الكائن المتمرد بروميثيوس سارق النار..هكذاتحكي الاسطورة

بقلم : دانيا يوسف

حاول الانسان منذ القدم تفسير ظهور النار بإعتبارها مظهراً من مظاهر الطبيعة وبيان دورها وأهميتها في تاريخ الحضارة البشرية.
– ابتدع أساطير عديدة ومنها أسطورة الكائن الأسطوري المتمرد بروميثيوس. ففي اليونان وقبل قرون من الزمن عاش شعب الهيليميين او الإغريقيين القدماء الذين كانوا من اكثر الشعوب حكمة في ذلك التاريخ القديم.
في تلك البلاد كان ينتصب جبل شاهق تختبأ قمته بين الغيوم أسماه الإغريقيون آنذاك بالجبل الأولمبي. وقد تخيلوا أن قمة الجبل كانت بمثابة السماء حيث تعيش فيها آلهة كثيرة صاحبة قوة جبارة. كان زيوس بمثابة الملك وسيد جميع الآلهة والأكثر جبروتاً. وحسب الأسطورة، كان يطلق الرعود والصواعق فوق الأرض كلما غضب فيختبأ الناس وهم يرتجفون من الخوف.
كان زيوس قد إتخذ من الجبل الأولمبي مملكة له وكان يحيط به مجلس كبير مؤلف من زوجته “هيرة” وأولاده وعدد من الآلهة. وبين تلك الآلهة الكثيرة والكائنات الخارقة التي عاشت في الجبل الأولمبي “بروميثيوس” الثائر الذي تجرأ على تحدي زيوس.
تقول الأسطورة أن بروميثيوس كان مسؤولاً عن خلق الانسان نفسه فصنع أشكالا بشرية من التراب والماء وأعطاها الحياة والقوة وجعل الانسان يرفع رأسه لينظر الى السماء. وهكذا احب بروميثيوس الناس الذين خلقهم واراد لهم الخير وكل ما يمكن أن يمنحهم السعادة.
وهنا شعر زيوس بالغضب لأن بروميثيوس فضّل الناس بمعاملته. فلقد ارادهم زيوس أن يكونوا خانعين وبائسين ولم يكن يرغب في أن تكون لهم أية قوة تجعلهم يتجرأون يوماً ما على الإستيلاء على مملكته.
جاء الخريف وأطلق اول برد الشتاء صفيره ورأى بروميثيوس الناس يرتجفون من البرد ويظهرون علامات الأسى والحزن. كان للحيوانات جلود سميكة كثيفة الشعر وكان بإمكانها أن تلجأ الى كهوف الأرض لكن الانسان لم يتمكن من حماية نفسه فكان يعاني بطبيعة الحال.
تأثر بروميثيوس بآلام المخلوقات التي خلقها ففكر أن يحضرها الى الجبل الأولمبي الذي لا يقربه فصل الشتاء. لكن زيوس كان هناك ولم يكن يسمح بدخول المخلوقات البشرية الى مملكته. فكان على بروميثيوس أن يفكر بطريقة اخرى لمساعدة البشر.
فكر وفكر وقال جملة شهيرة وفق الأسطورة: ” أجل يمكن للبركان أن يمنح القليل من نيران المرجل”.
خرج بروميثيوس ليلاً من الجبل الأولمبي وأخذ يهبط بهدوء كي لا يكتشف زيوس أمر مغامرته. وعندما وصل الى الأرض بحث عن كهف عميق الى جانب البحر. ومن خلال مغارة بين الصخور اخذ ينزل وينزل عبر زوايا حجرية وفي نهاية الطريق المعتم خرجت شرارة من النار وقرع البوابة الضخمة لفوهة البركان بضربات قوية. وعندما دفع البوابة تفاجأ به البركان. كان بروميثيوس يعلم جيداً أن البركان محظور عليه إيقاف نيران الآلهة لكنه حاول أن يستعطفه فقال له: لقد خلقنا الناس وهم منشغلين بعبادة زيوس لكن فصل الشتاء قد حلّ وهم يعانون من البرد ويموتون بسببه ولا يمكننا تركهم بلا رحمة. فأجاب البركان: نعم لكنك تعلم جيداً أننا لايمكننا فعل أي شيء من اجل إنقاذهم من غير أن يأذن زيوس بذلك. وتابع البركان عمله يصهر المعدن الأحمر الحي ليحوّله الى صاعقة سماوية.
وفي تلك اللحظة قام بروميثيوس بإضرام شعلة دون أن يشعر البركان وهرب بها بين العتمة وسط الصخور.
في ذلك اليوم لحق الناس ببروميثيوس وأحاطوا به فقدّم لهم النار وقال لهم: يمكنكم أن تحافظوا عليها وتبقوها حية بأن تقدموا لها أغصان الأشجار اليابسة. ارتفعت صيحات الإمتنان لصديق الناس ولكن زيوس إستشاط غضباً عندما علم أن الناس إمتلكوا النار وهو الذي كان قد أقفل عليها في جوف الأرض. فهبط الى القبو ليسأل البركان: هل كنت انت مَن منح النار التي اعطيتك لتخبأها؟ أجاب البركان بالنفي.
لكن زيوس لم يتوقف عن سؤاله حتى عرف الحقيقة وقال للبركان: أطعني الآن وإصهر السلاسل الأكثر صلابة بنيران الكور هذه، سوف أقيد بروميثيوس بها هناك على صخرة في أقصى الأرض.
عاد زيوس الى الأولمبي بينما بدأ البركان بصهر السلاسل ولما إنتهى أخذها الى صخرة كبيرة في القوقاز حيث كان هناك ينتظره رسل زيوس ومعهم بروميثيوس. وربط السلاسل في زندي بروميثيوس ورجليه وبقي مقيداً بها ووجهه مرفوع نحو السماء. وفوق الصخرة بدأ طائر النسر يحوم كي يلتهم احشاءه يوماً بعد يوم.
وذات يوم مرّ “هيركولس” رمز القوة الجسدية بالقرب من الصخرة التي قيدوا بروميثيوس عليها ورأى كيف كان النسر يهبط ليلتهم الكبد من البطن المفتوح للرجل العظيم غير القادر على الدفاع عن نفسه فأحس بالغضب من قسوة التعذيب. إستل هيركولس قوسه الضخم ووضع السهم القوي وأطلقها على قلب النسر ثم صعد الى الصخرة وبذراعيه الجبارتين حطم السلاسل والقيود.
عاد بروميثيوس الى الأولمبي ليواصل حياته مع الآلهة هذا في الأسطورة ولكن على الأرض لم ينسه الناس أبداً. ففي كل سنة يقيمون إحتفالاً في المدن الاغريقية على ذكراه حيث يتناقل الشباب الأكثر سرعة والأكثر قوة في الجري يتناقلون في قبضاتهم جذوة مشتعلة ويركضون بها في إحتفالات سباق تقليدية. وبذلك تنتهي هذه الأسطورة الشيّقة المليئة بالمغامرات، أسطورة سارق النار. وهي تصور لنا تعنت الطغاة ونزعتهم الإستحواذية التي تدفعهم الى حرمان الاخرين من مظاهر الخير والفائدة وتقدم لنا في المقابل الأنموذج الطيب الذي يضحي بنفسه من أجل ارادة الخير للآخرين.