وفد الألف شخص..!

بقلم العميد منذر الايوبي*
يوم الخميس المنصرم 06.06.2019 في مدينة “سانت بطرسبرغ” St Petersburg الروسية كانت ترسم ملامح مستقبل العالم من خلال المنتدى الاقتصادي الدولي SPIEF الذي تنظمه روسيا الاتحادية منذ العام 1997 و الذي اطلق عليه الغرب إضافة الى كثير من المراقبين تسمية منتدى Davos “دافوس الروسي” ..
أسطع الأضواء في قاعة المؤتمرات الكبرى لمركز الأعمال التجارية الضخم بدت من نصيب وفدي الدولتين العظميين روسيا و الصين .. أما العنوان العريض للمؤتمر فهو تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية ، التجارية ، المالية و الاستثمارية كذلك إيجاد ألحلول للمشكلات و العقبات التي يواجهها الاقتصاد العالمي ..
لافتآ أيضآ نوعية المشاركين و عددهم 10.000 شخص تقريبآ اضافة الى زعماء دول وحكومات ابرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، رئيس الوزراء الياباني شينزو ابي Shinzo Abe المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كرستين لاغارد الذين إختصروا معظم الفعاليات و المنظمات الاقتصادية و التجارية و الصناعية الكبرى في العالم ، كذلك كان حجم الاتفاقيات و الصفقات إضافة الى مذكرات التفاهم الموقعة بين الدول الأعضاء و كبرى المؤسسات
و الشركات العالمية مؤشرآ ذو دلالة على أهمية المؤتمر و نتائجه ..
واضحآ خلال المؤتمر ان موسكو و بكين تسعيان على المدى البعيد الى إنشاء تحالف دولي استراتيجي يطال الجوانب السياسية و الاقتصادية و التجارية أولى مداميكه التحالف الاستراتيجي الروسي – الصيني الذي تضمن الكثير من القواسم و الأهداف المشتركة ليس اقلها مواجهة الهيمنة و الحرب التجارية و العقوبات الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة الاميركية على كلتا الدولتين ..
في هذا الإطار ، تضمنت كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العبارة الأولوية الأساس ” إن سياسة الهيمنة الاقتصادية الاميركية ستؤدي الى حُروب لا ضوابط لها في العالم” متماهيآ معه أضاف الرئيس الصيني “شي جين بينغ” Xi Jinping “ان بلاده لا تسعى للسيطرة على العالم إقتصاديآ” في حين حذر الأمين العام للأمم المتحدة “انطونيو غوتيرش” António Guterres من حرب باردة جديدة بين واشنطن من جهة و تحالف موسكو – بكين من جهة أخرى .!
مما لا شك فيه ان هذا التحالف الاستراتيجي الصيني – الروسي بعيد حتى ألآن عن أي تحالف عسكري شبيه بِ “حلف وارسو” و بمواجهة حلف “ألناتو” رغم وجود العديد من أوجه التعاون منها على سبيل المثال لا الحصر تطوير قدرات الردع الصاروخي الاستراتيجي ، تقديم روسيا خبراتها التكنولوجية في برنامج تصنيع ثلاث حاملات طائرات صينية ضخمة و ذلك بعد حصول بكين على أولى حاملاتها الروسية الصنع “لياونينغ” إضافة الى برامج تدريب و تنسيق في مواجهة الإرهاب . إذ يعتمد الرئيس بوتين في استراتيجيته تحريك بيادق لعبة الأمم وِفقآ لحركة الخصم فطالما ان الحرب اقتصادية تجارية فالرد عليها يكون في نفس المجال و قياس الجرعة لا اكثر و لا اقل ، مع التحسب لنقلة “سُقوط القلعة” و بالتالي “كش ملك” المتعذر بلوغهما موسكو من العدو أو الخصم ..!
من جهة أخرى ، كان الخبراء الاستراتيجيون و مواقع النفوذ التجاري و المالي العالمي يطرحون السؤال البديهي هل سيتمكن الحليفان من مواجهة الحرب التجارية و العقوبات الاميركية .؟ و كيف .؟
يبدو إن تحالف كسر ألآحادية القطبية و تأسيس العالم المتعدد الأقطاب بات حقيقة رغم ان الولايات المتحدة تنكرها أو تتنكر لها ، إذ ان القلق الاميركي يتعاظم يومآ بعد يوم من تنامي نهضة الصين الاقتصادية و الصناعية لا سيما في مجال الصناعات الإلكترونية و الشرائح الميكروية و أبحاث التطبيقات المتطورة ، بألتوازي يتنامى القلق أيضآ من تطور الصناعات العسكرية الروسية و تفوقها أنظمة و قدرة و فعالية على مثيلاتها مما يجعل التحالف الصيني – الروسي متكاملآ في مختلف المجالات .! على هذا الأساس تجد واشنطن نفسها و هي المتربعة على عرش العالم ان زمام الأمور بدأ يفلت من يدها و ان هنالك من سيقاسمها السلطة و النفوذ مع ألإشارة الى أن ألرؤى السياسية لأزمات العالم مشاكله و الحلول بين كل من موسكو و بكين موحدة و هي تخالف نظرة واشنطن و استراتيجيتها و تفردها في إدارة الملفات الإقليمية و الدولية “الملف الإيراني – السوري – الفلسطيني – الكوري الشمالي – الفنزويلي – المغرب العربي” إلخ ..
في سياق مُتَصل ، تعتبر واشنطن ان جملة أمور تستهدفها و ان بصمت مريب منها :
    • سعي الدولتين مع مجموعة “شنغهاي” للتخلص من سيطرة الدولار على العلاقات التجارية العالمية مما يمس جوهر النظام المالي الاميركي – العالمي و قد زاد من تفاقم ألريبة ان التبادل التجاري بالعملة الأوروبية Euro قد بلغ حاليآ حوالي 25% من الحجم العالمي الكلي ..
    • مبادرة الحزام و طريق الحرير الصينية الآسيوية و السيل الشمالي اضافة الى توريد الغاز الروسي الى الصين تحديات ليس من السهل إجهاضها ..
    • ارتفاع قيمة التبادل التجاري الصيني الروسي بنسبة 25% عام 2017 ليبلغ 108 مليار دولار مؤشر على تنامي الجبهة الاقتصادية المواجهة ..
    • تعاون شركة التكنولوجيا العملاقة Huawei مع شركة MTS الروسية في مجال بناء شبكات الجيل الخامس سيؤدي الى تأخر الشركات الاميركية عن المنافسة و بالتالي اصابتها بخسائر ضخمة ..
  • الغزو الصيني للعالم مدعمآ بالقوة الروسية هو غزو اقتصادي و تجاري و فتح لأسواق جديدة بِدءآ من آسيا و جنوبها مرورآ بأفريقيا و أميركا اللاتينية ..
  • قرار بكين بتقليص صادراتها الى الولايات المتحدة من المعادن النادرة المستخدمة في التكنولوجيا الإلكترونية التي تحتكر إنتاجها “70% من الإنتاج العالمي” هو بطاقة حمراء بوجه واشنطن حيث تعتبره الأخيرة تصعيدآ للنزاع مما سيتسبب لاحقآ بخضات اقتصادية عالمية ..
خِتامَآ ، تزامن انعقاد المنتدى هذا العام مع  الذكرى ال 315 لتأسيس مدينة “سانت بطرسبيرغ” لينينغراد سابقآ و هذه ليست مصادفة بألمطلق إذ لا عفوية في تفكير الرئيس الروسي بوتين كذلك
ليس أمرآ اعتباطيآ ان يبلغ عديد الوفد الصيني المشارك في المؤتمر 1000 شخصية ..!
عليه فإن إنعدام كل من العفوية و الاعتباطية سيبنى عليهما إذ سنترقب الكثير من الارتدادات و الانعكاسات على العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية مستقبلآ ، مع الأمل ان تكون إيجابية
لصالح ألكَوكَب ..
*عميد ، كاتب و باحث في الشؤون الأمنية و الاستراتيجية.
بيروت في 09.06.2019