الباروك لؤلؤة الشوف..أميرة مستلقية على سرير نحتته لها أمها الطبيعة من وحي ألوانها الساحرة

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

كلما قرأت عنها يسبقك الخيال الى تلك الربوع الجميلة وتشعر أنها صارت مثل قطعة في القلب عزيزة عليك، ولك أن تختار، بين أن تترك لخيالك العنان أو تذهب لزيارتها وتمتّع نظرك بطبيعتها التي شكّلت دوما مصدر الهام للشعراء…
انها بلدة الباروك السياحية التي وصفها السينمائيون العرب باستديو لبنان الطبيعي وتحفته البديعة…
قبل أن تفتح الشمس عينيها، كانت السيارة قد انطلقت بنا من العاصمة بيروت نحو الباروك لقضاء يوم ممتع بعيدا عن ضوضاء المدينة وأشعة شمسها الحارقة…
على بعد خمسين كيلومترا الى الجنوب الشرقي من بيروت، وفوق أعلى مرتفعات جبل لبنان، تقع بلدة الباروك وترتفع حوالي ألفين ومئتي مترا عن سطح البحر.
يمكن الوصول اليها عبر طريق الشام الدولية مرورا بعاليه، بحمدون وصوفر والعديد من أجمل البلدات اللبنانية كعين زحلتا ونبع الصفا حيث المقاهي والمطاعم والشلالات الرائعة…
أما نحن، فقد اخترنا الطريق الأقرب وهي طريق خلدة الدامور، دير القمر وصولا الى الباروك…
أميرة مستلقية في سريرها الذي نحتته لها يد أمها الطبيعة من وحي ألوانها الساحرة… أما والد الأميرة فقد أهداها تاجا وفستانا من الياقوت الأحمر… الباروك… بلدة القرميد الأحمر والتراث العتيق والسفوح الخضراء… الباروك المتوجة بالجمال زرناها فأيقظناها من نومها الا أنها رحبت بنا على عادتها مع جميع ضيوفها…
تتهادى بنا السيارة في تلك الطرقات فيصعب التقاط الصور على كثرتها وتنوعها…
الباروك حكاية حلوة وبلدة عريقة. ويقال أن اسمها أخذ من البروك والمراد به بروك النوق، ومرد ذلك الى أن قوافل الجمال كانت تحط رحالها قرب نبع البلدة المعروف باسمها وتستريح عنده.
ويفتخر أهل البلدة برجالات البلدة ومنهم رشيد نخلة مؤلف النشيد الوطني اللبناني وشيخ مشايخ الطائفة الدرزية وأكبر مرجعياتها الشيخ أبو حسن عارف حلاوي الذي توفي في العام الفين وأربعة عن عمر يناهز المائة عام.
ها هي الشمس المشرقة في منتصف السماء ترخي أشعتها برفق فوق السهول الخضراء المنبسطة… وبين الحين والآخر تتسلل خفية بين أوراق الاشجار المنتشرة بكثافة على جانبي الطريق…
نصل بالقرب من نبع الباروك الدافق… هنا لا نسمع سوى زقزقة العصافير وحفيف أوراق الشجر كأنها سمفونية طبيعية يتقن عازفوها اللعب على أوتار آلاتهم…
هذا النبع الغزير يسقي حوالي مئتي قرية بين مناطق الشوف وعاليه وصيدا وصولا الى مطار بيروت الدولي.
نواصل مشوارنا الجميل على ضفاف النبع حيث تنتشر الفنادق والمطاعم بكثافة في ذلك المكان مستفيدة من طبيعة المكان المميزة. في ذلك المكان يطغى صوت المياه على ما عداه من أصوات مما يشير أننا أمام منطقة تتمتع بثروات طبيعية غنية تؤهلها لتتربع على عرش البلدات السياحية اللبنانية.
نكمل طريقنا صعودا نحو محمية أرز الشوف وفي الطريق اليها لا تكاد تلتقط أنفاسك من مشهد أخاذ حتى يطالعك آخر… تحاول أن تفتح أحداقك لتملأ ذاكرة البصر بمشاهد أقرب الى الخيال: جبال مرسومة بعضها مسننة والبعض الآخر منحدرة، مزينة بألوان من النباتات والأشواك البرية…
نصل الى ارتفاع 1850 مترا عن سطح البحر وتبدأ بواكير الأرز تتراءى أمامنا…
كان في استقبالنا عند مدخل المحمية مرشدا سياحيا جهزّ نفسه لمرافقتنا داخل المحمية وتقديم كل المعلومات التي نحتاجها عنها… وعند المدخل ايضا مجموعة سواح وفدوا خصيصا للتعرّف الى المحمية انضموا الينا وبدأت المسيرة…
هذه هي المحمية التي تأسست في شهر نيسان من العام 1996 وتعتبر أكبر محمية في لبنان. تبلغ مساحتها حوالي 550 كلم2 وفيها ثلاثة غابات من الارز: أرز عين زحلتا- معاصر الشوف وغابة ارز الباروك التي نحن متواجدين فيها.
منذ القدم والارز ولبنان توأمان وقد لعب الأرز دورا بارزا في ثقافة الشرق الأدنى القديم كما في تجارته وطقوسه  الدينية. وكان الفينيقيون يصنعون منه سفنهم بسبب متانته وطول جذوعه. وتتميز المحمية أيضا بتنوع بيولوجي هائل وبغنى في الحياة البرية.
في هذا المكان، يمكن الحديث عن الجمال الصامت… فلا يمكن للمرء الا أن يسمع وقع أقدامه وهو يتنفس ملء رئتيه هواء نقيا نظيفا ويرمي عند جذوع الأرز جميع هموم الحياة… هنا لا يفكر الانسان بشيئ سوى بالجمال الذي يراه وهو يسير بشغف خلف المرشد وينصت باهتمام الى كل كلمة يشرحها له.
يمر الوقت ك”رمشة عين” وتنتهي الزيارة. نغادر المحمية… حشد كبير من المشاعر نختزنها وترافقنا في طريق العودة من الباروك وتجعلنا نردد : الباروك… لؤلؤة الشوف… هي غيض من فيض من جمال لبنان.