“أرخبيل الـﮕُـولاگ” من روائع الادب العالمي …

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*

عرف بالروائي المشاكس، كان من أشهر الأدباء الروس المعارضين للنظام السوفياتي السابق، ومن أبرز المنظرين للقومية الروسية الحديثة. إنه الروائي ألِكسندر سولجِنتسين.
ولد سولجنتسين في روسيا عام 1918. أكمل دراسته الجامعية في الفيزياء والرياضيّات قبل أن يلتحق بالجيش السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، حيث نال وساماً عسكرياً رفيعا. اعتقل عام 1945 بسبب رسائل كتبها، وتضمّنت نقداً للزعيم السوﭬـياتي ستالِن. حكم عليه بالسجن مدة ثمانية أعوام، أمضاها في معسكرات اعتقال العمل الإجباري في صحراء سيبيريا الجليدية، ومنها استلهم أحداث عدد من أعماله وأبرزها روايته الشهيرة”أرخبيل الـﮕـولاگ”. بعد خروجه من السجن بسنوات، نفته السلطات السوﭬـياتيّة، فظل خارج بلاده مدة عقدين، منح خلالها جائزة نوبل للآداب. في منتصف التسعينيات عاد سولجِنتسين إلى بلاده ولقي الاهتمام والتكريم، وبات من أبرز المنظرين لانبعاث القومية الروسية القائمة على تقاليد كنيستها الأرثوذوكسية. وبعد أن كان موضع حفاوة وتكريم في البلدان الغربية خلال الحقبة السوﭬـياتيّة، تعرّض للنقد واتهم بالتعصّب والشوﭬـينية. توفي ألكسندر سولجنتسين عام 2008 (ألفين وثمانية). إضافة إلى أرخبيل الـﮕـولاگ، كتب سولجنتسين عدداً من الأعمال، أبرزها: يوم في حياة إيـﭭـان دينيسوﭬـيتش، وجناح السرطان.
أحداث الرواية:
كلمة ﮔـولاگ هي اختصار لعبارة (الإدارة العليا لمعسكرات العمل الإصلاحية) وهي الإدارة التي كانت مسؤولة عن معسكرات الاعتقال والشغل الإجباري. وقد شبّهت هذه المعسكرات بالأرخبيل لأنها كانت كجزر الأرخبيل متناثرة في أرجاء صحراء سيبيريا الروسية. في رواية أرخبيل الـﮕـولاگ قدّم سولجنتسين تفاصيل دقيقة عن طبيعة الفظائع التي كانت تحصل في هذه المعتقلات ما بين 1918-1956. وقد تكوّنت فكرة هذه الرواية بعدما نشر سولجنتسين روايته الأولى “يوم في حياة إيـﭭـان دينيسوﭬـيتش”، حيث بدأ يتلقى العديد من الرسائل والمذكرات من معتقلين سابقين في الـﮕـولاگ. قرأ سولجنتسين الكثير من هذه الرسائل وقابل أكبر عدد ممكن من مرسِليها، واستمع إلى تفاصيل حياتهم هناك، بما فيها من قصص تعذيبهم وتسخيرهم، ثم نقل الكم الأكبر منها إلى صفحات روايته، لكنه لم يكشف عن الأسماء الحقيقيّة لأسباب أمنية.
تحدث سولجنستين في أرخبيل الـﮕـولاگ عن معاناة المعتقلين: كيف حفروا القنوات، وبنوا الطرقات السريعة، وخطوط السكك الحديد عبر الطبيعة الروسية الصعبة. وكيف حفروا مناجم الذهب، واليورانيوم، والحديد، بل حتى كيف صمم العلماء منهم الطائرات العسكرية والصواريخ. كل ذلك في ظروف صعبة شديدة القسوة، حتى إن بعض هؤلاء أكدوا في شهاداتهم أن “أن الدولة السوﭬـياتية بنيت على حطام عظامهم”.
تعتبر أرخبيل الـﮕـولاگ رواية توثيقيّة، جاءت كاستقصاء تاريخي، وملحمة بكائية مفعمة بالحزن والأسى والنقمة من شرور المعتقلات ووجهها المروع. وتخللت كل ذلك تأملات نفسية وفلسفية لتفسير دوافع العنف، وعن لحظة الاعتقال كحدث جسيم في حياة الفرد، فيقول سولجينتسين: “إنه لحظة انتقال عجيبة من حالة إلى أخرى، حينها يُطرح الإنسان، ويغبش العقل في إدراك ما يدور حوله، ولا يسع أكثر الناس حنكة وتبصرا بالحياة أن يعثر على ما يمكن التلفّظ به في تلك اللحظة، سوى الغمغمة قائلاً: أنا؟ ولكن بأي ذنب؟”.
أثر الرواية ومكانتها:
توصف «أرخبيل الـﮕـولاگ» بأنها عمل تاريخي أدبي أزاح الستار عن معسكرات الـﮕـولاگ التي كان يُزج فيها بالمنشقين السياسيين، سيما من اعترض على ممارسات ستالِــن. ولقيت الرواية أصداءً واسعةً في العالم بأسره، وقد روّجت لها الدول الغربية كجزء من صراعها الفكري مع الإتحاد السوﭬـياتي. وعلى ضوئها أجرى العديد من مثقفي اليسار مراجعة شاملة لمواقفهم الأيديولوجية، وأعلن بعضهم القطيعة مع الفكر الاشتراكي- الماركسي. وكانت هذه الرواية السبب الرئيسي في منح سولجنتسين جائزة نوبل عام 1970 ، وذلك للقوة المعنوية التي تابع بها التقاليد الأصيلة للأدب الروسي”، كما جاء في حيثيات فوزة بالجائزة.
ظلت أرخبيل الـﮕـولاگ ممنوعة في الاتحاد السوﭬـياتي سنوات طويلة بتهمة العداء الأيديولوجي للشيوعيّة، لكنها نشرت في النهاية عام 1989 ، ومنذ ذلك الوقت بات سولجنتسين قامة روائية مهمة جرت مقارنتها بتولستوي وغيره من أدباء روسيا، ففي أرخبيل الـﮕـولاگ أسس ألكسندر سولجينتسين لجنس أدبي جديد.

—————————

*رئيسة القسم الثقافي في “اخبار الدنيا”