الكوكب بين توقعات مدفيديف والحرب العالمية الثالثة !

 

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

لا يبدو ان رحلة الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي الى واشنطن كانت على حجم الآمال والافعال، ومع الأخذ بعين الاعتبار لياقة البروتوكول التقليدي المدبج نكهة معتادة من شعارات حماية النظم الديموقراطية والحريات العامة؛ ومع ان كلمته على منبر الكونغرس الاميركي حظيت بتصفيق الشيوخ اعضائه، مع لمسة تشجيع ضُمِنت نهايتها اهداءِه العلم الاميركي، اضيف اليها تربيتة حميمة على يدي رئيسته نانسي بيلوسي فإن المشهدية لم تشفِ غليلآ او تروي عطشآ لثأر..!

في “التربيت” Dabbing على الكتف او اليدين نوع من تعاطف، منح مساندة نفسية تخفف مشاعر الاحباط او على الاقل تواسي حالة حزن، يعتبر علماء الطب النفسي ان لهذه الحركة بعض تأثير قد يكون اكثر فائدة من دواء علاجي، ولو كان من صنف MIM-104 Patriot “منظومة الباتريوت الصاروخية”..


تاليآ، لم يلحظ بعض دارسي حركات الجسد شعور امان او إمارات اعتداد وثقة بالنفس تبدد إكتئابآ لدى الزائر، كما لم يكن لهذه الحركات تأثير ايجابي كبير على نفسية اعضاء الوفد الاوكراني المرافق.. واذ ثبت علمياً وفق دراسة اجرتها مجلة American Journal Psychiatry ان القبلة أو اليد التي تمس الكتف أو الظهر أو الوجه تعبيرات مودة، تتسبب في إطلاق هرمون Oxytocin “منشط ايجابي يحسن المزاج وقت الازمات ويساهم في القضاء على التوتر” فقد بقيت قاصرة عن اخراج الرئيس الاوكراني من دائرة الاحباط الشديد..!

في نتائج اللقاءات، مبديآ عدم قلقه من صلابة الحلف الغربي بوجه روسيا، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن امام وسائل الاعلام عن حزمة مساعدات وأسلحة جديدة لأوكرانيا، متهمآ نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه لا ينوي وقف “الحرب الوحشية”. إن (حلفاؤنا الأوروبيون يدركون أن الغزو الروسي أمر جلل، لا بوادر أن بوتين سيغير نهجه في أوكرانيا، سنعمل على مساعدة أوكرانيا كي تستطيع إعادة بناء بنيتها التحتية). فيما أكد الرئيس الأوكراني تمسكه بـ”السلام العادل” مضيفآ “أشكر الرئيس بايدن على دعمه وجهوده لتوحيد شركائنا”..!

في الدعم المادي ترجمة لاستنكاف اميركي وغربي متنوع الاسباب عن طَرق ابواب حلول توقف حربآ اصبحت في شهرها العاشر، او توطد سلامآ لا زال بعيد المنال، وذلك استنادآ لجدول المساعدات العسكرية والمادية لعام 2023 المعلن:
-توقيع الرئيس الاميركي على قانون يوفر 45 مليار دولار لأوكرانيا. ينتظر اقراره من الكونغرس.
-الموافقة على دفعة جديدة من المساعدات بقيمة 1.8 مليار دولار.
-تزويد الجيش الاوكراني وتدريب فصائل متخصصة على استخدام نظام الدفاع الجوي الصاروخي المتنقل أرض-جو Phased Array Tracking Radar Intercept Of Target. مع مصفوفة المسح الالكتروني السلبي (رادار AN/MPQ-53/6).
-التزام الحلفاء بتوفير ألفي دبابة ومدرعة و50 منظومة صواريخ مضادة للدروع لدعم القوات الاوكرانية..
مما لا شك فيه ان دخول نظام الدفاع الجوي “باتريوت” الى حلبة الصراع العسكري في اوكرانيا سيقلص الى حد ما حرية حركة الطيران الحربي الروسي، كما قد يساهم في اسقاط مسيرات وصواريخ بعيدة المدى، لكنه لن يشكل سلاحآ كاسرآ للتوازن قادر على تعديل قواعد الاشتباك.. كما ان هذا الامر لن يمنع موسكو من نشر منظومة الصواريخ التكتيكية 9K720 Iskander ذات مدى 300 km والدفاع الجوي S-400 على اراضي بيلاروسيا.

بالمقابل، فإن استهداف القواعد الجوية اول من امس الاثنين بمسيرات Drones مُذخرة طالت عمق الاراضي الروسية كشف امكانية اختراق دفاعاتها؛ ومن المحتمل في سيناريو العملية تسلل مجموعة من القوات الخاصة الأوكرانية إلى الحيز الجغرافي القريب لتوجيه الطائرة بدون طيار إلى هدفها. وزارة الدفاع اعلنت إن هجمات يوم الاثنين نُفِّذت باستخدام طائرتين نفاثتين بدون طيار من الحقبة السوفيتية استهدفت قواعد عسكرية روسية في منطقة Ryazan، على بعد 100 ميل (160 كيلومترًا) من موسكو ، و Engels جنوب روسيا، على بعد حوالي 300 ميل (480 كيلومترًا) من الحدود الأوكرانية.. المعطيات المتوفرة تشير الى ان القاعدتين تضمان سربين من القاذفات الاستراتيجية البعيدة المدى نوع Tupolev Tu-22/ M3؛ اضافة الى بنية لوجيستية هامة..

من جهة اخرى، على ما يبدو فإن دوائر التخطيط الاستراتيجي في البنتاغون اعطت اشارتها لتسليح جزيرة تايوان كورقة جيوسياسية حان دورها بهدف استدراج التنين الصيني الى حرب مدمرة تشعل ضفتي مضيق Formosa الفاصل بين الصين القارية وتايوان، ذلك على نفس النسق الذي تم به تسليح كييف واستدراج الدب الروسي رغم صلابته الى المستنقع الاوكراني..!
في المحصلة، الميدان الاوكراني الملتهب سيبقى مستعرآ على المديين القريب والمتوسط ضمن استراتيجية “الارض المحروقة” Scorched earth التي اعتمدها كلا الجيشين الروسي والاوكراني، وذلك بصرف النظر عن اخفاقاتهما العسكرية المتبادلة.
ضمن خارطة الطريق (الاستراتيجية: ربط الاهداف بالوسائل Ends &Means)؛ أكد الرئيس فلاديمير بوتين المضي في العملية العسكرية الخاصة حتى تحقيق كامل أهدافها، رغم وقوف حلف شمال الاطلسي بكل إمكاناته الى جانب اوكرانيا في وجه روسيا، محددآ ملامح النهج العسكري خلال العام المقبل؛ مشيرآ إلى أهمية (الثالوث النووي) العَصي على التتبع «الصواريخ الباليستية ICBM الفرط صوتية ارض-ارض؛ القاذفات الاستراتيجية Tu-160 المزودة باجهزة التخفي والتشويش؛ الغواصات الاستراتيجية SLBM القابعة في اعماق البحار لعدة شهور» في تحقيق توازن الردع وضمان استقرار العالم، مؤكدا حتمية الاهتمام بتوسيع استخدام الذكاء الاصطناعي والطيران المسير…!

يبقى السؤال: متى يذهب الغرب نحو التفاوض..؟
من الواضح ان تركيبة الكوكب ذاهبة نحو منعطف جيوسياسي جديد، كما ان اطالة امد النزاع يصيب الغرب الاوروبي والاميركي كما استنزاف الاقتصاد الروسي وإن بنسبة اقل؛ وعملية عض الاصابع تتعلق بمن يصرخ اولآ..
في الرهان خسارة احد المراهنين، والرهن توثيق دين بعين.. يراهن رئيس مجلس الامن القومي ورئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف في المرحلة المقبلة على جملة توقعات حسبما افادت وكالة انباء “تاس”: -عودة المملكة المتحدة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وتفكك التكتل الغربي بعد ذلك.
-حرب اهلية ستشهدها الولايات المتحدة الاميركية، تؤدي الى استقلال ولايتي كاليفورنيا وتكساس لتصبحان دولتين مستقلتين.
-ارتفاع سعر برميل النفط إلى 150 دولار ووصول سعر الألف متر مكعب من الغاز إلى 5000 دولار.
-انهيار نظام Bryton Woods’s المالي، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وعودة معيار الذهب، مع الانتقال إلى الاستخدام النشط للعملات الرقمية.
-رفض التعامل بالعملة الاوروبية “اليورو” والاميركية “الدولار”، بإعتبارهما عملتين للاحتياطي العالمي.. اضافة الى هجرة أسواق الأوراق المالية الرئيسية والنشاط المالي من الولايات المتحدة وأوروبا إلى آسيا.
-استيلاء بولندا وهنغاريا، على المناطق الغربية من أوكرانيا السابقة. وإنشاء الرايخ الرابع على أساس ألمانيا، والدول المتحالفة التي انضمت إليه (بولندا، ودول البلطيق، وجمهورية التشيك، وسلوفاكيا، ورومانيا، وجمهورية كييف، وغيرها من المنبوذين).
-حرب بين فرنسا والرايخ الرابع. بعد تقسيم أوروبا، بما في ذلك بولندا الجديدة. كذلك فصل إيرلندا الشمالية عن مملكة بريطانيا والانضمام إلى جمهورية إيرلندا.
-انتخاب الملياردير Elon Musk رئيسا للولايات المتحدة. (وصف ماسك ميوله السياسية بانه نصف ديمقراطي نصف جمهوري) قائلآ: «أنا في مكان ما في المنتصف، ليبرالي من الناحية الاجتماعية، محافظ من الناحية المالية».
فيما يبقى الكوكب متأرجحآ على شفا حرب عالمية ثالثة وكارثة نووية”..!

بيروت في 27.12.2022