حكومة التفليسة ماضية في تصفية الكيان!

بقلم : عباس صالح*

في مثل هذه اللحظات الاستثنائية، من عمر الوطن، لا تصح القاعدة القائلة بإعطاء فترة سماح للحكومة للحكم عليهاسلباً او ايجاباً، لأن لبنان الكيان والدولة دخل عملياً منذ مدة في غيبوبة الاحتضار،  والمطلوب إنعاشه، ومحاولة إعادتهللتنفس، من خلال فريق حكومي يعمل كخلية نحل تنجز باللحظات وليس بالدقائق والساعات والايام.

ولكن حتى هذه اللحظة على الاقل، لم تتمكن الحكومة اللبنانية التي شكلها الرئيس نجيب ميقاتي، من تقديم أي شيءيذكر للمواطن المنكوب، او للبلد المنهوب. ولم تستطع ان تعطي أي إشارة إيجابية لا للداخل ولا للخارج بأن لديها ولوشيء من الرؤية ! او مجرد انها قادرة على تبني خطة ولو من الخطط الجاهزة التي من شأنها إطفاء بعض الازماتالمتلاحقة والمتساقطة فوق رؤوس المواطنين.

على العكس تماماً، ما يحدث الان هو ان لبنان يزداد كل يوم غرقاً إضافياً في وحول الازمات الاقتصادية والمعيشية والماليةوالتي تُنتِج المزيد من التوحش الاجتماعي، والانحلال الأخلاقي، والتفكك الأسري، والهجرات وتنظيم عمليات الهروبالجماعية، وركوب المخاطر التي توازي تفضيل الموت على العيش في بلد تخيم عليه شبح المجاعة الحتمية التي باتتتلوح في الآفاق، وتقترب مع مضي كل يوم جديد ، وهي الازمات التي حولت غالبية الناس الى وحوش تأكل بعضهابعضاً، فيما يمضي بعض الوزراء الجدد بسياسات وتصرفات تبدو للعيان انها ناتجة من رعونة وغباء وقلة خبرة ، لكنهمفي الواقع يبدو انهم يتقصدون اتخاذ قرارات يعرفون جيداً انها ستقضي حكماً على آخر بارقة أمل بقيامة الوطن منجديد.

المؤشرات بمعظمها تدل على أن هؤلاء الوزراء في واقعهم الذي بات ملموساً هم وزراء تفليسه، أوتي بهم من أجل تصفيةالكيان اللبناني، وهم يعرفون جيداً الادوار المنوطة بهم ويؤدونها بإتقان في هذا المسار!.

هذا ما حصل حتى الآن في وزارة الطاقة والمياه التي تراجعت بشكل مريع في كل ملفاتها، فالوزير الجديد ،الضاحكدائماً، حتى في عز المحن والكوارث التي تستدعي منه البكاء على شعبه وبلده ، آثر ان يكون محتسباً صغيراً يقتصردوره علىتقريشاسعار ل

الوقود العالمية واحتسابها وفقا لسعر الدولار في السوق السوداء اللبنانية، وإصدار جداول الاسعار الاسبوعية علىأساسها، وهذه مهمة يمكن ان يقوم بها بواب الوزارة او الفرَّاش مع كامل الاحترام والتقدير لكل منهما.

والدليل الحسي على ان هذه الوزارة ماضية في مشروع القضاء على بارقة الامل لدى اللبنانيين هو ان سعر صفيحةالبنزين لم يكن قد تجاوز المئة الف ليرة بكثير لدى تأليف الحكومة وبات اليوم اقرب الى ال400 الف ليرة لبنانية ومثلةالغاز والمازوت وكل الوقود. فأي انجازمقلوبحققه الوزير الضاحك حتى الآن على صعيد التسعير؟   

أما فيما يتعلق بالكهرباء التي تعتبر أم الازمات في لبنان، والبئر المثقوب الذي اختفى بداخله 40 مليار دولار حتى الانمن الديون السيادية على الدولة اللبنانية، فضلاً عن مبالغ طائلة غير مرئية من الخزينة اللبنانية، فهذا الملف لم يقاربهالوزير الأنيق، الا من ضمن المقارباتالخاصةالتي سادت خلال دزينة السنوات الماضية والتي أرساها الوزير جبرانباسيل يوم تسلم الوزارة في العام 2009 وما تزال سارية حتى هذه اللحظة. مع فارق سلبي يتمثل بتقليص ساعاتالتغذية بالتيار الكهربائي بدل زيادتها، حيث تراجعت فترات التغذية المتعارف عليها في المناطق اللبنانية الى ساعةواحدة او ساعتين في احسن الاحوال خلال ال24 ساعة، بدلا من 18 ساعة تغذية قبل تفجير الحكومة السابقة، ولميستطع المليون طن من الفيول العراقي الذي وصل الى لبنان بعد مقايضته في الامارات (لكي تصبح العملية قابلةلتسديد العمولات) من إعادة ساعات التغذية الى ما كانت عليه سابقاً، او حتى رفعها دقيقة واحدة، وعليه يبدو منالصعب ان عملية استجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية عبر سوريا من رفع ساعات التغذية بالتيار، للاعتباراتنفسها، والارجح انها ستختفي قبل وصولها، او انها ستوزع وفق قواعدالظلم في الظلامعلى أُسُس غير عادلة فياحسن الحالات كما يجري اليوم، حيث، في عز الازمة والشح، هناك مناطق متخمة بساعات التغذية، ومناطق اخرىمحرومة نهائياً ومعاقبة ومتروكة تحت رحمة المولدات الخاصة وذلك لاعتبارات عديدة متداخلة ومتشابكة يطول شرحها.

الاهم ان الوزير المسرور بجماله لم يتمكن حتى اللحظة من المحافظة على ما كان قبل وصوله في الملفات الخاضعةلوصاية وزارته، بل العكس هو الصحيح والانهيارات متواصلة بتؤدة وإتقان، وبأحسن مما رُسِمَ لها !.

وكما في وزارة الكهرباء التي حولت نفسها لوزارة إدارة العتمة في واقع الحال، كذلك يحصل تماما في وزارة  الاقتصادووزارة الشؤون الاجتماعية اللتين ورثتا عن سابقتيها بطاقة تمويلية يمكنها تغطية جزء ضئيل من عجز اللبنانيينجميعاً ، وحاجاتهم الملحة، نتيجة انهيار قيمة العملة المحلية بشكل دراماتيكي، علماً ان هذه البطاقة لم تندرج في أيلحظة من اللحظات في اطار المساعدة الاجتماعية او المنحة او العطية او المنة، بل نشأت أساساً كحقوق مكتسبة، ضمنفكرة تعويض الخسائر الناجمة عن انهيار العملة ورفع الدعم عن السلع الاساسية، أي انها أتت كبديل من الدعم الذي كانموزعاً على السلع الاساسية، وعلى اساس ان يتم توزيعها على كل المواطنين بدون استثناء، قبل القرار برفع الدعم لتكونسبيلاً آخر للدعم المعمول به في كل دول العالم الغنية والفقيرة على حد سواء.

لكن واقع الحال ان وزير الاقتصاد الجديد ووزير الشؤون الاجتماعية عملا وفق خطة منسقة، حتى الان، على إلغاءممنهج للبطاقة التمويلية التي كانت الحكومة السابقة قد باشرت فعلياً العمل بمقتضياتها بعد انشاء المنصة الضروريةلتسجيل المستفيدين، على أساس الشروع بتوزيعها بعد اقصر فترة ممكنة من اطلاق المنصة، لكن الوزيرين الجديدينتوافقا على نسف الخطة من أساسها بذريعة التحضير لخطة جديدة لم يظهر أي من بوادرها حتى الان، وتم إلغاء الأملعلى وقع الارتفاع الجنوني غير المسبوق في كل السلع اللبنانية بما فيها سعر الخبز الذي لم يعد متاحاً وحده للموظفينمن اصحاب الدخل المحدود والحد الادنى اذا كانوا من أصحاب العائلات والاسر الكبيرة ، فكيف والحال مع جيوشالعاطلين عن العمل وهم الذين باتوا يشكلون اليوم الشريحة الاكبر من اللبنانيين في ظل الانهيارات الحاصلة فيالمؤسسات والشركات التشغيلية، علما ان هذه الشريحة لم يتم لحظها في اي دراسة متعلقة بأي مساعدات اجتماعية اوبطاقة تمويلية او سوى ذلك لا سابقاً ولا حالياً!.

وهنا يتبدى الدور الإنهائي ايضاً لوزير الاقتصاد الذي لا يقوم أصلاً بالادوار المنوطة بوزارته على مستوى مراقبةالاسعار وضبط التوحش لدى غالبية التجار واحالتهم الى حيث يجب.وكذلك الامر نفسه بالنسبة لوزير الشؤونالاجتماعية الذي يتمنع عن تكليف جيش الموظفين والمتعاقدين والمتعاملين مع وزارته بالقيام بالمسح الاجتماعي الحقيقيوالدقيق تمهيدا لانشاءداتاجديدة بعد الانهيار  هي ضرورة ماسة وحاجة أساسية لأي عملية مستقبلية تهدف الىاخراج لبنان من المحن، وإعادته الى سكة التعافي، فيما لو كان ذلك هو المطلوب.

وحتى لا نطيل الشرح، فإن هذه النماذج التي أشرنا إليها تنطبق على جميع الوزارات في الحكومة الميقاتية المعطلةحالياً بفعل الازمة الناشئة عملياً من تمنع وزارات العدل والدفاع والداخلية أصلاً عن القيام بالادوار المنوطة بهم ايضاً،وتراخيهم وتركهم المعالجات التي تندرج ضمن مسؤولياتهم، لتنفجر في الشارع مهددة بحرب أهلية جديدة وبخرابالبلاد، مع علمهم المسبق بذلك، وهو ما يدل بشكل قاطع على ان حكومة الميقاتي شكلت لتكون حكومة تفليسة  مهمتهامحصورة في الاشراف على تصفية لبنان الكيان على قواعد وأُسُس محددة، كما تصفى أي شركة او مؤسسة او كيان بعدانتفاء الدور.

—————————

* رئيس تحريرالدنيا نيوز