هدية العيد المسمومة ..!

 

بقلم العميد منذر الايوبي*

بين التسوية واللاتسوية عُلِق الوضع السياسي يوم امس على ارجوحة العيد؛ راحت التفسيرات واصابع المراقبين تؤشر باكرا الى اعتماد “المقايضة”، لإنتفاء امكانية البيع والشراء، تعذُر الدفع بالعملة الصعبة “كاش” لندرتها فهي خزين زوادة الانتخابات النيابية المقبلة “ان حصلت”..!
كانت بنود الصفقة اشبه بثياب العيد من “بالة باب التبانة”، تمهيد تخريجتها المعتاد تسريب فتجاذب ثم اصلاح ذات البين عبر التوفيق بين الطرفين من قبل الفريق الثالث المنتظر تنفيذ ارادته..!
تحضرت الحكومة الميقاتية للاجتماع “ليس بمن حضر”؛ لكن ما كان بالامكان افضل مما كان، اذ لم يكد يمر منتصف النهار بعد لقاء رئيس الحكومة برئيس مجلس النواب حتى عادت الامور الى المربع الاول، مترافقة مع بيانين مقتضبين ينفيان اي سوء تفاهم، لكن ما خفي اعظم..!
اختصارا تضمنت قاعدة التسوية بداية فتح كوة في الجدار المسدود عبر سلة تشكيلات قضائية تشمل المحقق العدلي، رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود، المدعي العام المالي علي ابراهيم، المدعي العام التمييزي غسان عويدات، مع تأكيد على بند محاكمة الرؤساء والوزراء والنواب امام المجلس الاعلى، مقابل اسقاط تعديلات قانون الانتخاب.. كما احتوت كفتي المقايضة “البونيس” Bonus قبع البيطار مقابل تطيير حاكم المصرف المركزي رياض سلامة..!

اعتلامآ، كان طبخ التسوية قد وضع على نار هادئة منذ ايام، بالتزامن مع عبارة عنًون بها يومها الرئيس نجيب ميقاتي لقاءه الحواري مع مجلس نقابة المحررين: هنالك “قرار دولي بعدم سقوط لبنان وبوقف تردي الاوضاع واستمرار الانهيار الحاصل”.. مستطردا “إن هناك ايضآ مظلة خارجية وداخلية لحماية الحكومة”..!
لكن الكلام شيء والأفعال شيء آخر؛ اما النتائج فمؤجلة الصرف إما لإنتفاء الارادة او تلاشي الوعي ..!
استنتاجآ؛ هل يعتبر ما ورد مجاملة دولية من جهات الكوكب الاربع أم نقاء رؤيا.. حلم ليلة صيف او اضغاث كوابيس..! بُعدُ بصيرة؛ شفاء من زوغان ام استبصار..؟

في الاحتواء السياسي والحوكمة الرشيدة الضائعة كل العناصر متوفرة وجميع الدروب مطروقة: المجاملة غزيرة لحد النفاق فعل كلام بوجه ايجابي وبحسب Browne-Wilkinson فهي الصورة الذاتية الايجابية للشخص، رغبة كامنة في تقدير او توكيد صورته الذاتية..!
في الرؤيا لُغَةٌ، لطالما تباهى بها، مجموعة ادراكات واعتقادات في معظمها كاذبة الا ما ندر.. في الاحلام صور سيريالية Surrealism سلسلة تخيلات جميلة اثناء النوم بعيدة عن حال الوطن وبؤسه.. يقول Sigmund Fre انها وسيلة تلجأ إليها النفس لأشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة، خاصة التي يكون أشباعها صعباً في الواقع..!
اما الكوابيس فمفزعة مرعبة تسكن ادمغتهم الفذة؛ من اسبابها النفسية تفاعل لا شعوري مع حالة القلق والاجهاد نتاج فساد وموبقات، تترافق فسيولوجيا مع سرعة نبضات القلب وارتفاع درجة حرارة الجسم..! الاستبصار نقيض التبصير هو ما نحتاجه او نفتقده من ادراك لاجزاء وعناصر الموقف الاساسية لم تدرك من قبل؛ وبالتالي فهم المشكلة والعمل على حلها دون تكرار المحاولات السابقة الفاشلة..!

تاليآ، بدت مظلة الحماية، ملأى بالثقوب، اذ برهنت ان التسوية ولو بمساوئها المبتذلة لا قدرة لها على تأمين هبوط سلس يضمن اجتماع الحكومة..! معنوية معتادة اكثر من مجامله واقل من حماية، على رجاء تلافي الحماية الامنية ل 24 وزيرا “دخلوا القصر مبارح العصر” مما يعني خسارة ما يقارب 100 عنصر من عديد القوى الامنية..!

من جهة اخرى، وضمن اطار المجاملة والدعم المعنوي مع بعض صدقات قد تصرف لجمعيات من باب اللياقة؛ سجلت زيارة الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس للبلد المنكوب شبه دعوة الى تنظيم الفوضى والاختلاف لعبور فترة ما قبل اجراء الانتخابات النيابية مع التشديد على ضرورة حصولها.. وبموازاة زيارة مقدرة القيمة مرفأ العاصمة ووضع اكليل من الزهر على نصب شهداء المجزرة، كانت عبارات المديح تكال باسم الامم المتحدة والمجتمع الدولي للكرم اللبناني المعهود في استضافة اللاجئين والمهجرين السوريين، مؤكدا تضامنه مع الشعب اللبناني؛ وهو المنتظر على قارعة رصيف الهجرة المحتاج حماية حقيقية من جور وفسق وفساد لم يشهده تاريخ الامم فاق كل حدود..؟

 

في سياق متصل؛ يعلم الامين العام وكل العالم ان المطلب الاساس هو حبل نجاة ينتشل لبنان من هوة انهيار وضياع صنعتها ايادي حكامه وحكوماته ووكلائهم من مجالس ومصارف ولجان..؟ يحتاج البلد الى طوف ولو من ركام لتعويمه بعد اغراقه في مستنقع مياه آسنة دون وجل او حياء.. ممارسة ثلاثية مزمنة فيها بُعدٌ عن اخلاقيات دنيا وضلال عن ايمان بدين كما خيانة المباديء الوطنية الصافية..!
لكن اين للامم المتحدة ان تغوص في الوحل اللبناني.؟وهي القابضة على جمر تواجد قواتها جنوبا وفق القرار 1701؛ العاجزة عن المساعدة في ترسيم الحدود البرية، او تحديد المربعات النفطية- الغازية، خطوط رسمت تكرارا بالقلم اللبناني تخضع لممحاة العدو الاسرائيلي الموجودة في جيب المبعوث الاميركي آموس هوكشتاين .
بعد القرار الدولي الكلامي..؟ هل عبارة وقف تردي الاوضاع تعني البقاء على هذه الحال..؟ ألم يكتفِ أباليس البلد..؟ اذا كان القرار الخارجي يقضي بوقف الانهيار فأين القرار الداخلي، وما هو..؟ ألم يتم إسقاط البلد عنوة واراديا جرما متماديا ارتكب على رؤوس الاشهاد من قمة الهرم على تنوع اصنامه..؟ قد يكفي اقله قرار اممي رسمي لا تمنٍ يفرض اعادة الاموال المنهوبة للناس، استنادا الى الشرعة الدولية والاعلان العالمي لحقوق الانسان، والا فلتفتح ابواب محكمة العدل الدولية للجناة..!
اخيرا؛ في حناجر الناس غمغمة تقارب عدم القدرة على النطق “لقد اتيت متأخرآ حضرة الامين العام” لا يغرنك البساط الاحمر فهؤلاء قوم اتقنوا تقليبه ونفضه، قد سبق وفرش لرئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية يوم كانت الشقيقة.. لا تغرنك بزات عناصر الحرس الجمهوري والنيابي والحكومي البراقة، اعلم ان بطونهم خاوية وعائلاتهم جائعة.. كن على ثقة ان الوطن سقط منذ زمن ويمارس على شعبه حاليا ابشع صنوف الاذلال، يُهَجر او يفقر..! نحن في قعر الهاوية وشياطين باطن الارض تنتظر..!
انها اكذوبة التسوية المغمسة بحبر التعميم الاخير 161 الصادر عن الحاكم بأمره؛ هدية العيد المزدوجة المسمومة للبنانيين المسمرين على خشبة الصليب..
لا حول لهم ولا قوة، اما قيامة مع الفادي والحياة المتجددة او قيامة يوم الدينونة والنهاية المرتقبة..

———————-

بيروت في 21.12.2021