من الايدز الى “كوفيد – 19 “إحمِ غيرك لتحمي نفسك…

خاص – “الدنيا نيوز”

بقلم : د . بهجت السعيدي*

كثير من الناس وخصوصاً في بلادنا الشرقية مازالوا يحصرون الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري المسبب للأيدز بممارسة الجنس غير الشرعي (الدعارة، الشذوذ الجنسي …. إلخ) وكأن الأيدزفي نظر مجتمعاتنا لايصيب سوى المذنبين وغير المتدينين أما الإنسان الصالح والمتدين في نظرهم فلايصيبه هذا الوباء وخلال عملي السابق لسنوات طويلة في مجال السيطرة على الأيدز كان عدد من المصابين بالأيدز أو المشتبه بإصابتهم به ينتفضون ويستغربون لمجرد ذكر الأيدز ويقولون لنا مامضمونه “مستحيل كيف يصيبني الأيدز ومن أين تأتيني الإصابة فأنا متدين وأصلي وأصوم والأيدز لاينتقل إلا بالجنس غير الشرعي ولايصيب سوى المنحرفين” وكنت أجيبهم وأشرح لهم كيف يمكن أن تنتقل العدوى بطرق متعددة لاعلاقة لها بالجنس والأخلاق ومنها استخدام الأدوات الجارحة أو الثاقبة الملوثة وغير المعقمة كما في حالات الوشم أو الحجامة بل إن من اللافت للنظر هو أن الحجامة يمارسها كثير من المتدينين لأنها تعتبر طقسا دينيا ومن الأمور الموصى بها في الشريعة كما يقولون وبذلك فإن المتدين قد يكون أكثر عرضة للأيدز من غير المتدين بسبب كثرة ممارسته للحجامة والتي قد تتم بأدوات ملوثة أو يتشارك استخدامها أكثر من شخص وليست أدوات نبيذة كالحقنة الطبية والأدوات الجراحية في المؤسسات الصحية كما إنها غالبا تتم في محلات عامة وغير نظيفة.
وقد دعتني هذه الأمور جميعها إلى استحداث مقولة أو شعار صحي في مجال الأيدز هو “إحـمِ غيركَ لتحميَ نفسك” وملخص هذا الشعار هو أنه لايكفي أن تلتزم وحدك بالسلوك الصحي لتحمي نفسك من الأيدز فمثلا قد تكون أنت ملتزما دينيا ولاتمارس الجنس غير الشرعي ولا الوشم ولا الحجامة ولكن في المجتمع عشرات ومئات الآلاف غيرك يمارسون هذا الأمور وقد يكونون مصابين وبسبب كثرتهم وانتشارهم في المجتمع قد تنتقل العدوى إليك عاجلا أو آجلا عن طريق حادث عرضي يجمعك بهم مثلا فتتعرض لجرح بأداة استخدموها قبلك أو استلامك لدم ملوث وهنا قد يسأل سائل أو ليست هناك فحوص مختبرية تجرى على الدم المتبرع به عند أخذه من المتبرع وقبل إعطائه للشخص المحتاج له؟ فأجيب نعم هناك فحوص طبية ولكن ما قد يجهله كثير من الناس أن هناك حالات تكون فيها العدوى في بدايتها ولايكون تركيز الفيروس في الدم قد وصل الحد الأدنى القابل لكشف بالفحص المختبري ولكن هذا الحد الأدنى كافٍ ليسبب العدوى لدى المستلم للدم أي أن الفحص المختبري لن يستطيع الكشف عن الفيروس حتى لو تم في أرقى مختبرات العالم.
إذاً فحتى لو كان الشخص ذاته ملتزما بالممارسات الصحية للوقاية من الأيدز فهناك كثيرون غيره غير ملتزمين بهذه الممارسات الصحية ولأسباب اجتماعية أو اقتصادية متعددة كالفقر والتفكك الأسري والجهل وغيرها من ظروف وعوامل قد تدفعهم إلى عالم الجريمة والمخدرات والجنس غير الشرعي وبالتالي فعلى الشخص أن يفكر كيف يحمي غيره من الفقر والتفكك الأسري وكل مامن شأنه دفعهم باتجاه المخاطر المذكورة حتى يضمن أنه سيحميهم من الأيدز وبالتالي سيحمي نفسه بشكل كبير ومثالي من العدوى التي قد تنتقل إليه منهم. وهنا لايوجد أفضل ولا أوضح من التكافل الاجتماعي وسيلة لحماية الإنسان والأسرة والمجتمع فلو أن الغني فكر وآمن وتيقن أن تكفله بمعيشة الفقير ودعمه له سيعود على الغني “وليس الفقير فقط” بالنفع والحماية من الأيدز لماتردد في كفالته ودعمه بكل وسيلة ممكنة. لو أن الأقارب أولاً والأغراب ثانياً في كل مجتمع فكروا بالتكافل الاجتماعي لتمكنا من تجنب كثير من الأمراض والمخاطروالسلبيات وتغير حالنا وازدهرت حياتنا، علما أن التكافل الاجتماعي ليس محصورا بالجانب المادي فقط بل قد يكون تكافلا ودعما نفسيا ومعنويا فالكلمة الطيبة صدقة كما قال نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله فكم من إنسان لايحتاج سوى كلمة طيبة تحيي فيه الأمل وتحميه من الانكسار والخضوع والانجراف إلى عوالم الظلام والخطر وكم من عائلة يمكن إنقاذها من التفكك والانهيار عن طريق الإرشاد النفسي والتوجيه الاجتماعي.
هذا المبدأ والشعار الذي رفعته سابقا في مجال الأيدز أرفعه مجددا في مجال وباء كوفيد – 19 فلكي يحمي الإنسان نفسه من كوفيد – 19 لايكفي أن يلتزم لوحده بارتداء الكمامات وغسل اليدين والتباعد الاجتماعي بل يجب أن يفكر في الكثيرين غيره الذي قد يجهلون طرق الوقاية وبحاجة لمن يرشدهم أو أنهم يعرفونها لكنهم عاجزون عن اتباعها أو غير راغبين في اتباعها فمثلا لنفكر كيف يتسنى لكاسب كادح يعمل في سوق شعبي مكتظة بالباعة والزبائن أن يحافظ على التباعد الاجتماعي أو يغسل يديه باستمرار أو يلبس الكمامة بينما هو مضطر للصياح لجذب الزبائن إلى بضاعته البسيطة وهو يتلهف لكل يد تقلب بضاعته لعلها تشتريها؟ هل نتوقع من مثل هذا الشخص أن يحافظ على تعليمات الجهات الصحية أو أن يجلس في بيته ليبتعد عن كوفيد – 19 أو أن يشتري الكمامات والمطهرات بماسيجنيه من عمله اليومي بينما هو بالكاد يكفي لشراء الطعام والشراب ؟ قطعا لن نتوقع منه هذا السلوك وإذا تذكرنا بأن هناك عشرات أو مئات الآلاف من أمثال هذا الكادح في مجتمعنا فسنعرف عندها حجم الخطر الصحي الذي يحيطنا والمتمثل في عدد الأشخاص غير القادرين أو غير الراغبين في اتباع السلوك الصحي بسبب جهلهم به أو عدم قدرتهم على تطبيقه بسبب الأولويات المعيشية والاقتصادية التي تدفعهم للمجازفة بصحتهم وحياتهم لتوفير لقمة العيش لأنفسهم وعوائلهم خصوصا مع انعدام أو قلة دور الجهات الحكومية وغير الحكومية في مجال الدعم الاقتصادي لأمثال هؤلاء الكسبة وغيرهم من الفقراء والمحتاجين. إن قيام فرد واحد بممارسة السلوك الصحي قد يحميه من الإصابة بكوفيد – 19 ولكن هذه الحماية ستبقى ناقصة وهشّة مادام هناك مئات الآلاف وربما أكثر غير قادرين على حماية أنفسهم لأنهم سيكونون بؤرة وأهدافا محتملة لهذا الوباء وبالتالي سيكونون ناقلين للوباء لهذا الفرد عاجلا أو آجلا. ولذلك إذا أردتَ عزيزي الفرد أن تحمي نفسك من الوباء فكر بحماية غيرك أيضا من الوباء كي لايكونوا بؤرة ومصدرا من مصادر نقل العدوى إليك أي باختصار “إحمِ غيركَ لتحميَ نفسك”. تكفل بمعيشة الفقير كي لايضطر للخروج المتكرر للشوارع والأسواق، وفر له كمية من الكمامات تكفيه خلال فترة الوباء، ساعده في إيجاد عمل قد لايتعرض فيه لكثافة بشرية وازدحام كما في الأسواق، فكر واسأله عن حلول وبدائل قد يراها هو مناسبة له ولظروفه، كن قريبا منه واعتبر أن حمايتك له حماية لك ولعائلتك ولكل من يهمك أمره وإلا فإن الوباء سيصل إليه ثم سيصل منه إليك عاجلا أو آجلا.

——————-
* طبيب وشاعر عراقي