التنين أساطير متعددة الوجوه والادوار تبعاً للشعوب والبلدان

 

الدنيا نيوز- دانيا يوسف

لآلاف السنين ظل التنين يأسر عقول البشر وكان مصدر الإلهام الذي إستوحى منه الكثير من الكتّاب والشعراء والموسيقيين أعمالهم وإبداعاتهم. وهناك أساطير عديدة تروى عن التنين على مر القرون وأقدمها يشير الى أن التنين أتى من البحر حيث إرتبطت هذه المخلوقات طوال عهود التاريخ بالماء. وفي الماضي كانت خرائط العالم تضع على المناطق غير المكتشفة عبارة هنا يسكن التنين.
قصص التنين المبكرة كانت تتمحوّر حول مسألة الخلق او الحفاظ على الكون من الفوضى لكن تلك القصص أصبحت تركّز في العهود اللاحقة على حكايات البحث عن الكنوز وإنقاذ الأميرات.
أقدم القصص المروية عن التنين هي أسطورة سومرية تعود الى العام خمسة آلاف قبل الميلاد وتدور حول تنين يسمى “زو”. وقصة التنين “زو” تشرح كيف أنه سرق الألواح التي سجلت عليها القوانين من الاله “إنيل” ويقوم “إنيل” بإرسال إله الشمس “نيلورتا” لإستعادة الألواح وينفذ “نيلورتا” المهمة ويقتل “زو” في أثناء المواجهة. كما تتضمن الحضارة البابلية قصصاً مشابهة عن التنين.
وثمة قصة حثية نسبة الى الحثيين تتحدث عن الطريقة التي تمكن بها إله العواصف من مساعدة الإلهة “اوناراس” وعشيقها البشري “اوباسيغا” من قتل تنين يقال له “إيلوغانكا”. وهناك قصة كنعانية من أشعار بعل تروي كيف أن الإله بعل هزم تنيناً بحرياً له سبعة رؤوس يقال له “يامنهار”. وفي مصر راجت أسطورة تتحدث عن تنين بحري حاول أن يلقي الهزيمة ب”رع” إله الشمس المصري لكنه قتل على يد إله آخر إسمه “سيف”.
تعزى فكرة إنقاذ الأميرات من براثن التنين على يد أبطال شباب الى الأساطير اليونانية. وكانت كائنات التنين اليونانية هي مصدر الأسطورة في الآداب الغربية وأقدم قصة إغريقية عن التنين هي قصة الفروة الذهبية. وفي القصة أن رجلاً يقال له “جيسون” أبحر في سفينة بحثاً عن فروة ذهبية بمساعدة أميرة ساحرة تسمى ميديا. وكانت الفروة بعهدة الملك “إكلوشس” وكان يحرسها تنين صعب المزاج وكانت ميديا قد وعدت جيسون بالزواج منها إن هو أفلح بإستعادة الفروة الذهبية من التنين وهذا ماحدث في النهاية.
الصورة الشائعة عن التنين ترسم له ملامح مخلوق شرير وقاسي ومتعطش للدماء وله جسد ضخم ودائماً ما ينفث من فمه النار. وله أيضا أربع قوائم ومخالب تشبه مخالب الأسد وجناحان هائلان وجلد خشن ومتغضن وبعض انواع التنين يملك القدرة على تغيير شكله ولونه. والتنين حسب ما تفيد الأساطير يأكل ولكن مرة واحدة في الشهر وهو يتغذى على لحم خروف او ثور كما يأكل لحم البشر وتصرّح بعض الأساطير بأنه يفضّل لحم الفتيات العذارى بشكل خاص.
وتقول بعض الأساطير إن مَن يأكل قلب تنين فإنه يصبح قادراً على فهم لغة الطير أما مَن يأكل لسانه فإنه يصبح حجة في النقاش والإقناع.
واليوم ما زال علم ويلز يحمل صورة التنين الأحمر على خلفية من اللونين الأخضر والأبيض ومازال التنين هو الرمز الرسمي لذلك البلد.
ويعتقد أن جسد التنين كان مزيجاً من الخصائص الفيزيولوجية لحيوانات عديدة فله جسم أفعى ورأس جمل وقرون غزال ضخم وعينا أرنب أذنا ثور وبطن ضفدع ومخالب نسر.
ويصوّر التنين في الشرق بإعتباره مخلوقاً طيباً ورحيماً وذكياً والصينيون يحتفظون بأقدم تاريخ مكتوب في العالم عن هذه الكائنات يعود الى آلاف السنين. ومن الناحية التاريخية هناك ربط دائم بين التنين وحالة الطقس اذ يقال أن أسوء الفيضانات في آسيا كانت تحدث بسبب موت تنين.
وفي الصين كان التنين رمزاً لبعض الأباطرة. وكذلك كان هناك قانون قديم في الصين ينص على أن الأمبراطور وحده مَن يحق له إرتداء ملابس عليها نقش تنين كرمز للسلطة. وما تزال حيوانات التنين تظهر في الإستعراضات والإحتفالات العامة في آسيا وأشهرها الإحتفال بعام التنين في الصين.
يتميز التنين الأوروبي في الأساطير بالشر الشديد وقسوته بالتعامل مع البشر وإنحيازه الى جانب الشر. ونجد التنين في الثقافة الأوربية يحرس شيئاً ما ويقاتل لأجله ويدافع عنه بإستماتة ويقتل كل من يقترب من الكنز إلا أصحابه. ومن حيث الشكل فإن التنين الأوروبي يحتوي ظهره على الكثير من الزعانف ويمكنه الطيران ونفث النار وأحياناً الحديث وأعداد أقدامه لاتقل عن أربعة.
وفي رومانيا يحتل إسم دراكولا مكانة خاصة ومعناها في لغتهم الدارجة إبن التنين وفي هذا إشارة في الثقافة الشعبية الى قوة التنين وقسوته وكانوا يصفون الكونت بالتنين لما يرون منه من القسوة والبطش.
ولم يرد ذكر التنين في الحضارة العربية إلا في كتاب لسان العرب حيث وصف بالقول: أخبرني شيخ من ثقاة الغزاة أنه كان منزلاً على سيف بحر الشام فنظر هو وجماعة اهل العسكر الى سحابة إنقسمت في البحر ثم إرتفعت ونظرنا الى ذنب التنين يضطرب في هيدب السحابة وهبت بها الريح ونحن ننظر اليها الى أن غابت السحابة عن انظارنا.”
وهكذا عاشت قصص التنين آلاف السنين لتملأ خيال الأطفال والكبار على حد سواء. واستمر الفنانون والشعراء والأدباء في إستلهام قصص التنين ورسمه بشتى الأوضاع والصور طالما أطلقوا لمخيلتهم العنان بإتجاه عوالم السحر والأساطير.