رئاسة الحكومة اللبنانية ومعاناة المنتصف..!

 

بقلم: العميد مُنذِر الايوبي*

خلافآ لكل الهواجس المقلقة المتراكمة واحتمالات التصعيد العسكري وصولآ الى الحرب الشاملة مع العدو الاسرائيلي على تعدد الجبهات وبصورة خاصة جبهة جنوب لبنان، فإن شمس كانون وان حجبتها غيوم رمادية تقارب السواد لن تؤدي الى انفلات الامور من عقالها إذ المحظور باقٍ الى اجل، سواء بارادة المقاومة ومحورها ام بخشية اسرائيل والغرب الحليف ..! اما تقية بنيامين نتنياهو فلا حاجة لها طالما يعلن جهارآ ان قراره المتوائم مع استراتيجية حكومته اليمينية المتطرفة وغيلان اركان جيشه لاعودة عنه؛ مواصلة الحرب حتى القضاء على حركة حماس مع تحطيم قدرة حزب الله على الردع وابعاده الى شمال الليطاني سواءً تباعآ ام توازيآ إن استطاع الى ذلك سبيلآ..!

في السياق، تتكرر محاولات اشعال الحريق الكبير بالتزامن مع زيارات مكثفة للعاصمة بيروت واردة من اصقاع لا حاجة لتفصيلها بدءآ من مستشار الرئيس الاميركي آموس هوكستاين مرورآ بمبعوثي الدول الغربية من وزراء او سفراء (الاتحاد الاوروبي؛ فرنسا؛ المانيا الخ..) كذلك من دول عربية عدة (قطر؛ السعودية؛ مصر الخ..) في خلاصة لقاءاتهم ومضمون رسائلهم تحذيرات من انزلاق حزب الله او استدراجه الى حرب مفتوحة مدمرة..!
فيما تقاوم خلايا التوحش في القشرة المخية Cerebral cortex وعصبونات المخيخ Neurons لدماغ نتنياهو ضغوطات يتعرض لها من شرق وغرب، كما من بعض اركان القيادة العسكرية واعضاء الكنيست اليهودي هدف وقف لاطلاق النار في قطاع غزة والتبريد على جبهة الشمال مع لبنان ..!

تاليآ؛ على ارض غبراء قاحلة يخوض رئيس الحكومة نجيب ميقاتي غمار مستنقع عفن متعدد الاعماق “سياسي، اقتصادي، مالي، امني، الخ.” وبصورة خاصة بعد ان انتقلت حكومته الى مرحلة تصريف الاعمال، وبصرف النظر عما ينص عليه الدستور اللبناني في مواده: 17-62-64 من صلاحيات ومهام ضمن الاطار الضيق، فالغاية بالنتيجة (لتعذر مع تجاهل تحديد مهلة ملزمة دستوريآ لإنتخاب رئيس الجمهورية) إبعاد البلاد عن شلل مميت وفراغ مهلك، وجوبٌ غير قابل لاجتهاد مَضى به دولته من منطلق بسيط صحيح حق، اذ ان مصلحة المواطن والمجتمع كما تسيير شؤون الادارة والمؤسسات امر يعلو ولا يعلى عليه من فيتوات طائفية المقصد وغيتوات حزبية منعزلة..! واذ عصفت ريح الفراق بين لبنان والاشقاء العرب سيما المملكة العربية السعودية لاسباب وخلفيات شتى فقد جهد لترميم ما امكن وهو الصبور المرن ما عاقه الجرح المميت او ظلم ذوي القربى..!

ثم ان الاعصار السوري اصاب الوطن في الصميم ناخرآ عظام ركائزه، ما جعل النازحين بحجم المليونين عبئآ لا مناص منه، فرض عليه سعي استيعاب كما تقليل خسائر وارتدادات سلبية على الصعد كافة،، بالترادف مع تهدأة بال الغرب الاوروبي حفاظآ على حضور لبنان وعلاقاته الدولية مانعآ عزلة بالحد الادنى، حاثآ الجيش اللبناني والقوى الامنية على ضرورة لجم عمليات الهجرة غير الشرعية وجرائم الاتجار بالبشر..!

ثم ان فتح جبهة الاسناد الجنوبية بوجه العدو من قبل حزب ألله والمقاومة رد انتهاكات وتعديات جعل رئاسة الحكومة في نقطة وسطى سياسيآ بين فريقي الممانعة.؟ والسيادة.؟ خطان متوازيان لا يلتقيان خصومة مدمرة اصابت الرئاسة الاولى مقتلآ على حساب المصلحة الوطنية وقدسيتها، فكان الخيار الاستراتيجي الحصيف الاسلم حفظ حق المقاومة في صد العدوان مع تعقل في ربط نزاع قابل للحل، دعوة لاستعادة ما بقي من اراض محتلة ونقاط متنازع عليها من B1 الى آخر نقطة في الشرق الحدودي (مزارع شبعا وتلال الغجر) مطالبة في آن على خلفية عروبية المنشأ بحل شامل عادل للقضية الفلسطينية ..!

اخيرآ؛ بعيدآ عن مداهنة كما دون تعداد او استعراض مواقف الميقاتي الطرابلسي سليل حارس الاثر النبوي الشريف في المنصوري الكبير، فإن انسداد الافق المحلي امام انتخاب رئيس للجمهورية المتداعية اصلآ، وما يحدق بالوطن من اخطار قد تصل حد المعضلة الوجودية يجعل رئاسة الحكومة ومجلسها رغم الهنات الهينات مادة لاصقة لوضعية وطن مهشم بالتوقيت الزمني والحدث المفصلي. كما يكرس رئيس حكومة تصريف الاعمال في منتصف ثابت، الناصِف الخادم غير الطامع بصلاحيات ولا المتلون استعطافآ او المعتاد تقلبآ في مواقف، ضمانة غير مدرجة على صفحات الدستور لكنها مقرؤة لدى العامة وهي الاصل والمقصد ضمن مبدأين: النأي بالنفس ولكل مقام مقال.! باللهجة الشعبية الدارجة (يمشي بين النقاط) ..!

طرابلس في 19.01.2025
عميد متقاعد، كاتب وباحث،
متخصص بالقضايا الامنية والاستراتيجية.