إنقلاب إستخباراتي …!

 

بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي *

اتت الفضيحة في الفضاء الاستخباراتي خماسية الابعاد Five Dimensional : إمتياز رفيع في قذارة اللعب عَلى ساحة لا تحكمها اية قوانين ، تمدد متسارع Accelerated Expansion للحقبة الزمنية ، قدرات متفوقة تقنيآ ولوجستيآ ، غزارة في هطولات المعلومات Information Floods
وكفاءة في الامتصاص Absorption والتحليل والاستثمار .. جهازين امنيين على مستوى دولي ضمن معادلة “التابع والمتبوع” عملا سوية بجهد دؤوب لتحقيق الاهداف الاستراتيجية لحكومتيهما ..! هذا ما انكشف مؤخرآ و سقط في قبضة الاعلام الاميركي و الاوروبي نظام تجسسي استخباراتي دقيق أُسِسَ  منذ عقود عامل لصالح المخابرات المركزية الاميركية CIA والجهاز الذي يَدور في فلكها Orbiting المخابرات الفدرالية الالمانية BND في تفاصيله المحققة بنجاح ما يجعل ضحاياه عَلى لائحة عنوانها “الجهل من خير النعم” ..!

 

سقوط او انكشاف Thesaurus وهو الاسم الرمزي Code Name الذي اطلقته ال CIA عَلى العملية و Rubicon الاسم الذي اعتمدته ال BND اظهر حجم التعاون الاستخباراتي بين الجهازين الامنيين بعد عبورهما الثقب الاسود Black Hole للكتلة الاوروبية عبر تملكهما بصورة متفردة Singularity مموهة وغير مباشرة منذ ثمانينيات القرن الماضي شركة Crypto AG السويسرية المتخصصة بصناعة معدات و برامج التشفير للبيانات و المراسلات و الاتصالات مِما وفر للمخابرات الاميركية وفق النسق العلمي للإحاطة Cryptology « الحصول على الشيفرات Cryptography و تحليلها Cryptanalysis » و مِن ثُم استثمار المعلومات بعد فك تشفيرها Decoding .. و بالامكان تخيل حجم الدفق المعلوماتي إذ تبين ان اكثر من 120 دولة ارتبطت مع هذه الشركة بعقود شراء فهيمنت “كريبتو” بذلك على اسواق اجهزة التشفير و برامج التجسس في العالم بنسبة بلغت حوالي 40% من مجمل حركة الانتاج و البيع ، عَلى تنوع زبائنها لا فرق بينها أكانت انظمة حليفة او معادية لسياسة الولايات المتحدة الاميركية
بينها اوروبية عدة و معظم الدول العربية و دول اميركا اللاتينية ؛ الفاتيكان ؛ الهند ؛ الباكستان و ايران و غيرها .. محققة أيضآ ارباحآ بملايين الدولارات وضع قسم كبير منها بتصرف ال CIA و BND ..!
تاليآ اصبحت اسرار الانظمة السياسية و حكوماتها كما قنواتها الديبلوماسية و الامنية في خزائن الشركة دون ان تكون هذه الدول التي ارتبطت معها بعقود طويلة الاجل و التي اعتمدت حيازة و استخدام اجهزتها و برامجها على علم بملكيتها او تبعيتها استخباريآ .. كما تبين ايضآ ان جهاز المخابرات السويسري FIS لم يكن بمنأى عن كل ما يحصل لا بَل متواطئ او عَلى تنسيق سري مباشر في كثير مِن الاحيان ..
تأكدت هذه المعلومات بعد ان كشف تحقيق استقصائي واسع نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية والتلفزيون الألماني ZDF عن وجود : « خطة مفصلة تعود الى عقود تم بموجبها التجسس على اكثر الاتصالات سرية بين الحكومات من خلال سيطرة الجهازين الامنيين على شركة التشفير السويسرية Crypto AG و لاحقآ و بنفس الطريقة على شركة سويسرية اخرى عاملة في نفس المجال و الاختصاص تدعى “أومنيسيك” OMINISC .. كما
ان التحقيق البرلماني الذي فتح في هذه القضية كشف ان المخابرات السويسرية استفادت مِن عمليات التنصت و مراقبة الرسائل و البيانات المشفرة كما استثمرت معلومات هامة بعد تورط الشركة في عمليات التجسس لصالح المخابرات الاميركية »..

في نفس السياق ؛ عَلى مَدى عُقود و بحرية كاملة منحت استجابة Crypto لطلبات دوائر ال CIA امكانية ثمينة لدراسة و توقع الخطوات المستقبلية و الخطط الاستراتيجية للدول ضحايا الخداع الاستخباراتي إذ كانت هذه الاخيرة تدفع اموالها للتجسس عَلى اتصالاتها السرية دون امكانية تحديد حجم الخرق و نوعية او درجة تصنيف المعلومات التي تم اعتراضها و نسخها ..! استطرادآ كان جهاز المخابرات الاميركية يزود الحلف الاستخباراتي “الأعين الخمس” Five Eyes – FVEY الذي سَبَقَ و أنشأه زمن الحرب الباردة و الذي يضم كل من « الولايات المتحدة؛ بريطانيا؛ أستراليا؛ نيوزيلندا و كندا » بالمعطيات الصالحة كل فيما خصه مع ما يمكن استثماره لصالح الاجهزة الخمسة ..!

في المقابل أدى انعدام او ارتخاء نظام المناعة الامنية Security Immune System الى تلوث امني عشوائي خطير ، محرج ضخم في آثاره و تبعاته اذ عرض سمعة الدولة السويسرية التي اعتمدت تاريخيآ سياسة الحياد الايجابي للخطر و جعل مِن احدى شركاتها الرائدة عَلى الصعيد العالمي منصة لاطلاق اهم عمليات التجسس منها عَلى سبيل المثال لا الحصر “قضية الرهائن الاميركيين في ايران؛ مجريات اتفاقات كامب دايفيد؛ العمليات العسكرية في ليبيا و افغانستان الخ..”.. اضافة الى انها اظهرت هشاشة السلطة السياسية الحكومة و البرلمان في الاشراف و المراقبة لأداء اخطر و اهم اجهزتها و هذا ما دفع المدعي العام السويسري الى اتخاذ اجراءات عقابية عَلى المستوى الجنائي بحق Crypto International لا سيَما لجهة تضليلها السلطات المسؤولة عن منح تراخيص صادرات المعدات الامنية و العسكرية ..!
كما ضاعف مِن وطأة فضيحة CRYPTO ضربة اخرى للحيادية السويسرية بعد ان اظهرت تحقيقات جانبية تورط شركة ثانية Omnisec عاملة في نفس المجال الامني في تلاعبها بمعدات و برامج تجسسية و بيعها الى حكومات و جيوش اجنبية و الوكالات الاستخباراتية السويسرية ..

عَلى صعيد مبدأي مُتَصل لَطالَما كانت السياسة و الامن ضحايا التجسس الاستخباراتي الا ان نجاح وكالة المخابرات المركزية الاميركية في خلق ما يسمى “الواجهات النظيفة” Clean Interfaces
كرس قاعدة باتَت اساسية هامة في العمل الاستخباراتي و الخرق التجسسي و بالتالي اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي Facebook -Instagram-WhatsApp – Apple – Amazon etc.. اساسية منصات مفتوحة لنقل المعلومات بشكل واضح و كامل ..

في خرق الاختراق Breach Penetration ؛ السؤال الذي يطرح و الذي يهم ما تبقى مِن الدول العربية المعادية للكيان الصهيوني ماذا عن دور المخابرات الاسرائيلية مِن كل ما يحصل ..؟
مِن المؤكد عدم قصور او تَجاهُل جهاز المخابرات العدو MUSAD لما حدث كذلك جدية التتبع و الاستثمار كما ان الخط المتوازي مع نشاط ال CIA يكاد يكون واحدآ ؛ اضافة الى ان لا شيء يضمن عند الاقتضاء عدم اختراق الوحدة 8200 التابعة لجهاز (أمان) و هي المسؤولة عن عمليات التجسس الالكتروني ملفات الوكالة الاميركية عَلى مُسَلَم “امن اسرائيل فوق كل اعتبار” .. هذه الوحدة هي المعنية في تقديم الرؤية الاستخباراتية المتكاملة للسلطة السياسية اضافة الى مسؤوليتها في قيادة الحرب السيبرانية لصالح الجيش الاسرائيلي – كان من أهم عملياتها « تطوير فيروس (ستوكسنت) Stuxnet عام 2009 الذي استهدف المنظومات الحاسوبية SCADA لاجهزة الطرد المركزي المعنية بتخصيب اليورانيوم في منشأة (ناتنز) النووية الايرانية مِما ادى الى تعطيلها »..!

خِتامَآ ؛ لا استراحة في العمل التجسسي و الاستخباراتي اذا كشفت واجهة نظيفة فإن اعدادآ منها تكون عاملة او متوفرة للعمل . فيما يمكن ذكره لتبرير العبث الاستخباراتي ما اعتبرته مصادر في المخابرات الاميركية بان العملية Thesaurus نوع من الانقلاب الاستخباراتي Intelligence Coup المحقق .. كذلك ما ورد في تعليق يختصر الاهداف و الرؤية الاستراتيجية للعمل التجسسي اذ أكد المنسّق السابق للاستخبارات الألمانية ” Brend Schmidbauer للتلفزيون الألماني ZIF أن عملية “روبيكون” كانت بالفعل لضمان الامن و السلام في العالم ..».

 

—————-

بيروت في 12.12.2020