اوكرانيا، الربيع الساخن..!

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

يبدو ان حلبة الصراع الاوكرانية باتت جاهزة لمنازلة عسكرية بين الحلف الاطلسي والولايات المتحدة الاميركية من جهة وروسيا الاتحادية من أخرى..
اختصارآ لواقع الميدان؛ قرقعة السلاح تعلو، والفوهات جافية “على غير طبيعتها” القاعدتين العسكريتين الجويتين Poltava و Vasylkiv الاوكرانيتين تشهد حركة نشطة لطائرات النقل C130- Hercules تفرغ شحنات الاسلحة الاميركية النوعية، كان آخرها خلال الاسبوع الماضي الدفعة الثالثة البالغة 90 طنآ؛ وصفتها دوائر البنتاغون انها “مساعدة امنية فتاكة” جزء من حزمة الدعم العسكري الاميركي المقررة في شهر ديسمبر الماضي لتعزيز القدرات الدفاعية لاوكرانيا..!

بالمقابل، تواصل وزارة الدفاع الروسية حشد قواتها على الحدود الاوكرانية شمال-شرق، ما يقارب 175000 جندي يؤلفون وحدات القتال المتنوعة الاختصاص، تموضعت في مواقع محددة مسبقآ ما يتيح لها “التصرف بطريقة شاملة”Act in inclusive manner. كما عززت القواعد الجوية في بيلاروسيا بطائرات الجيل الخامس المتطورة SU 57 مع كتيبتين من منظومة صواريخ S-400 للدفاع الجوي..

من الوجهة الاستراتيجية؛ التوتر الروسي الاوكراني لا يمكن اختصاره بنزاع حول حدود او خلاف على مصالح؛ اذ ان معادلة امن روسيا الاتحادية والضمانات الامنية المطلوبة يقابله امن القارة الاوروبية، كما ان الحشد العسكري الروسي مع التموضع الهجومي وقرار الغزو اصبح بمواجهة قوات حلف شمال الاطلسي والعقوبات الغربية القاسية..!

 

في السياق الديبلوماسي، لم يكن الحوار اقل حدة، تبادل التصريحات الساخنة لم تلجمه جولات الحوار الثلاث في جنيف وبروكسل واخيرا مع منظمة الامن والتعاون الاوروبي OSCE منتصف الشهر الجاري بهدف نزع فتيل الازمة. تاليآ لم يكن الاجتماع الافتراضي بين الرئيس الاميركي بايدن ونظيره بوتين بافضل حال، فالابتسامات المتبادلة باردة والبيانات ذات الطابع الايجابي شكلية، ناقضت التهديدات الاميركية بفرض العقوبات المشددة في حال غزو اوكرانيا، ليس اقلها استهداف النظام المالي الروسي واقفال خط أنابيب (نورد ستريم2) المغذي لجزء كبير من اوروبا بالغاز المسيل. كما اتى الرد الاميركي على ورقة الضمانات الامنية الروسية خجولا ان لم نقل سلبيا..!

في سياق متصل؛ نجحت باريس في اعادة تفعيل لجنة الحوار الرباعية “روسيا، اوكرانيا، برلين، باريس” التي تشكل حاليآ القناة الوحيدة للتواصل؛ واذ عكس الموقف المشترك الفرنسي – الألماني الذي حملته تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشار أولاف شولتز ايجابية ملحوظة في المشهد المتوتر، اعلن الرئيس الفرنسي عن مباحثات هاتفية مع نظيره الروسي اليوم الجمعة بهدف “تقييم مجمل الوضع على صعيد الامن الاوروبي” مبديآ استعداده لزيارة روسيا..
بالتوازي، ووفق ما اعلنت دوائر الخارجية الفرنسية من المتوقع زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان العاصمة الاوكرانية كييف برفقة نظيرته الألمانية “أنالينا بيربوك” بهدف «استكشاف كل القنوات التي من شأنها دفع روسيا لمسار خفض التصعيد».

استطرادآ؛ في ظل، ورغم الخرق الديبلوماسي الفرنسي- الالماني المتواضع لجدار الازمة، الا ان نوايا القيصر الروسي لا يعلم بها احد باستثناء وزيري الدفاع والخارجية الثنائي “سيرغي”: شويغو ولافروف. لكن المؤكد ان قرار الغزو على الطاولة، يمكن اتخاذه في اية لحظة وبالتوقيت المناسب دون اي اعتبار للتحذيرات الغربية..! اذ يرفض الرئيس بوتين فرض توازنات استراتيجية وجيوسياسية جديدة على الساحة الاوروبية لا سيما ضم اوكرانيا الى حلف الناتو.. ووفق فصول المشهد السياسي والفهم الاوروبي والاستنفار الديبلوماسي في خلفيته تلافي مواجهة اميركية-روسية مسرحها القارة العجوز، وبالتزاوج مع الحشد العسكري ووقائع الميدان، فإن الربيع الاوكراني القادم سيكون ملتهبآ. اذ يعتبره (الرئيس بوتين) بصرف النظر عن الظروف المناخية المؤاتية نهايةً لفترة التفاوض بعد استنفاد كافة وسائل الحوار، كما انه التوقيت الانسب لحسم النزاع عسكريآ، اقصر الطرق وفق رؤيته وانجعها لانهاء جدلية مفاوضات لا طائل منها بات طابعها المماطلة والالهاء..

اخيرآ؛ يتحدث الباحث السياسي رولاند بيجاموف عن “تبادل فهم خاطيء لنوايا الجانبين الاميركي والروسي” حول نوايا الغزو.. لكن الامور باتت ابعد من ذلك،
اذ دخلت الازمة ضمن اطار الفهم الصحيح للاسباب والوقائع والنتائج.. خيارين لا ثالث لهما إما تلبية مطالب موسكو حول تأمين ضماناتها الامنية او الحل العسكري. من هذا المنطلق وتفاديآ لإستعار المواجهة بعد اعلان الرئيس بايدن عن خيار نشر قوات اميركية في شرق اوروبا والبلطيق، يجهد قادة اوروبا وبخاصة الالماني والفرنسي على ايجاد لغة مشتركة لحل النزاع بعيدا عن الدفع الاميركي للتورط العسكري ذو النهاية الغير معروفة والانعكاسات الغير متوقعة، وهو ما لا تمانعه موسكو بشرط عدم اللعب او الرهان على عامل الوقت، فما يصح او ما هو مقبول قبل حلول الربيع لا يصح بعده..!

بيروت في 28.01.2022