الحب شبيه بالحرب… حكاية تولستوي مع الحب

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*

كان تولستوي في التاسعة عشر من عمره حين سحرته “زينا مولوتوف” دون أن يجرؤ على البوح لها بحبه. فكتب في يومياته:
“أمن الممكن أن أسمع في يوم ما أنها تزوجت، أم هل أراها ثانية وذلك اكثر مدعاة إلى الحزن، بقبعتها سعيدة، بنفس عينيها المفتوحتين المرحتين والعاشقتين؟” هذا العشق الصامت لزينا، دفع تولستوي إلى نشر مقالة أدبية يضع فيها مفهومه للحب. فكتب: “هناك ثلاثة انواع من الحب وهي: حب الجمال وحب التضحية بالذات والحب الذاتي، ولا أتحدث عن حب حب شاب لفتاة أو حبها له، فأنا اخاف هذه العواطف”.
عبّر تولستوي بمقالته هذه بكثير من الأسى عن فشله في أن يشهد شرارة واحدة من الصدق في الحب.
في تلك الفترة، تفرّغ تولستوي للقراءة وتدوين الملاحظات حول المواضيع التي أثارت إعجابه. فأبدى اهتماما خاصا بالأدب الرومانسي وبخاصة الأدب الفرنسي. وكان هذا الأدب بالنسبة إليه طريقا إلى الحرية الأدبية. ولهذا نجده يبدأ منذ كتابة قصصه الأولى بإضفاء هالة من القداسة على الحب. واجمل ما كتبه عبارة :”إن حب الجمال هو حب الحرية”.
الحب بالنسبة إليه كان القوة الوحيدة القادرة على لجم الأنانية المفرطة، لأنه ينقل اهتمامنا من الذات إلى الآخر. الحب بالنسبة إليه كان القوة الوحيدة القادرة على لجم الأنانية المفرطة، لأنه ينقل اهتمامنا من الذات إلى الآخر.
“أنا أحب حبا لم أحبه في حياتي من قبل” ثم كتب في اليوم التالي: “كل يوم يمر أعتقد فيه أني لن أحتمل المزيد من شعوري بالسعادة، سأذهب في الغد إليهم وسأصارحهم بكل شيء”. تلك الفتاة التي كتب عنها كانت الإبنة الثانية لعائلة يعرفها ويتردد عليها دوما، لكنها كما عبّرت في يومياتها تخشى علاقتها بتولستوي.
كتبت: “إني خائفة لو دلت تلك التجربة على رغبة خاطفة في الحب وليس حبا دائما”. ربما خوفها كان مبررا لأن تولستوي كان حذرا في مسألة الحب والزواج، ويعتقد أن الارتباط بامرأة مدى الحياة شيء رهيب.
كانت علاقاته الأولى مع نساء كثيرات لا تتعدّى أياما وتنتهي، لكنه وجد نفسه في أشد الحاجة إلى امرأة، واشترط فيها شروطا خاصة حتى وقع في حب “سونيا”. كتب في يومياته عام 1863:”لا أعتقد أن مستقبل حياتي مع زوجة يضارع ما يبدو لي الآن مع سونيا. المستقبل السعيد الهادئ الخالي من المخاوف”.
بعدها قرّر تولستوي أن يصارحها بحبّه، فذهب إليها وفي جيبه خطابا سلّمها إياه منتظرا ردّها. انتاب سونيا الجمود وهي تقرأ لأنه عرض عليها الزواج لكنها ما لبثت أن غادرت غرفتها لتقول له كلمة واحدة:”نعم”.
“حظ من السعادة لا يصدّق”. كانت هذه أول عبارة كتبها تولستوي في يومياته بعد زواجه. لكن الغيرة كدّرت صفو هذه السعادة، فنجد سونيا تكتب في مذكراتها:”إن ماضي زوجي كلّه مخيف حتى أنني لا أعتقد أني سوف أقبله”.
كان في يومياتها غيرة واضحة من بطلات رواياته فتكتب لتصف شعورها:”لقد قرأت أوائل بعض كتبه، وكنت أشمئز وأضيق كلما قرأت له شيئا عن الحب والنساء”.
نختم بما كتبه تولستوي على لسان “أندريه” بطل عمله الملحمي “الحرب والسلم”: “لا تتزوج إلى ان تقنع نفسك بأنك قمت بكل ما تقوى عليه، وحتى تكون هدأت ثورة حبك للمرأة، فيمكنك رؤيتها على حقيقتها”.

————————————

رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”.