روس – نفت .. Rosneft

 

بِقَلَم ألعميد مُنْذِر ألأيوبي*

لم يَعُد مُمكنآ دخول أراضي دولة ما بألقوة ألعسكرية “ألإحتلال ألعسكري” بسهولة ، بات ألتدخل مغامرة خطرة غير محمودة ألعواقب في عالم أليَوم ،، إذ آصبح ألبديل هو ألقوة ألإقتصادية ألعاتيَة “ألإحتلال ألإقتصادي”، فهي أفعَل و أجدى لِلمُحتَل و للَذي أحْتُل ، دخول غير مباشر يؤدي إلى نفس ألنتيجة بِألهيمنة و ألسيطرة سياسيآ ، إقتصاديآ و ماليآ مع “صفر ضحايا”،، كَما يُحقق ألمصالح ألإستراتيجية لِلغازي ..
يُلَطَف هذا “ألغزو” عَبرَ صَبغِهِ بألوانٍ زاهيَة بَدَلَآ مِن “ألمُرَقَط ألعسكري” بِعبارات “حَضارية”!!
بوسائل متعددة منها : إتفاقيات ألتعاون ألمشترك في ألمجالات ألإقتصادية ، ألتجارية ،، ألمالية و لاحقآ ألعسكرية إذا أمكَن ، إضافَةً إلى رَهنٍ دائمٍ لِلبَلَد ألمَغزوَ تحت عنوانٍ جَميلٍ أيضَآ “ألشراكَة” و ذلك عبر تقديم ديونٍ و ودائع “تَسهيليَة” ألفوائد ذاتُ آجالٍ طويلةٍ ألإستحقاق ،، فتتحقق ألغاية و تُبَرَر ألوَسيلَة و يُصاب ألهدف ..
من ناحيَة أكاديمية بِألمُختَصر ، يُعَرَف عِلم الاقتصاد بِأنه فَن الإدارة الحكيمة لإمكانات الدولة ومقدراتها وثرواتها بما يتماشى مع متطلبات أفرادها وسد حاجاتهم الأساسية ، كما يشمل العلاقة بين التنمية والموارد البيئية ..
إنطلاقَآ من هذه ألمُقَدِمَة “دون سوء نية”،، و ضمن إستقرائنا و تحليلنا لمتغيرات ألإقليم جيو سياسيآ
و إستراتيجيآ سواء في ألمَيدان ألعسكري (( و نحن في لبنان غير معنيين به حتى ألآن بعد عملية “فجر ألجرود” ألتي نفذتها قوى ألجبش أللبنانية بكفاءة في جرود ألسلسلة ألجبلية ألشرقية على تخوم ألحدود ألسورية-أللبنانية ألمُتَداخلة )) ،، أو على ألصَعيد ألسياسي و ألإقتصادي ،، نَجِد بَديهيآ أن تَمَدُد ألنُفوذ ألروسي على كافة ألصُعُد هو ألغالب في منطقة ألشرق ألأوسط في ظل تقلص واضِح للدور ألأميركي ، و يرتكز هذا ألتمدُد على ما أسلفنا من وسائل تُعتَمَد “عسكرية، تجارية، مالية” إلخ… وِفقآ لجغرافية ألبلد، وضعه ألديموغرافي، سياسته ألداخلية و ألخارجية، إنقساماته، أوضاعه ألإقتصادية و ألمَعيشية، وضعه ألنقدي، حلفاءه، أعداءه، مشاكله و أزماته “كهرباء-ماء-بنى تحتية-وسائل ألإتصال حتى “نفاياته”..إلخ ..

ألسؤال ألمطروح أليَوم هو هل أتى دُور لبنان لإدخاله في ألفَلَك أو ألعَصر ألروسي ؟؟ و من أي باب ؟؟

بِغَض ألنظر عن ألعلاقة ألممتازة ألسياسية و ألديبلوماسية ألتي تربط لبنان و روسيا ألإتحادية فقد إستَعصى ألدخول ألروسي من “ألباب ألعسكري” من خلال تقديم عُروض ألأسلحة ألروسية للجيش أللبناني هِباتً أو تسهيلاتً في تسديد ألثمن بأسعار زهيدة ، و ذلك لِجملة أسباب ليس أقلها أن ألسلاح ألأميركي و ألغَرَبي هو ألمعتمد في قطعات ألجيش على إختلاف وحداته و صُنوفِ أسلحته ..!

بِألتالي أتى ألدخول ألروسي إلى لبنان و هو “مُرَحَب به” حَتمآ مِن ألنافِذَة ألإقتصادية “ألطاقة “بترول و غاز” ،، فبتاريخ 25.01.2019 أعلنت حكومة تصريف ألأعمال أن وزارة الطاقة والمياه اللبنانية ممثلةً بألوزير سيزار أبي خليل و بحضور ألسفير ألروسي ألكسندر زاسبكين وقعت مؤخرآ مع Rosneft إتفاقآ لتولي إدارة و تطوير مرفأ تخزين ألمنتجات النفطية مصفاة IPC ألواقعة شمالي مدينة طرابلس لمدة 20 عامآ ، علمآ أن هذه ألمنشآت في حالة سيئة لكنها قابلة للإصلاح و ألتشغيل في فترة زمنية وجيزة ….
كما تشمل عملية ألتطوير إعادة منشآت مصفاة IPC للعمل بكفاءة ، عبر تركيب و تغييير أجهزة و معدات تالفة أو متقادمة ،، صيانة و إصلاح ألخزانات ألحالية بألإضافة إلى بناء خزانات جديدة ..

مما لا شك فيه أن ألإتفاقية من ألمنظور ألإقتصادي مُربِحة لكلا ألطرفين ، إذ لا طوباوية في ألمصالح ألتجارية ألدولية و لا قديسين ، فهي تؤمن دخلآ جديدآ لا بأس به للخزينة أللبنانية كما أنها تؤكد على جدية ألحُكومة أللبنانية للمضي قُدُمآ في ألإستثمار في قطاع ألنفط و إدارة سوق ألمنشآت ألنفطية بعد تأخير غير مبرر ،، فَ على ألصَعيد ألإداري تم تعيين ألهيئة ألناظمة لقطاع ألنفط منذ سنوات ، و في مجال ألتخزين وُقِعت ألإتفاقية مع “روسنفت” كما أسلفنا ،، أما على صعيد ألتنقيب فكما هو معروف وقّع لبنان في شباط 2018 أول عقد لاستكشاف واستخراج النفط من المياه الإقليمية أللبنانية مع تحالف شركات توتال الفرنسية- إيني الإيطالية- نوفاتيك الروسية ،، و من ألمتوقع ألبدء في حفر أول بئر نفطية قبل نهاية العام 2019 ، عِلمَآ أن ألتنفيذ سيتم على مراحل بِألتنسيق مع سورية و العراق و مصر بشأن إعادة تشغيل خطوط الغاز والنفط الموجودة في المنطقة…

رئيس “روسنفت” إيغور سيتشين Igor Sechin أعتبر ألعقد يسمح للشركة بتعزيز وجودها في الشرق الأوسط كما يؤدي إلى زيادة كفاءة سلاسل التوريد الحالية ، فضلاً عن المساهمة في تطوير تجارتها الدولية ،، و أعرب عن أمله في توسيع التعاون مع بيروت و تنفيذ مشاريع أخرى ..
أما نائب رئيس الشركة الروسية “ديديي كازيميرو” Didier Casimiro فأعتبر أن الاستثمار في منشآت طرابلس “هو مشروع استراتيجي بالنسبة إلى الشركة يوسع نشاطها و يعطيها الفرصة لاستثمار أوسع في لبنان والدول المجاورة”…
بدوره رأى ألسفير ألروسي “زاسبيكين” أن ألإتفاقية تأتي في إطار “تطوير التعاون مع لبنان في المجالات كافة، ولا سيما في مجال الطاقة”،، و هي إحدى محطات التعاون الاستراتيجي الطويل الأمد”.

تعتبر روس-نفط Rosneft شركة بترولية مملوكة من ألحكومة الروسية بنسبة 51% و هي من ألشركات ألضخمة في مجال إستخراج و تكرير ألنفط في ألعالم ، و قد بلغت عائداتها عام 2017 حوالي 102 بليون دولار ، مع ألإشارة إلى أن رئيس مجلس إدارة ألشركة حاليآ هو ألمستشار ألألماني ألسابق غيرهارد شرودر Gerhard Schröder صديق ألرئيس ألروسي فلاديمير بوتين ، علمآ أن “شرودر” سَبَقَ و وقع مع جهاز قطر للإستثمار ألنفطي و شركة “غلينكور” إتفاقية بيع حصة من Rosneft بقيمة 19.5% و هي تعتبر أكبر صفقة خصخصة في تاريخ روسيا ، إذ ستحول ألعلاقة من ألمنافسة إلى ألشراكة كما ستؤمن دَخلَآ للحكومة ألروسية بقيمة 710 مليار روبل = 11.66 مليار دولار …

بِألعودة إلى تفاصيل ألعقد ألمُبرَم سيتم بناء 14 خزاناً بسعة 428 ألف طن أي ما يعادل حاجة لبنان لمدة شهرين و تحتاج هذه المرحلة إلى 18 شهراً لإنجازها ، تليها المرحلة الثانية التي ستضيف 32 خزاناً إلى المنشآت بقدرة استيعابية تقدّر بمليون طن …
من جهة أخرى ،، سيدخل لبنان ألعصر ألنفطي بأللون ألروسي و هو بألتالي سيؤمن مخزونآ نفطيآ إستراتيجيآ دائمآ تحت ألمظلة ألروسية و بحمايتها ، و ربما أدى ذلك لاحقآ إلى إتفاق مع ألجانب ألسوري بشأن ألخِلاف حول ألمربع رقم واحد ألمتاخم للمياه ألإقليمية لكلا ألبلدين ألجارين ، و بألتالي ترسيم ألحدود ألبحرية .

في سياقٍ مُتَصل ،، لم يتطرق أحد إلى هذه ألإتفاقية خلال جلسات ألثقة ألنيابية و مدى شفافيتها أو نوعيتها “خصخصة، شراكة، مناقصة، تعاقد بين دولتين إلخ…”، و بألتالي فألتساؤلات مشروعة و من ألواجب على ألحكومة ألجديدة توضيحها و بيان تطابقها مع ألقوانين أللبنانية ألسارية ..

ختامآ ،، ألنتائج ألجيوسياسية واضحة فَ بألرغم من أن ألإتفاقية تأتي ضمن سياق توسّع النّفوذ الروسي في المنطقة ألمتعدّد ألأشكال ، فهي سَتُفضي إلى دخول روسيا لبنان من نافذة “الطاقة”، بما يسمح بتعزيز وجودها في ألإقليم و يؤمّن لها مركزاً و منفذاً على البحر المتوسط لتصريف إنتاجها النفطي لا سيما من الحقول التي تعمل على تطويرها في ألعراق ، إلا أنها أيضآ خطوة أساسية جيدة و متقدمة في مسيرة تحريك العجلة الاقتصادية والإنمائية لا سيما في مدينة طرابلس ألعاصمة ألثانية ألتي سَتستعيد دورها ألإقتصادي بألتوازي مع ألمنطقة ألإقتصادية ألخالصة ألتي بدأ ألعمل بها ،، و هي أشد ما تكون لذلك …

*عَميد،كاتِب و باحِث في ألشوؤن ألأمنية و ألإستراتيجية.