ماو تسي تونغ مؤسس الصين الحديثة رغم تجاوزها النهج الماوي

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

مؤسس الصين الحديثة، ماو تسي تونغ هو واحد من أهم شخصيات العالم خلال القرن العشرين. أسّس إحدى أكبر الدول في العالم المعاصر. تولّى حكم بلاده مدة سبعة وعشرين عاما، فحوّلها من دولة أرهقها الاحتلال والانقسام والحروب إلى قوة عالمية طموحة، إنه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ.
ولد ماو تسي تونغ في الصين عام ألف وثماني مئة وثلاثة وتسعين, في أسرة تعمل في الزراعة. كان “ماو” منذ صغره متمرداً على واقعه، فرفض العمل في الزراعة كوالده, ورغب في مزيد من التعليم فهجر منزل العائلة وهو في الثالثة عشرة وانتقل إلى مقاطعة أخرى تتوفر فيها فرص التعليم. ومع حلول عام ألف وتسع مئة وثمانية عشر انتقل ماو إلى بكين للدراسة في إحدى جامعاتها. وهناك تعرّف إلى الفكر الماركسي، حيث شارك آخرين في تأسيس الحزب الشيوعي الصيني.

في الفترة التي نشأ فيها ماوتسي تونغ، كانت الصين تعيش إحدى أسوأ مراحلها التاريخية، فقد باتت حينها خاضعة اقتصادياً لعدد من الدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تستغل ثروات الشعب الصيني، وتحمي امتيازاتها الاقتصادية بقواتها العسكرية. فيما باتت سلطة إمبراطور الصين شكلية. هذا التدهور في الحياة السياسية أنتج عدداً من الانتفاضات الشعبية المتوالية. عام ألف وتسع مئة وأحد عشر اندلعت ثورة شعبية قوّضت سلطة النظام الإمبراطوري، فالتحق ماو تسي تونغ بالثوار. ثمّ ألغت الثورة الحكم الإمبراطوري، وأعلنت قيام جمهورية الصين، فتولّى رئاسة هذه الجمهورية الوليدة “يان تشيه كاي” أحد أمراء الحرب. وبرغم ذلك ظلت الصين مدة طويلة خاضعة لأمراء الحرب وكبّار الملاّكين الذين كانت سلطتهم في تزايد.

عام ألف وتسع مئة وثلاثة وعشرين تحالف الشيوعيّون الصينيّون وحزب “الكومنتانغ” بزعامة “صان يات صان” بعدما تلاقت أهدافهما في التخلص من أمراء الحرب وكبار الملاك وتوحيد البلاد.

في ذلك الوقت كان ماو تسي تونغ قد غدا أحد أبرز زعماء الحرب الشيوعي الصيني. عام ألف وتسع مئة وخمسة وعشرين توفي “صان يات صان” وتولى “تشيانغ كاي تِشك” قيادة حزب “الكومنتانغ”، فسارع إلى طرد الشيوعيين من القيادة الصينية والتنكيل بهم.

انكفأ الشيوعيّون الصينيون نحو الريف فيما عرف بالمسيرة الطويلة، وخلالها أوشكوا أن يهزموا وخصوصاً بعد موت أغلب قادة الحزب، لكنهم أعادوا تجميع قواهم باعتمادهم على قاعدتهم من الفلاحين، وخلال ذلك، نشأت أفكار ماو تسي تونغ الشيوعية الخاصة، التي عرفت لاحقاً بالمنهج الماوي، فرأى أن الثورة الشيوعية لا يمكن تقوم بها الطبقة العاملة وحدها بل يمكن أن يسهم الفلاحون بها أيضا، خلافاً للرؤية الشيوعية في الاتحاد السوفياتي.
عام 1927 أسس ماو تسي تونغ مع آخرين وحدة عسكرية محترفة، كانت النواة الأولى لتأسيس الجيش الأحمر الصيني، لتندلع بذلك الحرب الأهلية بين حزب الكومنتانغ والحزب الشيوعي الصيني، لكن الغزو الياباني للصين عام 1937 أرغم الطرفين الصينيين المتحاربين على تجديد تحالفهما لمواجهة الغزو الخارجي. وفي تلك الفترة زاد عدد الجيش الأحمر ليصل إلى مليون مقاتل، كما توسعت المنطقة التي يسيطر عليها الشيوعيون حيث كان فيها حوالى مئة مليون صيني شاركوا بفاعلية في مقاومة الغزو الياباني. وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية عام 1945 وانسحابها من الصين، تجددت الحرب الأهلية، حينها كان ماو تسي تونغ قد أصبح زعيم الحزب الشيوعي الصيني، فتمكّن بحنكته وبراعته، وبدعم من الاتحاد السوفياتي، من الانتصار على الكومنتانغ، ليعلن قيام جمهورية الصين الشعبية ويغدو رئيسها ويرأس أيضا الحزب الشيوعي وجيش التحرير الشعبي الصيني.
أخذ ماو على عاتقه تمدين الصين وتحويلها إلى أمة عصرية قوية. فأولى التعليم والتصنيع والصحة عناية وحوّل المجتمع الصيني من مجتمع يقدس الآباء والأجداد والعائلة والتقاليد، إلى مجتمع يقدس الانتماء للوطن والحزب الشيوعي. وفي أواخر خمسينيات القرن الماضي أطلق تونغ عدداً من المشاريع التي وصفت بالقفزة الكبرى، وبرغم تعثّر هذه المشاريع، والنتائج الكارثية التي أفضت إليها في بدايتها، إلا أنها كانت مرحلة لإنتاج خطط إنمائية جديدة، وضعت الصين على الطريق الصحيح في سبيل التنمية الزراعية لتحقيق اكتفائها الذاتي كخطوة أساسية لبناء نهضة صناعية للبلاد. هذا في وقت شهدت علاقة الزعيم الصيني بالاتحاد السوفياتي تدهوراً وصل حد القطيعة بسبب الخلافات الفكرية والسياسية بين القيادتين.
عام 1966 أطلق ماو تسي تونغ الثورة الثقافية الكبرى التي استمرت حتى 1976 .

وخلالها دعا ماو الشباب الشيوعي إلى التمرد على كل شىء ،بما في ذلك الانقلاب على القيادات الشيوعية الحاكمة سوى قيادته.وقد أعلن ماو أن السبب الذي دعاه لهذه الثورة هو تغلغل الكثير من ممثلي البرجوازية ومعارضي الثورة في أجهزة الدولة والجيش والحياة الثقافية. ولكن السبب الحقيقي لهذه الثورة كان الصراع على السلطة وسعي ماو للتخلص من خصومه السياسيين. خلال الثورة الثقافية دخلت الصين مرحلة من الفوضى، وكانت تلك من أكثر الفترات سوادا في تاريخ الصين التي دخلت في دائرة من العنف والإقصاء والاغتيالات، فضلاً عن تدمير جزء كبير من التراث الإنساني والثقافي للصين. وقد أفلتت مجريات الثورة الثقافية من يد ماو تسي تونغ، فحاول إنهاءها ، لكنها لم تخمد إلاّ بعد عشر سنوات.
في أيلول عام 1976 توفي الزعيم الصيني ماو تسي تونغ عن عمر ناهز 82 عاما. وقد تلت وفاته مرحلة من الصراع الداخلي ضمن الحزب الشيوعي الصيني، حسمت لاحقاً لتبدأ في الصين مرحلة جديدة.

برغم أن الصين عدّلت كثيراً من السياسات التي اتبعها ماو تسي تونغ، ومارست النقد الذاتي للحقبة الماوية، إلا أن ماو تسي تونغ ما زال هو الزعيم المؤسس للصين الشعبية، ويعتبر ما أنجزه الأساس الذي استندت إليه الصين للتحوّل في سرعة قياسيّة إلى إحدى القوى العظمى سياسياً واقتصاديا في العالم اليوم.