الزومبي..وجوه الكائنات العائدة من الموت.. أسطورة تحاكي الابعاد الفلسفية لما بعد الحياة

 

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 

حكايتنا لهذا الأسبوع يغلب عليها طابع الأساطير التي تحاول الربط بين عالمين، عالم الموتى وعالم الأحياء. إنها أسطورة الزومبي التي تمخضت عنها مخيلة الانسان في جزيرة هايتي وجنوب افريقيا.
فنحن نشعر بالخوف أحياناً وبالإثارة والمغامرة والتقزز من كل تلك الدماء التي تغطي وجوه تلك الكائنات العائدة من الموت حيث تتحطم حجارة القبور وشواهدها وتبدأ بالخروج أجساد بدأ تحللها كيميائياً. لكن هل جاءت فكرة هذه الشخصيات من محض الخيال؟
ظهرت أسطورة الزومبي في جزيرة هايتي وهي واحدة من جزر البحر الكاريبي حيث شوهد فيها او هكذا روي أموات لم تبدأ جثثهم بالتحلل. بدوا للجميع وكأنهم نصف احياء فكان الميت يمشي ويأكل ويشرب ويسمع ويتحدث ولكنه كان مسلوب الارادة بشكل كلي تقريباً ولا يستطيع التفكير بل ولا يحمل أي ذاكرة لفترة حياته. اعتقد الأهالي حينها أن تلك الظاهرة هي من فعل السحر الأسود الذي يمارس بالفعل على نطاق واسع في جزيرة هايتي. ولكن الأمر لا يحدث بشكل علني لأن هناك قانوناً صارماً في هايتي يمنع منعاً باتاً تحويل الانسان الى زومبي.
فقانون العقوبات الخاص بهايتي يضم فقرة تنص على أن عقوبة إعطاء مواد محددة الى شخص ما حتى اذا لم يؤد ذلك الى الموت الفعلي بل الى جعله يمر في حالة سبات طويل تكون مماثلة لعقوبة الشروع بالقتل. اذا تعد هايتي موطن الزومبي الأصلي الذي يأتي من التعاليم الخاصة بديانة “الفودو”. فوفقاً لهذا الدين فإن الكهنة او من يمكننا وصفهم بالمشعوذين والذين يطلق عليهم “البوكور” هم من يقوموا بإستخدام الزومبي لخدمة اهداف خاصة بهم.
من الناحية التاريخية ترجع كلمة الزومبي في أصلها الى كتابات هاييتية تعود للعام ۱۸۷۱. العالم “إدموند فيد ديفيس” الأنتربولوجي الكندي والمختص بعلم النباتات الطبية ركز دراساته على ثقافات السكان الأصليين في أماكن مختلفة من العالم وبخاصة في الأمريكيتين. وقد قام بأبحاث عديدة حول موضوع الزومبي وأعلن أن أبحاثه أوصلته الى مسحوقين قويين اذا تم إيصالهما الى مجرى الدم عن طريق جرح مثلاً فبإمكانهما تحويل شخص حي الى زومبي. إحدى هاتين المادتين هي سم مستخرج من سمكة المنفاخ ووفق ما إكتشفه ديفيس فإن الكهنة البوكور يقومون في بعض الحالات بخلط ذلك السم بمواد اخرى قادرة على التسبب في موت الانسان. وفي حال خلط هذه المواد بنسب معينة وتقديمها لشخص ما في طعامه فهي لن تؤدي الى موته فحسب بل سيصبح في حالة من الموت الظاهري لعدة ساعات تنخفض خلالها نبضات القلب والتنفس الى حد كبير.
وفي هايتي التي ترتفع فيها درجات الحرارة وتشح فيها الثلاجات الخاصة بالموتى فإن أقارب الميت يسارعون الى دفنه وهذا يعني أن حالة الدفن قد تتم لمن هو في حالة موت ظاهري فقط. والجدير بالاشارة أن الأهالي أنفسهم في هايتي يخشون كثيراً من أن يتحولوا الى زومبي. فما زال عدد كبير منهم يضعون الصخور الضخمة الثقيلة على قبور امواتهم حتى يمنعوا السحرة والمشعوذين من الوصول الى تلك القبور وتحويل الموتى الى زومبي.
تمّ إستغلال ظاهرة الزومبي في بعض القضايا السياسية ومنها ما حدث في اوائل التسعينيات عندما قام بعض العسكريين بإنقلاب ضد حكومة هايتي. فدعا مجلس الثوار ببيان رسمي أنه قد تمّ إعداد جيش من الزومبي لقتال الأمريكان وكان الهدف من هذا هو بالطبع زرع الخوف في قلوب الجنود الأمريكيين. لكن الأمر لم يهم المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية التي قام جيشها فعلاً بإجتياح هايتي عام ۱۹۹٤ وإعادة الأمور الى نصابها بدون أن يشاهدوا أي جيوش من الزومبي.
كما تم إستغلال هذه القصص والحكايات في السينما وخاصة الأمريكية والبريطانية منها وكذلك في ألعاب الفيديو نظراً الى طابع الخوف والرعب الذي يهيمن على هذا النوع من الأساطير والذي يشكل مادة أساسية من المواد التي ترتكز اليها السينما العالمية وخاصة في هوليوود.
فمما لا شك فيه أن أي انسان في عصرنا الحالي يشاهد الأفلام الأجنبية لابد أنه سمع عن الزومبي وأغلبنا ترسخت في ذاكرته أن الزومبي هو عبارة عن انسان كان حياً في يوم ما ثم أصابته لعنة او عضة من انسان زومبي آخر فيحيا مرة اخرى لكن بصفات جديدة مثل: عدم وجود الذكاء الكافي وعدم التفكير بشكل صحيح وإنعدام المشاعر الانسانية وفقط الشعور بالجوع الشديد والرغبة في أكل اللحم سواء كان لحم انسان او حيوان وعدم الشعور بالتعب او الآلام أبداً فمهما ضربته بأي سلاح فهو لايشعر بأي شيء أبداً.
هذه هي الصورة التي قدمتها لنا السينما الغربية في أغلب أفلامها منذ عقود من الزمن حتى أصبح من الصعب أن تمر سنة واحدة بدون أن يخرجوا لنا فيلماً جديداً عن الزومبي محققين بذلك الأرباح الهائلة.
يبقى أن نشير أنه على الرغم من الذي توصل له الباحث “فيد دافيس” إلا أنه لم يكن كافياً ومقنعاً بالنسبة للعلماء الذين يعتقدون أن تلك المواد التي ذكرها لم تكن وحدها المسببة في ظاهرة الزومبي في جزيرة هايتي.
ولكن أياً كان السبب نحن نعلم أن الميت لن يعود أبداً بحالته الطبيعية التي خلقه عليه الله سبحانه وتعالى. فالذي يحي الموتى هو الله وإن ما حدث في تلك الجزيرة على فرض صحته لم يكن موتاً من الأساس ولكنه شبه غيبوبة أحدثها وإستغلها السحرة لمصالحهم فنشأ من هنا مفهوم الزومبي او الميت الحي.