الراهب المُحَارِب أم المعتوه..؟؟

بقلم ألْعَميد مُنْذِر ألأيوبي*

ألراهِب المُحارِب أم ألمعتوه ..؟؟
لدى تَصَفُح ملفه كما غَوغٍلَتَهُ Googled يتبين أنه خبير في في الشؤون الحربية و ألإستراتيجية ، تقاعد عام ٢٠١٣ برتبة جنرال “٤ نجوم”، مُثقف ، فطِن و عنيد ،، مُختالٌ مُتكبر ذو لغة فظة ..
“إن أهم منطقة في المعركة هي ألمنطقة التي تقع بين أُذُنيكم”.. هذا ما يقوله ألجنرال المتقاعد جايمس ماتيس James N.Mattis لِأركانه …
لَقَبَهُ الرئيس ألأميركي دونالد ترامب بالكلب المجنون أو المَسعور Mad Dog عندما قال لمناصريه في مدينة سينسيناتي Cincinnati في ولاية أوهايو Ohio “سنعين الكلب المجنون ماتيس وزيرآ لدفاعنا”..
في بداية ولايته رأى ترامب في ماتيس الشخصية الحازمة المتزمتة البعيدة عن السياسة الرجل العازب المُنصرف إلى حياته العسكرية كُليَةً ،، صاحب النجوم ألأربعة و الملقب في صفوف المارينز بالراهب المحارب Warrior Monk ،، فسُمي وزيرآ للدفاع ألأميركي في ألإدارة الجديدة
و نال موافقة الكونغرس على تعيينه ..
حاول ماتيس التعايش مع الرئيس ألأميركي و التوفيق بين قرارات ألأخير و المحافظة على هيبة
و مصالح الولايات المتحدة ألإستراتيجية ،، فالكثير من مواقف ماتيس كانت تتناقض مع قرارات ترامب و هو إذ نجح حينآ : “رفض طلب ترامب قتل الرئيس بشار الأسد أثر الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون عام ٢٠١٧”،، فقد فشل أحيانآ : “معارضته إنسحاب الولايات المتحدة من ألإتفاق حول برنامج إيران النووي” ..
في سياق متصل ،، لم يَستَسِغ ترامب ما ورد في صحيفة بوسطن هيرالد Boston Herald لدى وصفها ماتيس بأنه “الراشد الوحيد في الغرفة” اي المكتب البيضاوي .. كما أن لقب “المعتوه” Unhinged الذي أُطلق عليه – كتاب أوماروسا نيومان Omarosa Newman – إضافة إلى مجموعة تعليقات إعلامية و مواقف و إنتقادات متبادلة فاقمت من سوء العلاقة بين ألرَجُلَين إلى حد تفادي ماتيس زيارة البيت الأبيض إلا حينما يُستَدعى ..
لا غرابة بعد مَعرفة جوانب من شخصية الرئيس ترامب (( المتقلب، السريع الغضب، ألإنفعالي، البذيء اللسان، المتهور في إتخاذ قرارات غير مدروسة ..)) وفق ما وصفه الصحافي بوب وودورد Bob Woodward من أن يُعلن أمام وسائل الاعلام بأن “جايمس ماتيس قد يستقيل”..

ماذا يجري بين ترامب و ماتيس ؟؟ و لماذا ألآن ؟؟
على ما يبدو فإن “الكيل قد طفح” بعد نشر ( مُفجر فضيحة ووترغيت Watergate ١٩٦٨) ألصحافي ألإستقصائي بوب وودورد Bob Woodward” كتابه “ألخوف” Fear الذي تضمن الكثير مما يدور في البيت ألأبيض من أداء الرئيس و أخطاؤه و سلوكه متطرقآ إلى نظرة ماتيس إليه : “أن إدراكه لا يتجاوز طلاب الصف الخامس إبتدائي”!! مما فاقم الخلاف بينهما و لم يعد محصورآ بقرارات ألإدارة بل أخذ مَنحَى ٍ شخصيآ ..
و رغم أن ماتيس نفى ما ورد في الكتاب كما إعتبار ترامب أن ما نُشر عن ماتيس “حيلٌ مختلفة و خداع للجمهور” ،، إلا أن ألنفوس بينهما لم تصفو على ما يقول أعضاء و موظفي إدارة ترامب ..
هذا ما يدفع إلى ألإستنتاج بأن ماتيس بات عبئآ على الرئيس ألأميركي فهو قلما يجاريه في قراراته
و إن فَعل فغالبآ يعمل على التخفيف من وطأتِها ..

المراقبون يشيرون إلى أن ترامب بدء يُمَهد لإقالة ماتيس “يُحرِجه فيُخرجه”.. لكن ألأخير إستدرك ما يجري عندما صَرَح “أنه لا يرغب بالرحيل و أن الرئيس لم يُفاتحه بالأمر مطلقآ” ..
لا شك أن حالة اللاثبات في موقع وزير الدفاع الاميركي يشكل حالة إضافية من إنعدام الوزن في دوائر البيت ألأبيض خاصة و أن مسؤولي ألإدارة يتوقعون إقالة ماتيس عقب إنتخابات التجديد للكونغرس المقرر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل ..
و مع طرح أسماء البُدلاء المحتمل تعيين أحدهم : الجنرال جاك كين، طوم كوتون، ليندسي غراهام وغيرهم .. فإن الجمهوريين من أعضاء مجلس الشيوخ عبروا عن رغبتهم بعدم رحيل وزير الدفاع جايمس ماتيس و ضرورة إستمراره في مَنصِبه مُعتبرين “إنه يقوم بعمل رائع” ..!

من جهة أخرى لا بد من التساؤل ،، أين هو العدو ألإسرائيلي من معضلة الرئيس و وزير دفاعه ؟؟
يبدو أن نقطة التقاطع الوحيدة بين الرجلين هي إسرائيل و حمايتها و دعمها ،، فترامب أصدر قراره الغير مسبوق بنقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس و اعتبارها عاصمة اسرائيل ألأبدية،، في حين أن ماتيس يؤكد لوزير دفاع العدو ليبرمان التزام واشنطن الدائم تجاه أسرائيل “إنها دولة لا يمكن التخلي عنها” ..
لكن ثمة جانب آخر للقضية !! فالجنرال ماتيس سبق و أعلن أن لديه رؤية مختلفة تمامآ عن ترامب فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ،، إذ أنه يؤيد بشدة حل الدولتين ، وينتقد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس و قد يبذل جهودا للدفع باتجاه حل الصراع ، وهو ما ترفضه حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية.
أتى تفجير ترامب قنبلته الصوتية كما إعتادَ مُفاجئآ للجميع و ذلك خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما أعلَنَ أنه يريد حل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ،، مما أربَكَ ألإسرائيليين من اليمين و اليسار و أعطى إنطباعآ بأن ماتيس ربما نَجح في إقناع ألرئيس بالحل ألمَطروح ..
“صفقة القرن” سيُعلنها ترامب قبل أواخر العام ألجاري و من المؤكد أن ماتيس سيكون حاضرآ على الطاولة المستديرة جراء تمسك الجمهوريين في الكونغرس به !! فوجوده بنظرهم ضمانة و مصلحة أميركا فوق كل إعتبار ،، ستطوى صفحة الخلاف مؤقتآ فالتعايش مفروض بين “ألمعتوه” Unhinged ترامب و “الكلب المسعور” Mad Dog ماتيس ،، أما الأمور فمرهونة بأوقاتها ..

*كاتب و باحث في الشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية.