالي العذراء من خلال الاستحمام مع صديقاتها العذراوات”.

لم تكن الحفلة تخص النقاء فقط، بل تبقى النساء لوقت متأخر لتناول الطعام والشراب. في عام 1649 قامت مدينة اوبسالا بحظر حفلات الليالي العذراء. فعلى ما يبدو، فقد واجه الضيوف صعوبة في البقاء محتشمين في اليوم التالي من الحفل.
إن واحدة من أقدم عادات ما قبل الزفاف كانت تمارس من قبل الرجال في سبارتا القديمة، حيث يشرب الجنود نخب بعضهم بعضًا عشية زفاف أصدقائهم، لكن اللحظة الحاسمة في نشوء حفلات العزوبية كانت في عصر الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر.
قال ثورنيل ريد «هنالك الكثير من الناس ينتقلون من أطراف المدن إلى المدن، وبالكاد يضطرون إلى إعادة إنشاء طقوس». يذهب الأولاد للعمل في المصانع والورش منذ نعومة أظافرهم، وهذه الأماكن التي تقام فيها هذه الطقوس.
وأضاف أن هنالك طقوس خاصة للعبور، كالتي تحدث عندما ينهي الصبيان تدريبهم المهنيّ ويشربون البيرة مع بعضهم في الحانة، يلقون النكات لبعضهم، القيام بإخفاء أحذية بعضهم والأشياء الخاصة بهم وكذلك ملئ معاطفهم بالريش والقطران، جميعها كانت مقدمات للتقاليد التي نراها في الوقت الحاضر في حفلات توديع العزوبية.
عندما انضم النساء إلى القوى العاملة في بدايات القرن العشرين، اعتمدوا تقاليد أماكن العمل الخاصة بهم والتي تحولت إلى إحتفالات ما قبل الزفاف. فعلى سبيل المثال، تقوم زميلات العمل بتغسيل العروس وتقديم الهدايا التي تحتاجها كزوجة مثل أواني المطبخ، وهو ما يُمثِّل تجسيدًا مبكرًا لحمّام الزفاف.
أصبحت حفلات العزوبية أكثر شيوعًا بين الرجال كآخر فرحة قبل الزواج. ومع قدوم الموجة الجديدة للحركة النسويّة التي ركزت على المساواة، بدأت النساء بالاحتفال تمامًا مثل الرجال.
منذ ذلك الحين، أصبحت حفلات العزوبية أو توديع العزوبية قضية معقّدة بشكل متزايد وجزء من ذلك متعلق بما نشاهده من الإعلام. في السنوات الأخيرة، لدينا دفق ثقافي مستمر من المظاهر الثقافية لحفلات العزوبية لعلّ أبرزها سلسلة أفلامThe Hangover والتي أطلقت شرارة صناعة حفلات العزوبية في تايلاند. تٌشَكِّل هذه الأفلام التصويريّة ضغط على من سيكون الرجل الأفضل أو وصيف الشرف الذي سيصل إلى التخطيط لحفلة.
ولكن مع تغيير مفاهيم الجنس والجنسانيّة، تغيرت هذه الحفلات أيضًا. تزايد احتقال الرجال والنساء في هذه الحفلات معًا بشكل أكبر وهنالك توجّه للابتعاد عن شرب الخمر بإفراط. يُلاحظ أنّ الكثير من الرجال يختارون ركوب الدراجات الجبليّة بدلًا من الذهاب إلى الحانات. ومع ازدياد الانتقال الجغرافي، وتأخّر الناس في الزواج إلى عمر متأخر، تصبح التقاليد أكثر ابتعادًا عن الفسق وأقرب إلى جمع الأصدقاء من مراحل عمرية مختلفة.