الإنذار المبكر لمكافحة الارهاب …

 

 

بِقَلَم العَميد مُنْذِر ألأيوبي *

دون الولوج الى تعريفات الارهاب المتنوعة و تاريخه ، ظروف منشأه ، جذوره الايديولوجية ، تطور وسائله
و امكاناته الخ.. إذ اخذ مِن الباحثين و الدارسين المختصين الكثير مِن الجهد و المتابعة كما ان “الغوغلة” Google search باتَت الاهم للمعرفة و التمحيص في التفاصيل لكن الهدف في هذه العجالة يُختَصَر في الاضاءة عَلى بعض مستجدات تنفيذ العمليات الارهابية و الاحاطة بِالمتغيرات التي تفرض تطويرآ لسبل الوقاية بِما يعرف بالامن الوقائي او الاستباقي او الامن المضاد الى غيرها مِن تسميات ..
بداية في تثبيت الفرضية Hypothèse او المبدأ: ان الارهاب لا يحمل و لا يمثل كما لا يمكن ادراجه تحت خانة الهوية الوطنية او الدينية لهذه الامة او تلك .. و كل نعت او وصف ينسب او يعتمد في هذا المجال يؤدي الى ردود فعل عكسية تُفشًل و تحبط عملية مكافحة الارهاب كما تسقط مِن يد القيادة الامنية التقييم الموضوعي و الحيادي لخطط المواجهة ..!
ثانيآ تثبيت فرضية ان المكافحة الاستباقية للعمليات الارهابية لا تحمل نسبة مرتفعة مِن النجاح كما ان التفوق التقني لاساليب و وسائل المراقبة المتعددة كمآ و نوعآ اضافة الى رفع مستوى جهوزية و قدرات العامل البشري “قوى المكافحة” تبقى غير قادرة عَلى تأمين الفاعلية الكاملة للكبح و التدمير Restraint and Destruction لكن من المؤكد انها ستقلل فرص نجاح العدو “الارهابيين” في تنفيذ اهدافهم ..!

مِن جهة اخرى ؛ لا بد مِن الاشارة ان الارهاب بتنظيماته ورعاته واساليب عمله و قدراته انتقل مِن مرحلة “هجوم /2001 /9/11 – بداية الحرب السورية 15/3/2011” الى بداية حقبة جديدة تحمل مِن تطور الامكانات عديدآ و عدة و اهدافآ الكثير، اذ وصل تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي الى مرحلة اجتياح مناطق و مدن
مؤسسآ سلطة تحكم بالحديد و النار عَلى النسق المغولي “القتل لمجرد القتل” تحت راية (لا إله الا الله) مشوهآ صورة الدين الحنيف و محطمآ التعاليم السماوية بالرحمة و التراحم و سمو الرسالة ..
استطرادآ فإن وصول التنظيمات الاصولية المتطرفة و عَلى رأسها “داعِش” الى هذا الحجم ما كان ليتحقق لولا تقاطع مصالح اجهزة استخبارات اقليمية و دولية ترى فيها و في انتشارها مع تركيز قواعدها بين سوريا
و العراق احدى ادوات تحقيق اهداف حكوماتها الجيوسياسية و الاستراتيجية سواء في اسقاط انظمة او السيطرة عَلى الابار النفطية و مصادر الطاقة او بمشاغلة دول في عمليات استنزاف بِما يؤدي الى اخضاعها
و دفعها للتحالف حتى مع الكَيان الصهيوني .

كانت العملية الارهابية التي استهدفت الصحيفة الساخرة Charlie Hebdou عام 2015 و ادت الى مقتل العديد مِن رجال الامن الفرنسي و مواطنين ألأسوأ و الاعنف ، عامل احباط و نقمة للمجتمع الفرنسي كما قرعت جرس الانذار للاجهزة الامنية الفرنسية بأن مواجهة فُتِحَت عَلى اراضيها سببها المباشر الرسوم الكاريكاتورية التي تمادت في الاساءة و تطاولت عَلى خاتم الانبياء محمد عليه السلام ؛ دون تَجاهُل اسباب اخرى كامنة ذات خلفية متعلقة بحياة و معيشة المهاجرين معظمهم مِن المسلمين فيها مِن البؤس الكثير.

تاليآ في منتصف عام 2018 و لاسباب معيشية و اجتماعية اندلعت مواجهات عنيفة في العاصمة الفرنسية
و معظم مدن الجنوب الفرنسي بين قوى الشرطة و الدرك مع مجموعات شعبية عرفت باسم حركة السترات الصفراء Gillet Jaune فرضت استدارة بنسبة كبيرة في الجهد الامني لقمع هذه التحركات و منع استغلالها مِن قبل مَجموعات تخريبية ليست بالضرورة اسلامية الانتماء او الاعضاء ؛ كما ساهم انتشار وباء COVID-19 في منح الخلايا الارهابية فسحةً لتنظيم صفوفها خاصة بعد عودة الكثير مِن مرتزقة تنظيم داعِش الذين قاتلوا في سوريا الى بلدانهم الاوروبية ..
تزامنآ ؛ إثْرَ الجريمة الارهابية التي طالت المدرس الفرنسي Samuel Paty ذبحآ على يد اللاجيء الشيشاني A.Anzorov و مقتل الاخير لاحقا برصاص الشرطة الفرنسية بدا هشآ في نتائجه و قدرته الاستباقية تفعيل خطة الطواريء الامنية الموضوعة مسبقآ Plan Vigipirate الى الدرجة القصوى « Sécurité Renforcée-Alert Attentat » اذ سُجِلَت هجمات ارتدادية للذئاب المنفردة او افراد مِن خلايا نائمة استهدفت عناصر مِن الشرطة المحلية و مواطنين في مناطق عدة منها Port Vincent و Dammartin-en-Goele كذلك استهداف و قتل مصلين داخل كنيسة نوتردام في مدينة Nice الواقعة عَلى الريفيرا الفرنسية ..
توازيآ ؛ في عملية تشتيت للتدابير الامنية و نشر الرعب هاجم مسلح ارهابيي Kostim Fejzulai ذو اصول مقدونية منتمي او مناصر لتنظيم الدولة الاسلامية المعبد اليهودي في “فيينا” العاصمة الحيادية مِما ادى الى مقتل ستة مدنيين و جرح 22 آخرين كما جعل الدولة النمساوية التي بَقيت في منأى نسبي عن الارهاب المتنقل في حالة مِن الصدمة و الذهول إثْرَ ليلٍ دامٍ ؛ علمآ ان الجاني مدرج عَلى لائحة الارهاب و يخضع لبرنامج “اعادة تأهيل المتطرفين” ..

من الواضح ان تِقَنيات الانذار المبكر لمكافحة العمليات الارهابية أصبحت متقدمة و ان حَاوَلَت المجموعات الارهابية خرقها فيما تتضمنه التالي : التعاون الاستخباراتي- تبادل المعلومات- تغذية قاعدة بيانات الارهاب GTD- تطوير الاسلحة و اجهزة المراقبة و التتبع- الامن السيبيري الخ.. كما مِن المهم اعتماد الاجراءات المتعلقة بتجفيف مصادر التمويل و التطويع و التسليح اضافة الى مراقبة المرجعيات الدينية المتطرفة مع اختراق هذه التنظيمات إستخباراتيآ و اعتلام العميل المزدوج لكشفه و استخدامه في اللحظة الحرجة الخ …

في سياق مُتَصل ان الضرورة الحالية تَكمُن في اعادة صوغ استراتيجيات امنية و استخباراتية جديدة يدخل ضمنها دراسة الرؤى المستقبلية للمجموعات الجهادية الارهابية في احتماليات تحركاتها و اهدافها اسبابآ
و توقيتآ و مكانآ مع محاكاة سيناريوهات المواجهة . ان التشدد في البحث عن الذئاب المنفردة و المصابين بلوثة الجهاد ألإكتئابي Dépressive Jihad و اعتلامها و وضعها تحت المراقبة الشاملة مع مسح جغرافي لدائرة تحركاتها اولوية . ان منع تفريخ تنظيمات جديدة و استهدافها قبل اشتداد عودها مِن الاولوية و الاهمية بمكان اذ يتوجب ضربها باكرآ مِن الجذور ضمن مبدأية الامن المضاد الوقائي ايضآ ؛ و كما ادى التقاطع الاستخباراتي Intersection Of Intelligence Section الى تضخيم حجم تنظيم الدولة الاسلامية
و تنامي خطره فان عملية انهاءه كحالة ارهابية عَلى المستوى العالمي “التخلي الاستخباراتي” Intelligence Abandonment باتَ أمرآ تحقيقه صعب المنال بعد ان افلتت الذئاب مِن اوكارها ..

إن المجتمعات تَعرِف تمامآ و مرشديها الدينيين احبارآ و مشايخ كما قادتها السياسيين يعلمون يقينآ ان ما يحصل لا يمت الى الدين الاسلامي بصلة . و ان ابتداع نظرية صدام الاديان امر مدمر رغم عدم توافر ظروفه
او اعتماده مِن هذا الجانب او ذاك الطرف اذ من المفترض ان الانسانية قد تجاوزت ذلك ..
تاليآ ليست الجرائم الارهابية التي تضرب الكوكب مجرد فقاعات ظرفية اذ ان رياح التحريض و التشدد
تجعل مِن المواطن جهاديآ مفخخآ Booby-Trapped Jihadist شبيه حزام ناسف توفر له حرية التنقل في الزمان و الجغرافيا ..
استطرادآ لا يمكن ان تكون استراتيجية و تكتيكات مواجهة التنظيمات الارهابية مترافقة مع اعتماد إرهاب مِن نوع آخر كالتمييز العنصري و الاثني و الديني اذ ان هذه الممارسات تعطي ذرائع مطلوبة لاستقطاب الشبان الناقمين او المحبطين لا سيَما منهم المهاجرين مِن اصول آسيوية و افريقية تؤدي الى نمو ايديولوجيا التطرف و القتل ، اذ ان طرق الانذار المبكر لوقف الضربات الارهابية او تفاديها يفرض دراسة و مراقبة المؤشرات الدالة Terrorism Index عَلى امكانية وقوعها ” الاسباب و الدوافع ، الظروف ، المؤثرات الخ ..” كما في حالة نشر الرسوم المسيئة للرسول ،اذ ان انتظار وقوع العمل الارهابي ضعف غير مسموح به سيكون ثمنه ضحايا ابرياء .. ..
خِتامَآ ؛ مِما لا شك فيه ان احترام الاديان و المعتقدات هو اول بنود الردع اذ يفترض بالدول الاوروبية
و مجتمعاتها اعتماده لدرء الكثير مِن الشرور اذ بات خرق حرمة المقدسات لأي مِن الاديان امرا مباحآ تحت عباءة الحرية لكنه اصبح بِالمقابل احد مؤشرات الانذار لاحتمال التعرض لهجمات ارهابية ؛ لِذا مِن الضروري الركون و التزام القَرار الصادر عن مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة تحت عنوان “مناهضة تشويه صورة الاديان” حيث يعبر في مواده 5-6-7 عن قلقه مِن التصنيف العرقي و الديني للاقليات المسلمة كذلك الربط المتكرر و الخاطيء بين الاسلام و الارهاب كما يسلم بان تشويه صورة الاديان و التحريض عَلى الكراهية الدينية اصبحا خطرآ في سياق مكافحة الارهاب .

—————–

*كاتب وباحِث في قضايا الامن والارهاب.

بيروت في 06.11.2020