أصبحنا عبيدًا لدول تُنتج حاجاتنا .. فهل نقبل التحدّي؟

 

 

بقلم: د. محمد إقبال حرب

 

لو أردنا أن نتكلم عن مستقبلنا وجوديًا وحضاريًا للمحافظة على مكانتنا كجنس بشري مميز قدّم الكثير فيما مضى هو أن نستشف طريق المستقبل ونعمل للقائه بعد فترة زمنية قصيرة فننجو قبل موعد الاندثار. لنفعل ذلك علينا أن نتخلى لفترة وجيزة عن مشاعرنا العصبية والدينية والاجتماعية لنفكّر بتجرد.
عبر التاريخ، اندثرت أمم عاشت أضعاف ما عشناه، واندثرت لغات استمرت زمنًا أطول من لغتنا، كالسومرية والفرعونية. كما انهار الإله بعل بعد عدة آلاف سنة من تزعمه مجلس الآلهة وسقوط آلهة الفراعنة بعد بضعة آلاف سنة. لغات السابقين كانت عظيمة الشأن لهم كما لغتنا، ودياناتهم كانت بنفس قداستنا لإلهنا. كلّهم سقطوا مع بروز عالم جديد لم يصدّقوا قدرته على تفكيك ممالكهم أو تدمير آلهتهم فلم يصلحوا من أنفسهم ولم يتخذوا الإجراءات الضرورية لتقليل الخسائر من أجل الاستمرارية.
نحن نواجه نفس الأخطار في بلادنا، نبكي الحاضر ونعيد حكايات الماضي كبلسم يُسكّن ضعفنا. لا أقول إنه لا يجب أن نتذكر ونفخر، بل علينا فعل ذلك من باب مشاركتنا الحضارية العميقة في أصول العلوم والفلسفة التي كوّنت مدخلًا لما نحن عليه عالم اليوم. ولا ننسى أن بلادنا قدمت الكثير قبل الوجود الإسلامي والمسيحي وخلالهما. كما علينا ألا نعتب كثيرًا على الغرب لاستقطابه الأدمغة العربية لأننا في عصورنا المتوهجة استقطبنا علماء العالم ونسبناهم إلى حضارتنا، كالخوارزمي وابن حيان وغيرهم.
نحن الآن في نفس الموقع الذي كانت عليه بلاد الشام ومصر والمغرب قبل دخول الإسلام، وكما كانت عليه آسيا وأوروبا مع اشراقة مملكة المغول. لم يصدق أحد منهم أن الإسلام سيطغى وأن المغول سيدمِّرون كل الحضارات. المدّ التكنولوجي والرأسمالية اكتسحا العالم بذكاء وهدوء. هل من مفكر، صاحب قرار يتعظ؟
لننجو من الزحف المعلن ولننهض ونلاقي العالم عند زاوية الحضارة علينا باستشفاف المستقبل ورسم خارطة طريق متكاملة نبني على أساسها الجيل الجديد ليفخر بلغته وأرضه وحضارته، ليكون الحافز الأساس لبناء مستقبل لا يهتز لارتعاشات العولمة، ولا تستعبده تكنولوجيا صُنعت لشعوب أكثر تطورًا فاقتناها بغباء الجاهل ولم يستفد إلا من هوامشها. بناء الجيل الجديد يبدأ باللبنة الأولى، ألا وهي أطفالنا. ولا يتم ذلك إلا ببناء أسرة واعية ومدرسة نموذجية تنبذ العنصرية بأنواعها القبلية والدينية والعرقية ليتقبل المجتمع بعضه بعضًا في بيئة من العلم والمعرفة العصريين في بيئة يتساوى فيها الجميع في حاجاتهم وضروراتهم الحياتية كما حرية معتقدهم تحت راية العلم والمناقب الاجتماعية العادلة.

 

لم يعد لدينا رفاهية الوقت والتغاضي عن لصوص الثروات تارة باسم الحكم وتارة تحت التهديد بالفناء. لم يعد لدينا وقت لنكون أغبياء، أتباع، نُساق إلى زريبة الوجود تحت رايات بشرية مقدّسة تتخذ من الدين ستارًا مقدّسًا لمصالحها الشخصية. نحن في عالم تسيطر عليه المادية والرأسمالية لسبب واحد، ألا وهو عدم وجود البديل المنافس على صعيد إدارة العالم. لذلك أصبحنا عبيدًا لدول تُنتج حاجاتنا من أكل وملبس وتسرق ثرواتنا. شعوبنا تحت مجهر يصرّ على إيقافها عند عتبات زمن غبر بمساعدة جهلة وخونة يخافون من الفناء لو اشتعلت شمس المعرفة في بلادنا.
هل نستطيع أن نتخلّص من فلسفة وممارسة الرأسمالية التي تحكم العالم بقوة وخباثة؟ ذاك المستعمر الجديد صاحب الوجه المبتسم الذي يتواضع منحنيًا وهو يدسّ لنا سمّ الجمود الفكري الذي أدمنّا عليه؟
ذاك هو السؤال الذي يجب أن نتوقف عنده لأننا نملك الإمكانيات الفكرية المكبّلة والملتجئة إلى عقر دار مستعمرها، والثروات المادية والطبيعية من أجل المنافسة والتقدم. لكننا مع الأسف لا نملك اللبنات الأساسية لبناء صرح الوطن. فالعدالة سجينة الطغاة، والثروات في معاقل أعداء الأمة. والأهم هو فقداننا للمواطن المتعلم، المثقف، الذي يتخذ المعرفة نبراسًا والعمل قدسية عطاء. فمع التدمير الذاتي والمفتعل للمنظومة التعليمية في أكثر من خمس دول عربية تضاعف الجهل مرّات ومرّات، كما تضاعفت الأوبئة الصحية والفكرية وسقط الحرف سقوط المحارب الجبان بيد حرف أجنبي يُشعر شعوبنا بالدونية.
هل نقبل التحدّي وننتصر؟