ما تعريف الطبقة السياسية اللبنانية ؟

بقلم : توفيق شومان*

سألتُ أغلب القيادات الحزبية ذات القرار العالي ، التي أسهمت في إشعال حرب العام 1975، عما إذا كان يمكن تحاشي وقوع الحرب.
شي لا يصدقه العقل في إجابات اليسار واليمين ، فالإجابات القطعية كانت واحدة : طبعا … كان يمكن تحاشي وقوع الحرب !!! … حسنا … لماذا وقعت الحرب ؟ هنا تتعقد الإجابة وتسرح نظرات العيون في فضائها المفتوح.
ماذا أنتجت الحرب ؟ أنتجت وطنا من خراب .
قبل الحرب ، كان خطاب اليمين واليسار يصوب سهام أدبياته ونار شعاراته نحو الإقطاع والزعامات التقليدية .
هكذا كان يقال !!. وإلى حدود اختلط بها حابل خطاب اليمين بنابل خطاب اليسار ، نقرأ مثلا :
في الموسم الثقافي لعامي 1968ـ 1969، أقام “النادي الثقافي العربي ” ، سلسلة ندوات حوارية ـ فكرية ، شارك فيها كبار مثقفي ومفكري أحزاب تلك الفترة ( إصدار دار الطليعة ـ بيروت ـ أيار 1970)، ومن ضمنهم : حزب الكتائب اللبنانية ـ الحزب التقدمي الإشتراكي ـ حزب الكتلة الوطنية ـ حزب الوطنيين الأحرار ـ منظمة الإشتراكيين اللبنانيين ـ الحزب الشيوعي اللبناني ـ حزب البعث الموالي للعراق ـ الحزب السوري القومي الإجتماعي ـ حزب النجادة ـ حزب الإتحاد الدستوري ـ الجبهة الديمقراطية البرلمانية ـ الهيئة الوطنية .
هذه الأحزاب ، ما عدا قلة منها ، كانت لها اسهاماتها ” العظمى ” في حرب العام 1975 ، وفيما فرقتها حروب الخنادق ، فقد جمعتها شعارات وبرامج مواجهة ” الإقطاع ” ، وهنا في زيادة القراءة إفادة :
ـ حزب الكتائب مثلما قال رشاد سلامة : ” لقد عاش الإقطاع على حساب السذاجة والتخاذل ، وما زال يؤلف قوة سياسية في لبنان لها حصونها وأبراجها وأسوارها الخاصة ، وهو يتمثل ببعض البيوتات اللبنانية التي لها ضلع مزمن في حكم لبنان بالواسطة أو بدون الواسطة “.
ـ حزب الكتلة الوطنية وعلى لسان رمزي أبي فرح : ” حزب الكتلة الوطنية لم تزده تجاربه إلا إيمانا بأن السبيل الوحيد لتحقيق ازدهار لبنان وتطوره وإزالة اقطاعية المال والإحتكار والإستغلال والزعامة ، لن يكون الا بتطبيق النظام الديمقراطي بمفهومه الحقيقي “.
ـ الحزب التقدمي الإشتراكي وكما قال خليل احمد خليل : ” تترتب على نهج الحزب سياسة مكافحة الطبقية والإقطاعية والتمهيد لقيام القيادات الصحيحة ، فلا طبقية ولا اقطاعية ” .
قد لا يكون مهما إيراد مقولات الأحزاب اليسارية حيال الطبقية والإقطاع ، فذاك خطاب اليسار تقليديا ، بصرف النظر عن ” إقطاعية ” المكتب السياسي واللجنة المركزية التي عرفتها تجارب الحكم والسلطة في الدول اليسارية الحمراء ، فمقاصد القول محصورة بما كان عليه اجتماع الخطاب السياسي اللبناني ، بيمينه ويساره على مواجهة الإقطاع وزعامات الوراثة .
حسنا … اندلعت الحرب وانقرضت أو شبه انقرضت الإقطاعية القديمة والإقطاع القديم ، ماذا في مشهد بعد الحرب ؟
ـ غالبية القوى السياسية يحيطها رجال المال والأعمال .
ـ غالبية القوى السياسية تربط الحدود الدنيا لمصالح الناس ، بالمصالح الكبرى للنافذين منها ومن هم على ضفافها.
ـ تغطي غالبية القوى السياسية موبقات وشنائع رجال المال والأعمال النافذين والمحميين والمحظيين والمستقوين .
ـ يصعب إقامة مشروع استثماري وانتاجي خاص ، بدون الشراكة التي يطلبها النافذون والمحميون .
ـ تتم مصادرة أراضي الدولة ، عنوة أو ” بالتي هي أحسن ” أو ب ” التفسير الإستقوائي ” للقانون .
ـ يجري تلزيم الصفقات العامة لطبقة مالية محدودة جدا ، فينتج عن ذلك احتكار مالي يحجب الفرص والثروة عن العموم وعن الجمهور.
ـ تزاحم هذه الطبقة المالية ـ النافذة في السوق العقاري المفتوح ، فتبز وتبتز أي منافس لها ، فتكون لها غلبة شراء العقارات وغلبة التغول في امتلاك العقارات على أنواعها .
ـ تحتكر أو شبه تحتكر هذه الطبقة عمليات الإستيراد والتصدير .
لم يكن لبنان على هذه الصورة ، لم يكن الإقطاعي القديم يحتكر كل المال و كل السياسة و كل النفوذ .
كان يحدد مساحته المالية والسياسية ويترك مساحات معتبرة للمتحلقين حوله ولأنصاره ومريديه ، بل ـ وأيضا ـ لمن هم خارج دائرة الأنصار والمريدين .
كان الإقطاعي القديم ، يحيط نفسه بأصحاب الكفاءة ، من ضمن معادلة المكاسب المتبادلة ، يعترفون بزعامته الموروثة ويعترف بكفاءاتهم وطموحاتهم بالوصول والنفوذ.
كان الإقطاعي القديم ” يصطاد ” مثقفي خصومه ، ولم يكن يحتقر الثقافة ، ولم يكن يحتكر المال ، كان مثل أسد الغابة حين يشبع من لحم فريسته يتركها لأصحاب النصيب ، وما أكثر أصحاب النصيب .
أبدا … لم يكن لبنان بهذا السوء ، سوء هذا الزمان .
غالبية الطبقة السياسية التي أفلست الدولة وأفقرت الناس واستدعت المجاعة أو شبه المجاعة ، ماذا نسميها ؟ ما تعريفها ؟ ، ما صفتها ؟, ما المصطلح الذي يمكن إطلاقه عليها ؟، هل هي طبقة ” الإقطاع الجديد “؟ , طبقة ” الأوليغارشية ” ؟ تحالف ” لويا جيرغا “؟ , ” الأغاوات ” ؟ ، ” الإنكشارية ” ؟ “الجنجاويد “؟ , ” الطبقة المختارة ” ؟ إذ ما تم الإقتباس من كتاب ” التوراة ” ومفهومه ل ” شعب الله المختار”؟ … أم ماذا ؟.
في الحقيقة ثمة حيرة … ولكن :
قديما قال أفلاطون : اثنان يجب ألا يحكموا : الجيش وكبار الأغنياء.
الجيش يحمي ولا يحكم ، وكبار الأغنياء ينتجون ولا يحكمون ، وكم كان افلاطون ازداد روعة لو أنه حول ثنائيته إلى ثلاثية وقال : ثلاثة يجب ألا يحكموا : الجيش وكبار الأغنياء والمسؤولون اللبنانيون .
على أية حال : بعض الحكماء قال إن أفلاطون كان نبيا .
لا أدري …
ولكن ما أراه أن أفلاطون كان على حق .


*كاتب، إعلامي ومحلل سياسي