الجريمة والعقاب …

بِقَلَم العميد مُنذِر ألأيوبي*

في وداع المئوية الاولى لدولة لبنان الكبير بدا شريط المراجعة الواقعية والوجدانية لما مر او حصل، محزنآ محبطآ مربكآ، إذ تفوق قسم كبير من ابناء هذا الوطن ومسؤوليه لا بل تفننوا دون جنون في ارتكاب جريمة قتل مقصودة متعمدة متمادية على مر سنوات بزت ما فعله به اعداءه.

واذا كان لبنان قد مر خلال القرن الماضي في ويلات ومجاعات واحتلالات وحروب اهلية الا ان محطات مفصلية حدثت، كان لها ارتدادات عميقة في حينه على الواقع السياسي والاجتماعي والامني، منها اندلاع الحرب الاهلية المشؤومة وجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري على سبيل المثال لا الحصر ..

لكن مشهد بداية المئوية الثانية سجل محطتين مفصليتين، الاولى مجيدة راقية في جموعها وأفعالها، اتت نتيجة منطقية “براغماتية” لتراكمات ارتكابات المئوية الاولى، تمثلت بثورة او حراك الشعب اللبناني بوجه الطغمة السياسية الحاكمة ولو أتت على صهوة انتخابات مشوهة معتادة، والاوليغارشية المستبدة المهيمنة على مقدرات البلاد وارزاق العباد. في نزوعها “الثورة” المطلبي المؤكد السير نحو تحقيق دولة مدنية عادلة وحضارية، كذلك تحصيل حقوق معيشية واجتماعية، فشلت في تحقيقها حتى ألآن لظروف واسباب شتى، باتت معروفة بالجمع امام الجميع ليس اقلها “نظرية المؤامرة” كخندق مواجهة صلب، لكن لظاها خلافآ لما يعتقد او يخطط ما زال جمرآ تحت الرماد.

خمود مؤقت لبركان يختزن صهارة الثورة، سرعان ما سينفجر عند اي اهتزاز للفالق السياسي او نتيجة انزلاق الصفائح “الأمن-معيشية” كما حصل مؤخرآ من احداث في مدينة طرابلس الفيحاء ..! والصبح قريب..!

اما المحطة الثانية المروعة فتمثلت ب “جريمة الامونيوم” Ammonuim Crime الانفجار المروع لمحتويات العنبر المشؤوم 12 في مرفأ بيروت، الذي أدى الى تدمير ثلث العاصمة، كما اوقع ما يقارب المئتي شهيد، الاف الجرحى والمعوقين وخسائر بالمليارات ..
لكن هذين المفصلين المتقاربين زمنيآ لم يدفعا حلم اللبنانيين نحو حيز التحقق، او يحفزا اولي الامر على الاستدراك، لا بل أثبتا ان المرض الخبيث تجذر في خلايا جسد الوطن منتجآ او فارزآ خلايا جيلية جديدة، متزامنة مع تشوهات جينية عجز الطبيب الفرنسي الرئيس Macron على منع استفحالها او وقف نموها على الاقل وحكومة المهمة المستحيلة لقاح حلم ليلة صيف..!
بالتوازي؛ بدت التحذيرات الصادرة عن امنيين وسياسيين بعودة موجة الاغتيالات وعربدة الارهاب على الساحة الداخلية امر لا يحتاج الى تبصير في ظل متغيرات عدة تطال الداخل اللبناني والاقليم .. ودون تجاهل جريمة اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم التي على ما يبدو الخطوة الاولى لمرحلة خطرة في الزمان وبدلالاتها في المكان، تحتمل مسارات عدة في التحقيق يجب ان يتم سلوكها جميعآ ضمن مبدأ ألأستبعاد Elimination دون توجيه اصابع الاتهام بعشوائية تحرف التحقيق عن مسالكه الوعرة، وفي نفس الوقت دون تراخٍ في المتابعة توصلآ لتحديد الجناة وتوقيفهم. هذا امر ليس بمستحيل او صعب التحقق من قبل الاجهزة الامنية والقضائية المختصة..

أما المتغير الثاني ذو الارتدادات الاقليمية والرهانات الموهومة فكان يوم 20 كانون الثاني الماضي تاريخ دخول الرئيس Biden المكتب البيضاوي.. أما المتغير الثالث المتوقع فسيأتي خلال شهر حزيران القادم موعد الانتخابات الرئاسية الايرانية، واللافت هنا ان فوز الديمقراطيين في الولايات المتحدة قد يواجه بفوز المتشددين في طهران ..

إستطرادآ ؛ يرى مراقبون ومحللون استراتيجيون ان المرحلة ما بين كانون الماضي وحزيران القادم ستكون سمتها انعدام الوزن والتفلت من ضوابط الحد الادنى، رغم ان تعيينات مسؤولي الادارة الاميركية الجديدة توحي او تعطي نفحة تفاؤل لغلبة الحلول الديبلوماسية على العسكرية..!

تاليآ ؛ إن نتيجة تعطل العقل السياسي اللبناني والنزوع نحو غرائزية مصلحية لهذا الفريق او ذاك، ستؤدي حتمآ الى السقوط المريع اكثر فأكثر، في حين ان الوطن يحتاج الى من يلقي له طوق النجاة، و قد القاه الرئيس الفرنسي لكن الغريب ان الغريق “الوطن” ترفض اذرعه السياسية التشبث به او التقاطه و هذا عين الاضطراب “المازوشي” Masochistic personality disorder و الجنون الذهاني ذو إزدواج الشخصية أو الصرع Epilepsy ..!

من جهة أخرى؛ الوطن مشرع الابواب على رياح التغيير مع اهتراء اسس بنيانه، و استنكاف ساكنيه عن صيانته. اما الزلازل فباتت متوقعة قد تأخذه نحو تدخل دولي بوجهه الملطف فرنسي السمات، يقود نحو مؤتمر تأسيسي جديد، و لطالما كان المخاض اكثر ألمآ على ما يقول ألأطباء ..

ختامآ ؛ المشهد سوريالي Surrealist سلبي معكوس لا يدعو للدهشة أو الاستغراب بل الى الاستنكار، اما السؤال فهو هل نحن امام زوال لبنان ام زوال النظام وسقوطه، الواقعية التاريخية المستمدة من المئوية ترجح لا بل تؤكد الزوال الثاني.

بين الفكرة والتجسيد وفي حالة ميؤوس منها لاحد مراحل حياته اكتملت بالانهيار المالي، يستنتج الفيلسوف و الروائي الروسي “ديستويفسكي” Fyodor Dostoevsky في روايته الخالدة “الجريمة و العقاب” « أن العقوبة القانونية المفروضة على جريمة ما هي أقل تخويفًا بالنسبة للمجرم مما يعتقده رجال القانون، لأنّه هو نفسه يطلبها أخلاقيآ”. وهنا الطامة الكبرى ..!

———————

بيروت في 06.02.2021