فك الاشتباك على المثلث السياسي القضائي البرلماني..!

 

 

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

في المبدأ المقدس، ان القانون هو ميزان العدل ووعاء الحق،، لكن الخشية المحققة انه من جرار الذهب في ثروة الحاكم يصرف منها ما شاء، ولطالما في بلاد “الواق واق” ومنها بلد الارز مُلِأت ونُشِرَت القوانين بموادها والمراسيم بتوازنها الطائفي على صفحات الجريدة الرسمية، تُعلب ضمن مجلدات فاخرة تبروز على الرفوف.. في حين تركت الاجتهادات والاعراف للتطبيق النسبي المتناسب وفق الحاجة والرغبات او مصالح واهواء القبائل ورعاتها ..!

في الحكم الرشيد Good Governance نقيض الضلال وكسر الظلم، فالسيادة للقانون والسلطة حق للشعب، اما الدين ف لله سبحانه.. وان تبحرنا قليلآ دون غوص في لجة علوم القانون والدساتير وانواع النظم والانظمة، نجد ان الحاكم وبشكل عام يفترض ان يكون كمثال قضاة العدالة على اختلاف اختصاصهم، لكنه “الحاكم” الوحيد صاحب الاختصاص الشمولي، فهو العادل المفترض في كل القضايا، المؤتمن على تسيير شؤون الشعب والرعايا، الحكيم في توطيد حكم ونهج المؤسسات وارساء اسس الدولة القوية القادرة، وصولآ الى تحقيق طموحاتها الاستراتيجية والجيوسياسية في المرتجى الاقصى..

في الواقع المزمن، إن قضايا الوطن والازمات المتتابعة ترتكز معالجاتها على مبدأ انعدام المحاسبة، خطيئة تطوي خطيئة، والنسيان سيد الاحكام..! واذا كان “النسيان” في المبدأ ظاهرة طبيعية عند جميع البشر، يوصف احيانآ بالنعمة لعلة صيرورة الحياة وضرورة تجاوز النكبات، لكنه في آنٍ نقمة ان اصبح مَرَضيآ كالإصابة ب “ألزهايمر” Alzheimer’s او عقب صدمة دماغية ناتجة عن انفعال عميق..!
في تصنيف النسيان، أسفآ يتقاطع العلم مع الواقع اللبناني؛ فَ منه “الرجوعي” Retrograde بمعنى انتقاء الاحداث التاريخية، وفق الرؤى المصلحية لكل مذهب وطائفة او قبيلة مع وصف منفرد مبتذل على دهاء، متناقض في الاسباب والدوافع والنتائج، وكتب التاريخ في مدارسنا شواهد..!
كذلك فإن “النسيان العابر الشامل” Transient Global Amnesia موهبة تمارس بعد طوي ملف القضية، وقد يرتبط بمرض مزمن “الشقيقة” Migraine- سوريا، يتوازى مع نوبات “صرع” Epidemic مؤقتة تضرب “فصوص المخ” Lobes of the brain الجبهي السعودي والصدغي الايراني، غالبآ ما تصيب فريقآ سياسيآ او حزبآ وفق التوجهات والتبعية ..!
اما “متلازمة كورساكوف” Korsakoffs Syndrome، التي ألمت ب 95% من الساسة، فتتمثل أعراضها بفقدان الذاكرة على نحو خطير، سواءً للاحداث القريبة او البعيدة، « 17 تشرين الانتفاضة الشعبية- 4 آب مجزرة بيروتشيما- 15 تموز انفجار بلدة التليل »الخ… الى حد الاصابة بالخرف او نوبات من الهلع والخوف او اللامبالاة..!

اختصارآ؛ متروك للطبقة السياسية العلية والاوليغارشية الجلية، باقي صنوف النسيان، لتعتمد منها ما تستسيغ او يناسب، على سبيل التعداد لا الحصر: النسيان المتزايد Progressive Amnesia المُتَسَبب عن اعتلال الوزن او انعدامه في الاقليم، “التفارقي”Dissociative amnesia الناتج عن عدم تذكر احداث مؤلمة كالحرب الاهلية اللبنانية وبالتالي عدم اخذ العِبَر منها..!
يبقى ان علم الاجتماع والسياسة كما المباديء الاخلاقية لم يتجاهل “النسيان المفتعل” Factitions Amnesia وهو التناسي الارادي ان لخير عميم او شر مستطير والحالة الاخيرة العادة الاغلب والاستراتيجية المفضلة لدى الغالبية من مسؤولين مؤتمنين.

من جهة أخرى، تبين ان منح رخصة اهلية القيادة فرضت على القادة النجباء في حال تعذر تعميم النسيان لعلة فداحة الحادث الجلل او المعضلة المستفحلة، سلوك المنعطفات وبالتالي تخفيف السرعة وصولآ الى حدها الادنى لتجاوز المطبات ان وجدت..! ومن ادوات الانعطاف اعتماد الضوء الاصفر بين الاخضر والاحمر تثبيتآ لملل الانتظار واسقاط الامل بالعبور الآمن عند العامة؛ الى آخر ذلك من مناورات احتيالية او احداث مضللة مفتعلة اثبتت نجاعتها غالبآ. اما القضاء فقدره ان يكون شماعة تعلق عليها كل القضايا و الرزايا مع مزايدات وقحة في قاعات المجالس الثلاث..! يبقى ان الابتلاء العظيم إثر عجز عن اسكات الناس اعتماد قرار الخروج من المركبة ودفعها نحو الهاوية خارج الطريق العاج بالحفر، بعد السطو على اموالهم وبالتالي اذلالهم وتجويعهم، افقارهم وتهجيرهم..!

انطلاقآ من نقاطِ عبور كانت عِبَرَآ غير ذات جدوى؛ ونتيجة انفجار احد العنابر اندلع الاشتباك السياسي- القضائي والبرلماني على رصيف المرفأ البيروتي؛ بين اتهام بإملاءات وتمسك بحصانات ترك الضحايا متألمين بعد ان هيل عليهم التراب.. واذ تنادى الجمع للنقاش في مجريات التحقيق اصبح الكل خبراء متفجرات و قانون وادلة جنائية. في حين شلعت رياح الفتنة نوافذ الوطن بعد فشل تأريض Grounding الصاعقة الساقطة على مثلث الطيونة الدموي. فكان الهواء الساخن يلفح رؤوس المتظاهرين والمحتجين برصاص مأجورين وان عقائديين مع قنص من الدرجة الخامسة في لائحة الطوابير المعممة المعتادة بعد الافران والمحطات والصيدليات ومعامل الكهرباء. توازيآ، افلح المتآمرين ومايسترو غرفة العمليات السوداء في اعادة الذاكرة ثلاثة عقود الى الوراء مسقطآ النسيان الارادي عن المكان “عين الرمانة” والزمان 1975 معلنآ تمزق ستارة طائف لم تُصَن ..!

في سياق متصل؛ كان مظهر الوطن المشلع والمقسم ضمنآ واضحآ فتشييع الضحايا والشهداء لاية فئة انتموا كرموا بعروض عناصر الميليشيات المسلحة الطائفية او الحزبية وفي الحد المموه بالكشافة؛ اما اعلامهم فكفيلة بتحديد جغرافيا الغيتوات ورسم طريق النعوش الى المقابر..!

في الارتياب المشروع؛ خطان متوازيان اول مرفوع بوجه قضاء اعتبر منحازآ وثان بوجه رافضي رفع الحصانات اعتبروا جناة.. كلاهما في حالة توازن سلبي صمت عميق مقابل اتهامات على انطباق نظرية مشتركة “كاد المريب ان يقول خذوني”..!

في الحاجة الى فك الاشتباك وحقن الدماء، مع وقف الخراب واصلاح ذات البين. لم يعد من مناص سوى طاولة حوار تعقد على رصيف العنبر رقم 12 لفك الغاز الكارثة، والتثبت من ان صاعق التفجير غير مصنع في “رامات هاشارون” غرب تل ابيب حيث مصانع اسلحة الجيش العدو IWA”.
مع ضرورة حل المعضلة القائمة لجهة ضمان حقوق الضحايا، كشف الحقائق وازالة الشكوك، درب الزامي لطمأنة الكل عبر رفع حصري استثنائي ل سرية التحقيق امام لجنة برلمانية مصغرة حقنآ للدماء، ووفق مبدأ وسطي غير تجهيلي للفعل والفاعل “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم” او على تجهيل يوطد قاعدة المفعول به وفكرة الانتحار الجماعي “فليمت الديب ويذبح الغنم”..! ألامل اخيرآ ان تبقى الروزنامة اليومية المبوبة باسماء القديسين كافية لمنع الروزنامة الوطنية من امتلائها باسماء الضحايا والنكبات.. الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى..!

بيروت في 16.10.2021