هَل يتسبب “البرطيل” في ضياع وطن..؟


بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

ما كاد الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس يغادر بيروت في التاسع من الشهر الماضي إثر زيارة التقى خلالها رئيسي الحكومة والبرلمان متأبطآ هم الجزيرة المزدوج اللجوء السّوريّ والهجرة غير الشرعيّة انطلاقآ من الشواطئ اللّبنانيّة نحو بلاده مرسى قوارب الموت إن افلحت، ومحطة عبور نحو القارة الهرِمة حتى عادت طائرته الى الهبوط على المدرج الغربي لمطار بيروت ترافقه هذه المرة رئيسة المفوضية الاوروبية اورسولا فون ديرلاين..
في كلتا الزيارتين تم بحث سُبل التعاون بين قبرص ولبنان لمكافحة موجات اللجوء السوري-اللبناني نحو البر القبرصي-الاوروبي، بالتالي خلق أرضيّة مشتركة للتعاون مع طي ملف خلاف سابق متعلق بترسيم الحدود البحرية، اضافة الى عرض اوروبي لآلية تنسيق ومساعدة هدف معالجة مشكلات النزوح ألإقتصادية والاجتماعيّة المشتركة الّتي تؤرق اهل البلدين.. لكن العين بصيرة واليد قصيرة، أنىَّ للبنان الرسمي تعاطٍ كفوء مع هذا العنوان العريض يتواءم مع مسؤولية مصيرية تحفظ مصالحه الاستراتيجية وهو يتعايش ظلمة فراغ سياسي ورئاسي متزامن مع مسيرة حكومة تصريف اعمال وتأجيل مصائب علَّ الفرج يحل، تمارس اداءً مطاطيآ وتعاني في آن تشظيآ وزاريآ يطابق قولآ شعبيآ “كل ديك عَلى مزبلته صياح”، فيما يحاول رئيسها ايجاد حلّول ترقيعيّة خجولة بالحد الادنى على المستويين المعيشي والاقتصادي، كما تحفيز التزام تنفيذ خطط امنية قاصرة أصلآ سواء لحماية الحدود الشرقية-الشمالية واقفال المعابر غير الشرعية؟ ام لمكافحة جرائم باتَت ترعب الناس يرتكبها نازحين سوريين، لم يعد يخشون قضاء ولا يهابون عقوبة طالما الساح خواء، باب الهروب مفتوح والقصور مفضوح ..!
كما جرى التطرق الى موضوع الممرّ البحريّ الانساني الذي أنشأته قبرص نحو قطاع غزّة سندآ لمخاوف من تدحرج حرب الاسناد عَلى الجبهة الجنوبية إلى حربٍ واسعة تستهدف العمق اللّبنانيّ، وما يحمل هذا الامر من تداعيات على الجزيرة قد تدفع نحو مزيد من موجات الهجرة واللجوء..!

تاليآ، لا التباس في الرؤى الاستراتيجية لدى رئيسة المفوضية الاوروبية التي تعتبر لُبنان السد الاخير امام النازحين السوريين وانهياره سيتسبب بانعكاسات خطيرة عَلى الدول الاوروبية المتشاطئة الحوض المتوسطي .. واذ تبين ان المفوضية اعادت النظر في السياسة المعتمدة لقضايا اللجوء سيَما على صعيد لُبنان المستضيف اكثر مِن مليون ونصف نازح، أُعلن عن مراجعة تقييمية للوضع السوري على نقطة التقاطع الجغرافي-الامني وفق توجه مستند الى تطوير او تعديل “ميثاق الهجرة” متضمنآ آليات جديدة للمكافحة والمعالجة أَ كان لجهة ضبط الحدود البرية والبحرية، ام عَبرَ رفع درجة التنسيق مع دول الشرق المستضيفة هدف حؤول دخول..!

في السياق، مِن الواضح ان الزيارة لا تعكس (خِلافآ لما قيل) انعطافة في موقف المجتمع الدولي والاوروبي بشكل خاص إزاء معضلة النازحين السوريين التي يعاني منها لُبنان، كما لا تفهم كافٍ لضرورة وجودية وطنية قصوى تقضي باعادتهم الى بلدهم سواء لمناطق النظام ام المعارضة وفق الانتماء.. اذ ان الاعلان عن المساعدة المالية من جانب السيدة فون ديرلاين بقيمة مليار اورو تمنح عَلى مَدى ثلاث سنوات ايقظ هواجس اللبنانيين وزاد مِن قلقهم إذ صنفت لدى كثيرين في خانة الرشوة فيما اوضح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ان الهبة غير مشروطة مِن اهدافها دعم الدولة اللبنانية واجهزتها العسكرية والامنية..
من جهة اخرى؛ لَم تكن الخشية من الهبة وما واجهته مِن اعتراض عَلى الصعيد السياسي وليدة سعة افق ورؤية ام نِتاج تعفف من مال وشبع، اذ ان المحصول الشعبي لرفضها يقرش لاحقآ ولاءً لافرقاء سياسيين فيما واقع الحال تمدد شبه احتلال سوري مقنع للمجتمع اللبناني وقدراته الاقتصادية والاجتماعية..!

استخلاصآ؛ عل خلفية (من جرب المجرب عقله مخرب) بات كل طرح او قضية يدعو للشبهة مسبقآ عند اهل البلد، وإذ يدخل (البرطيل) ضمن مسؤولية المُبرطِل فيما المُبرطََل شبه دولة سعرها بخس كيلٌ مِن مليار تُكرَس حرس حدود تنصر اباطيل.. كما يتبين ان الهبة الاوروبية صنف مورفين فاسد أَ كان الوطن بحاجة له ام لا، لن يخفف شعورآ بألم ولا يروي عطش خزينة، لا بَل سيتسبب بتفاقم وذمَّة النزوح، اضافة الى تجاوزها (الهبة) تصنيف الرشوة الى فعل ابتزاز، اذ بدت في عمقها سترة انقاذ لكثر من ساسة، عرض عفو صنو ارغام في لحظة مفصلية مِن ملاحقات قضائية اوروبية هُم تحت مقصلتها مؤداها بالحد الادنى مصادرة اموال وحجز اصول.. كما لا بد من الاشارة الى خلفية ما يتداول في صحف اوروبية ان الهبة الغير مشروطة اقله علنيآ عامل ترويج براغماتي لحملة رئيسة المفوضية الانتخابية، ما يرفدها مقويات تصب في مصلحتها ضمن دوائر القرار الاوروبي اليميني الفكر والسيطرة..!

اخيرآ؛ في الحرص الوطني عدمية، اذ باتت المشكلة مستعصية، عملية النزوح والهجرة غير الشرعية تتجاوز تفاهة نقاشات صنف تراشق تلفزيوني وسايبراني Cyberian في رمي مسؤوليات تجاوزها الزمن، فالسلطة السياسية امام خيارين لا ثالث لهما كلاهما يحتاجان حزم قرار وجرأة تنفيذ، اما فتح الشواطئ امام قوارب الهجرة بِما يرغم الاتحاد الاوروبي عَلى مناصرة لُبنان ومشاركته فعليآ وميدانيآ حل اعادة السوريين الى بلادهم، او تأمين تغطية مدعومة من دول القرار الخمس لاستصدار قرار اممي يقضي باعادتهم الآمنة لا الطوعية تحت طائلة العقوبات..! الازمة اليوم وجودية تتجاوز منحة مالية تبخس لُبنان حقه وتستهين بسيادة تزاوج كرامة، الاتحاد الاوروبي يفتش عن مصالحه فيما لُبنان يتنازل عن حقوقه او يتجاهلها- الجرم هنا يُبَوب خيانة وعليه يسجل التاريخ..!

طرابلس في 05.05.2024
*عميد متقاعد