الشغور الثاني ضمن سياسة التسويف..!


بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

عقود ثلاث او يزيد مضت اعتاد خلالها اللبنانيون التعايش مع فترات من الشغور السياسي قد تقاس بمضاعفات العدد الصحيح سيما في السلطتين الاساس الاولى والثالثة، اضافة الى كثير من مناصب الفئة الاولى في مؤسسات الدولة الاساسية كما القضائية والامنية ..!
تاليآ؛ يتساكن اهل البلد اليوم مع زنى تعدد الفراغات ما يراكم لديهم اضافة الى معاناتهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية المزرية هم مصيري يتعلق ببقاء الكيان الوطن واستقرار مستقبله خشية تمدد الحيز الفراغي، ما يعني تشظي ركام الدولة بالكامل وهو ما بات قاب قوسين او ادنى..!

في السياق؛ لم تعد معالجة وضع الشغور وتكراره حصر إكتفاء بتدخل دول أٰ عربية كانت ام دولية، اذ ان المساعي الديبلوماسية الحميدة اضافة الى زيارات المستشارين المنتدبين هدف عرض افكار او استطلاع نوايا، كما اعضاء الطاولات الخماسية الاضلاع باتت غارقة في مستنقع الساسة والسياسة الفاسدة تبحث عن نجاة مما تورطت، جهل ان كثر من مسؤولي هذا البلد من هوام الارض اعتادوا صلابة المِحجَنة، لا خير فيهم للشعب ولا نوى..
في تلاوين البدع ما اتقن؛ اعتماد استراتيجية التسويف هي في جوهرها بعد عن التزام امر واداء مهام، مماطلة مشوبة بقلق دائم وشعور بالذنب تحالف مع عامل الوقت المستقطع ليصبح دائمآ.. ان وجهت اليهم تهمة ارتكابها فهروب الى مزيد منها نكرانآ، واذ اتقنوا سياسة وممارسة “التسويف الاسترخائي” Relaxing Procrastination بقيت عقليتهم الانهزامية مماحكات مشوهة مشتتة تسود، مشوبة بانفعالات نفسية كامنة أسيرها الشخص المُسَوِف..!

لهم اللحظة المفضلة تقتنص بعد طول انتظار، هي علة حراكهم السياسي اللا مبدئي والمنعطف الاخطر للتحول او التراجع ضمن جدلية التبعية أو السيادة..! في جلسات التشريع او القرارات الهامة تستفيق لديهم لحظة الوعي الجدلي Moment Dialectique انتقال من قضية الى نقيضها مع فلسفات تفسير دستورية او قانونية بعيدة عن صواب، شبه ضياع في سراب ديمومة شاسعة لا ماء فيها ولا كلأ..!

في الفراغ الفكري تغييب العقل وتعطيل طاقاته كما تفريغ محتواه؛ اذ تم ملء عقول الناس بعد انجاح خلو واكتمال ترويض بما يكفي من عبارات بات سماعها سلسآ على الآذان، مورفين رفيع النوعية دائم الصلاحية امل كاذب يهدئ وجعآ ويشتت وعيآ بمنأى عن اية محاسبة او عقاب، لا بل يشجع على تمديد فترات حكم المرتكبين: «صندوق النقد الدولي- الاصلاحات المالية- هيكلة المصارف- حماية اموال المودعين- الخ..!»..

من جهة اخرى؛ تجاوزت شريحة اجتماعية لا بأس بها كثير من الم مؤجلة القصاص الى حين، او من منطلق “الشكوى لغير الله مذلة” وهي تجوز شرعآ في حال وقوع الظلم.. اذ تكيفت مع ما اصابها من غدر حكام برابرة وسراسين الاوليغارش عبر عملية “التأقلم الحيوي” Acclimatization ممارسة فعلية في رفع نسبة التحمل للتغيرات البيئية والنفسية على سبيل المثال، “التداول الكلي الطوبى بالدولار، الهجرة والاغتراب الخ..” وهي اجمالآ ميزة الكائن الحي ذو الهوية البيولوجية اللبنانية…!

بالمقابل؛ ترك اهل الطبقة الوسطى سابقًا “موظفي القطاع العام والخاص، العسكريين، المتقاعدين، الخ…” فريسة سهلة لا حول لهم سوى الصراخ في واد، تبديد لا ارادي لطاقة سلبية تختزن غضبآ وتوتر..! واذ ارتفعت وتيرة الترددات الصوتية نحو العنف اللفظي بالتوازي مع بعض عنف خجول هدف تحصيل حقوق او استرداد يسير اموال، لجأ صنف المغول الى عملية “التكميم” بمنصات صيرفية.. اذ وزعت وسادات الصراخ مطبوعآ عليها (ضع وجهك في المنتصف واصرخ)؛ ليتحول الصياح رفع الصوت ببقاء المنصة تطبع Imprinting تجريبي لا عقلاني من حكم الضرورة والتبرير، تسويغ ان “الكحل افضل من العمى”..!

بانتظار الاول من آب واكتمال اللهيب، يأتي الشغور الثاني في اليوم الاخير من الشهر الحالي لانجاز ترسيم الاخلاء المركزي ممتزجآ بسخرية تجاهل العارف بعد فشل وانهيار، خروج مدوٍ هزيل مع الأسف غير مشرف لبيدق المنظومة، محاولة في مقام الشك التخلص من اضطراب التعلق الانفعالي هدف مواجهة الكابوس القضائي وخلل الانخراط الاجتماعي المتعذر او غير المنضبط.!

——————————-

طرابلس في 24.07.2023