“المجوس” أسئلة وجودية من قلب الطوارق عن المغامرة الانسانية والسلطة والحضارة والمصير…

 

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

ابراهيم الكوني كاتب وروائي ليبي، ولد عام 1948. أنهى دراسته الثانوية بموسكو وحصل على الليسانس ثم الماجستير قي العلوم الأدبيّة والنقدية من معهد غوركي للأدب بموسكو. يجيد لغات عديدة وله الكثير من المؤلفات. يقوم عمله الأدبي الروائي بشكل أساسي على عالم الصحراء وتدور معظم رواياته على جوهر العلاقة التي تربط الإنسان بالطبيعة الصحراوية وموجوداتها. نال جائزة الدولة الإستثنائية الكبرى التي تمنحها الحكومة السويسرية، وهي أرفع جوائزها، وذلك عن مجمل أعماله الروائية المترجمة إلى الألمانية. اختارته مجلة “لير” الفرنسية بين خمسين روائياً من العالم اعتبرتهم يمثلون اليوم “أدب القرن الحادي والعشرين” وسمتهم “خمسون كاتباً للغد”. أما ما يتعلق بمسيرته المهنية فقد تقلد إبراهيم الكوني مناصب عدة كمنصب في وزارة الشؤون الاجتماعية في مدينة سبها ثم وزارة الإعلام والثقافة، ومراسل لوكالة الأنباء الليبية بموسكو، ومندوب جمعية الصداقة الليبية البولندية بوارسو وغيرها. صنفت روايته “المجوس” في المركز الحادي عشر في قائمة أفضل مئة رواية عربية. أبرز أعماله الروائية رباعية الخسوف المكونة من: البئر، الواحة، أخبار الطُّوفان الثّاني، نداء الوقواق.
أحداث الرواية:
صدرت رواية المجوس في جزئين، الأول عام 1990 والثاني عام 1991 وهي من الفكر الأسطوري الملحمي عن الحياة في الصحراء. تطرح “المجوس” أسئلة عن معنى الوجود والمغامرة الإنسانية والمصير والسلطة والحضارة مستخدمة عالم الطوارق الذي ينتمي اليه الكوني بمثابة مادة قصصية تخيلية. و”الطوارق” مجموعة بشرية انفصلت عن التركيبة السكانية المعروفة في جبل نفوسة وزوارة وجبال أطلس والمغرب الأقصى، ذللت الصحراء الكبرى بطبيعتها المتمردة والقاسية، واستطاعت الاحتفاظ لأجيال طويلة بلحمتها وعقائدها وتقاليدها وبتركيبتها الطبقية المتوارثة منذ آلاف السنين مكونة شخصية متميزة، رسختها العزلة والطبيعة الصحراوية المفتوحة واللامتناهية. عوالم الكوني هي هذه الصحراء الغامضة التي تبدو كوكبا قاحلا تحت شمس لاهبة بلا تضاريس ولا مدن ولا مواقع. متاهة هائلة تتعايش مع إنسان متفرد يعرف طبيعتها وطقوسها وأسرارها ويفي بنذورها، ويسترضيها بالصلوات والتمائم، قاطعا لها المواثيق والعهود، منتظرا قدرها القاسي بتسليم وصبر وانصياع.
تقع رواية المجوس في 693 صفحة وتصنّف بانها رواية ملحمية تؤرخ للصحراء الكبرى بقبائلها وعاداتها ودياناتها وعشقها وشِعرها ورجالها ونسائها وحكمتها ومعاركها وتحدياتها، صاغها إبراهيم الكوني في إطارٍ روائيٍّ عالي المستوى وسطَّر من خلال شخصياتها المحورية تاريخ شخصية الصحراوي وتاريخ الطوارق كشعبٍ أصيل وكأمة ولغة وتاريخ وعراقة من خلال لغةٍ شعرية وصوفية أدخل فيها الكثير من مفردات حياتهم القاسية .
في هذه الرواية، يحتدم الصراع الوجودي الكبير بين الصحراويين وبيئتهم الجافة والقاسية والوحش الكبير الذي انتصب كبطلٍ رئيسيٍّ للرواية ‘القِبلي’ وهو الريح الرملية العاتية التي تُدمر كلَّ شيء وأوله الماء والآبار التي عليها تقوم حياة الصحراء والصحراويين.
يبرزُ القِبلي كمحرك أساسي للأحداث والتحديات والبطولات التي يحاول أهل الصحراء انجازها لوقف هذا الوحش عن ابتلاعهم وابتلاع مياههم ووجودهم ويقومون باختراع ادوات لمواجهته ووقف محاصرته لهم بأساليب مبتكرة من خلال إخفاء آبارهم وحمايتها ووضع خرائط لها واعتبار أي إهانة لهذه الآبار كفراً بشريعتهم ويعاقب عليها الله والصحراء. وقد قامت معاركهم على الحفاظ على هذا الكنز ومنع الأعداء من السيطرة عليه واسقطوا ذلك في أساطيرهم والعقوبات التي وقعت لمن خالفوا الناموس وأهانوا أو تهاونوا في حماية المياه.
الرواية في ميزان النقد:
تجربة الكاتب الليبي إبراهيم الكوني القصصية والروائية تجربة متميزة استطاعت أن تلفت الأنظار بفرادة عوالمها وسحر بيئتها الصحراوية وبصبغتها الفلسفية الصوفية والأسطورية . تجربة استمدت مخزونها من موروث إنساني من العادات والتقاليد والمعتقدات التي تمازجت فيها الظروف البيئية والاتجاهات الدينية وبالأخص الصوفية، بالإضافة إلى المؤثرات الثقافية الأخرى.
تتنوع المادة التي يسبك منها الكوني عوالمه في “المجوس” من الأساطير والحكايات والحكايات المكررة والحوارات والأشعار والأقوال المأثورة والأمثال.
تظهر في رواية المجوس ثلاثة مستويات للصراع: صراع أولي تنخرط فيه عناصر الطبيعة الصحراوية وشخوصها وتتواجه بحركة دائبة ومتفاعلة ومحكومة بمنطق أسطوري وما ورائي. الصراع الثاني نفسي ينتاب شخوص الرواية الأكثر حكمة وشفافية وتتشابك في هذا الصراع النفسي الحكمة والفطرة الإنسانية المجبولة على الخطيئة وبخلفية ضمير يقظ يفرض نفوذه ويحاسب بحزم وقسوة. الصراع الثالث بين القدر وإنسان الصحراء وهو صراع له طبيعة طقسية ومادية، ويتميز بأنه الأكثر حضورا وبروزا.
رواية “المجوس” تميل للتعقيد بتركيبتها الحكائية المتداخلة وعوالمها المركبة وكثرة شخصياتها وتقسيماتها . تظافرت المادة الغنية والمتنوعة ثقافيا والشكل البنائي في رواية المجوس في الإبهار بالغموض والسحر بعالم الصحراء وإنسانه المتميز لكن تعقيد الرواية بتداخل الحكايات وتقسيماتها الكثيرة أضفى صعوبة على ملاحقة الحدث في الرواية وربط سياقاتها ومتابعة نموها.