تشاشا (Сочи)…!

بقلم العميد منذر ألأيوبي*

 

مذكرة التفاهم التي أبرمت بتاريخ ١٧ أيلول الماضي بين الجانبين الروسي و التركي في مدينة سوتشي الروسية الواقعة على ضفاف البحر ألأسود و وقعها الرئيسان بوتين و أردوغان،، تضمنت تجنيب مدينة إدلب و ريفها أي هجوم عسكري من قبل الجيش السوري و حلفاءه .. من أهم بنود ألإتفاق العشرة : التزام الطرفين طرد المسلحين الإرهابيين من المنطقة المنزوعة السلاح قبل ١٥-١٠-٢٠١٨ ، و سحب السلاح الثقيل من كافة الأطراف .
تُسَير القوات التركية والشرطة العسكرية الروسية دوريات منسقة، لمراقبة حدود المنطقة منزوعة السلاح و ضمان حرية حركة السكان المحليين والسلع واستئناف العلاقات التجارية والاقتصادية.

لِكُلٍ من ألرئيسان التركي و الروسي أسباب مختلفة عن ألآخر مُضمرة و معلنة للإتفاق على خفض التصعيد و تسوية إدلب ،، فأردوغان ببراغماتيته يُثَبِت و يؤكد بذلك الدور التركي في الحل السياسي الذي يرسم ملامحه الرئيس بوتين للأزمة السورية “مؤتمر أستانة” ..
أما الرئيس الروسي فيعتبر أن أي تفاهم يؤدي إلى الحل الشامل و لو مرحليآ ضرورة لا سيما بعد سيطرة الدولة السورية على 80% من أراضيها و دحر ألإرهاب التكفيري ،، كما أن ما زُوِد به من معلومات عن نية أردوغان إخلاء سبيل القس الاميركي أندرو برونسون لتلافي العقوبات ألأميركية و إنهيار قيمة الليرة التركية دَفَعه إلى إستثمار اللحظة و تلافي المفاجآت ،، فتركيا ما زالت عضوآ في حلف شمال ألأطلسي NATO و أردوغان يسعى إلى إستعادة دوره لدى واشنطن ..
لا شك أن الدور التركي في تسوية إدلب يعني السعي لتنفيذ ألإتفاق لا بل و فرضه على المجموعات المسلحة .. في المقابل ستضمن روسيا عدم قيام الجيش السوري و حلفاءه بخرقه ،، إلا أن موسكو لن تستطيع أو ترغب في حال تعثر تنفيذه و اللعب على حِبالِه في منع الخيار العسكري لتحرير هذه المنطقة و إعادتها إلى السيادة السورية ..
إلتزمت القيادة السورية ألإتفاق رغم أنه لم يَرُق لها كثيرآ ،، فهي عَمَلت على حشد القوى و تأمين الدعم الناري الغزير مع حصار مُحكم للقضاء على ألإرهابيين من جبهة النصرة-هيئة تحرير الشام و غيرها من التنظيمات و إنهاء المعركة سريعآ بغض النظر عن العدد الكبير من الضحايا الذي سيسقط خاصة من المدنيين ،، و من ثم ألإنتقال إلى منطقة شرق الفرات لإحباط فدرالية تسعى إليها الفصائل الكردية بدعمٍ من الولايات المتحدة الاميركية و بالتالي تثبيت السلطة المركزية للدولة السورية مما يدفع بالأميركيين إلى المُغادرة و هي رغبة رئيسهم أساسآ ..
التنفيذ ما زال في مراحله الأولى و إن تأخر قليلآ
فالتطبيق ليس سهلآ و ألأسلحة الثقيلة للإرهابيين لم تُسحب بعد ،، كما لم يسجل إنسحاب المقاتلين من المنطقة العازلة ..
من جهة أخرى كان لافتآ يوم أمس لقاء الرئيسان المصري و الروسي في مدينة سوتشي- “تشاشا” باللغة الشَركَسية Circassian – و تأكيدهما على ضرورة تحرير مدينة إدلب و المحافظة و لو بالحَسم العسكري إذا إقتضى ألأمر .. إضافة إلى توقيع فوري إثر ألإجتماعات الثنائية بينهما على إتفاقية تعاون و شراكة إستراتيجية في جميع المجالات الاقتصادية التجارية و العسكرية .. فالعلاقات المصرية الروسية تملك تاريخيآ ذَخرآ وَفيرآ من المصالح المشتركة لا ضرورة لتأكيدها ..
مدينة “تشاشا” Sochi ألمنتجع العلاجي و الصحي ذات التاريخ الشركسي جعل منها القيصر الروسي مقرآ لعلاج أزمات الدول و ألأقليم كما أنها الشاهد على سياسة ألقضم Gnawing Policy التي ينتهجها و ألإتفاقيات التي يوقعها .. هي المدينة التي يُعتبر هواءها الانقى في العالم كونه مشبع بغاز الاوزون O3- Ozone وأملاح البحر و هذا ما بات يفتقده الكَوكَب ..

*كاتب و باحث في الشؤون الأمنية و ألإستراتيجية.