هل أتى دور فنزويلا.. ؟؟

 

بِقَلَم ألعميد مُنْذِر ألأيوبي*

الخامس من آب ٢٠١٨ و أثناء ألعرض ألعسكري في ألعاصمة “كاراكاس” تَعرض ألرئيس ألفنزويلي “مادورو” Nicolás Maduro Moros لِمحاولة اغتيال فاشِلة بواسطة طائرات مفخخة و مُسَيَرَة عَن بُعد ..
ليس من باب ألتوقعات أو ألتبصير أن ألرجل أصبح منذ تلك أللحظة في دائرة ألهدف ألخضراء ،، سارع “مادورو” إلى توجيه أصابع ألإتهام إلى عناصر يمينية متطرفة مُتأطرة ضمن تنظيم مدرب متواجد في دولة كولومبيا ألمجاورة بِقرار و دعم من وكالة ألمخابرات ألأميركية CIA و وكالة ألأمن ألقومي NSA ..
بقي ألإتهام مُرتَجَلَآ على خلفية ألعداء ألمُستَفحِل بين ألحكم أليساري في فنزويلا و ألإدارة ألأميركية إلى أن نشرت صحيفة ألنيويورك تايمز NYT خبرآ مفاده : أن ضباطآ مُتمردين من ألجيش ألفنزويلي عقدوا عدة إجتماعات سرية إستخباراتية بحضور مستشارين من إدارة ألرئيس ترامب لوضع خطة إسقاط “مادورو” موضع ألتنفيذ و تنصيب رئيس يميني موالي للولايات ألمُتحدة بدلآ عنه ،، و قد إستقر ألرأي في حينه على “خوان غوايدو” Juan Gerardo Guaidó ٣٦ عامآ ألنائب ألإتحادي عن ولاية “فارغاس” Estado de Vargas و ألعضو في حزب الإرادة الشعبية ..

على هذا ألأساس ،، و إثر نجاح المعارضة الفنزويلية في الانتخابات البرلمانية و إحكام قبضتها على السلطة التشريعية ، أنتُخب “غوايدو” رئيسآ لِلجمعية ألوطنية ، حيث بدا في مسيرته ألسياسية ألفَتيَة ليبراليآ بِأمتياز أقرب إلى ألولايات ألمُتحدة
معارضآ شرسآ لرئيس ألبلاد و سياسته ألخارجية و ألإقتصادية ألداخلية و أداءه في ألسُلطة بشكل عام ..
بتاريخ ٢٣ ألجاري ٢٠١٩ بعد حملة تحريض ممنهجة لعدة شرائح إجتماعية مُدقعة ألفقر بإيعاز من أليمينيين أعلن “غوايدو” نفسه رئيسآ إنتقاليآ و تنحيته ألرئيس ألشرعي “مادورو” عن سُدة ألرئاسة ، بِألتَزامُن أصدر مكتب ألرئيس ترامب بيانآ تضمن ما يلي : «أعترف رسمياً اليوم برئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية خوان غوايدو رئيساً لفنزويلا بالوكالة».. و تبعه في ذلك العديد من ألدول ألغربية و أللاتينية ..

بين مؤيدٍ و معارضٍ بدا ألشعب ألفنزويلي منقسمآ عاموديآ بصورة حادة ، ألشارع في ذروة ألتوتر ،
و كما في كل محاولة إنقلابية يبقى ألجيش “بيضة ألقبان”،، فَأعلن كل من رئيس أركان القوات المسلحة الوطنية للجمهورية البوليفارية الفنزويلية ألجنرال “فلاديمير لوبيز” Vladimir Padrino Lopez و وزير ألدفاع “كارمن ميلينديز” Carmen Melendez رفضهما إنقلاب “غوايدو” بعبارة مُختصرة : «اليأس والتعصب يقوضان سلام الأمة ،، نحن جنود الوطن و لا نقبل برئيس فُرض في ظل مصالح غامضة ،، أو أعلن نفسه ذاتياً بشكل غير قانوني ،، الجيش يدافع عن دستورنا وهو ضامن للسيادة الوطنية» ..

إذن ألرد من ألجيش جاء صارمآ و باتت ألخشية أن يتحول ألصراع ألداخلي على ألسلطة إلى إضطرابات و أعمال شغب واسعة قد تؤدي إلى حرب أهلية ،، خاصة و أن قطبي ألكَوكَب على طرفي نقيض فَ أميركا تؤيد ألإنقلابيين ألمعارضة أليمينية بينما تقف روسيا إلى جانب ألرئيس ألفنزويلي و ألجيش و ألحكومه ألإشتراكية …

مما لا شك فيه أن أية سيناريوهات حمقاء للأزمة الراهنة قد تؤدي إلى صراع دولي ، فالولايات المتحدة ستكون بين خيارين إما الرهان على ألحركة ألإنقلابية و نجاحها نتيجة الضغط الاقتصادي و ألأوضاع ألمَعيشية ألصعبة ، أو زَج ألبلاد في حرب أهليّة تُجيدها المعارضة ألمسلحة بمواجهة الجيش و إنهاكه في حرب عصابات طويلة ألأمد ..

هنا يبرز ألدَور ألروسي ،، إذ أن ألرئيس بوتين لن يقبل سقوط ألشرعية ألفنزويلية ألمتمثلة بألجيش و ألرئيس “مادورو”، كما أن موسكو لن تسمح بتدمير كل ما بنته من علاقات سياسية واستثمارات اقتصادية ومالية في دول كانت تاريخيآ تدور في فلَكِها ، مناهضة للولايات ألمُتحدة الأمريكية وسياستها التوسعية ، و ستواجه بحزم أية محاولة لتقليص نفوذها و دورها في بعض دول أميركا أللاتينية و فنزويلا بشكل خاص ..

من جِهَةٍ أخرى ،، يعلم ألرئيس بوتين يَقينَآ أن ألولايات ألمُتحدة لن تنزلق إلى مواجهة عسكرية مع موسكو ،، كما يبدو أن جهاز ألمخابرات ألروسية قد إرتاب مسبقآ بما سيحصل لا سيما بعد محاولة ألإغتيال ألفاشلة ،، فكانت رسالته واضحة أواخر شهر 12/11/2018 على متن ألقوة ألجوية ألروسية ألتي هبطت في مطار “ماكيتيا” كاراكاس ألدولي و تضم ألقاذفتين ألإستراتيجيتين ألنوويتين من طراز TU-160 للتأكيد على حجم ألإهتمام و صلابة ألإلتزام تجاه ألحُكومة ألفنزويلية و ألرئيس “مادورو”،، و هذا ما أغاظ ألرئيس ترامب و جنرالات ألبنتاغون ،، حيث تسببت الطلعات المشتركة للقاذفات الروسية “تو-160” والمقاتلات الفنزويلية “سو-30” بقلق المحللين العسكريين الأمريكيين ..

إستطرادآ و استنادا إلى مصادر مطلعة إستخباراتية و ديبلوماسية يعتزم ألرئيس بوتين زرع وجود عسكري طويل الأمد في أميركا اللاتينية عبر إنشاء قاعدة جوية في فنزويلا ،، و قد بدأت القيادة ألعسكرية الروسية نشر وحدات من القوات الجوية الاستراتيجية في جزيرة “أورتشيلا”
‏ La Orchila التابعة لفنزويلا في ألبحر الكاريبي علمآ أنها تحتوي حاليآ قاعدة جوية بحرية ومطارا عسكريا ..

مؤكد أن ألكرملين على ثقة كبيرة بألرئيس “مادورو”
و قيادة ألجيش ألبوليفاري و قدرته على ألمواجهة
كما يعتبر أن Caracas تواجه حاليآ ما واجهته دول أخرى : العراق ، ليبيا ، سوريا ، أوكرانيا و غيرها ،، أما ألمُشترك بين هذه الدول فهو علاقاتها ألإستراتيجية ألوثيقة و ألمميزة مع موسكو …

أخيرآ ،، فنزويلا ستبقى ضمن دائرة ألنفوذ ألروسي و ألرئيس بوتين على قناعة أن “العالم بأسره يفسح الطريق للشخص الذي يعرف وجهته” ،،
و هو بوحي هذه ألقناعة يعمل ..

*عميد، كاتب و باحث في ألشؤون ألأمنية
و ألإستراتيجية .