وطن الاوهام… والاحلام !

العميد منذر الايوبي

 

بقلم : العميد منذر الايوبي *

لم تنجو مذكرة التفاهم وتثبيت حقوق لبنان البحرية في التنقيب والاستخراج ثم الاستثمار التي صنفت من كثيرين انها اتفاق او “معاهدة الترسيم البحري مع اسرائيل” من جرعة التسميم المعتادة كما في كل قضية وطنية مصيرية او محلية ولو مرحلية ضرورية لأهل البلد مرتجاة..!
كان الصخب عظيمآ، الصدى تردد بين اروقة قصور رئاسية وتشريعية متجاوزآ خط الحدود الازرق جنوبآ قافزآ فوق الاطلسي الى المكتب البيضاوي غربآ، ساهم في رفع منسوبه تضخيم محلي لجهابذة التفاسير الدستورية كما مختصي الجغرافيا والجيولوجيا زاوجت بين التفاعلات الفيزيائية البيولوجية والقانونية، تدرج من تدفقات الضغط السياسي العالي إلى المنخفض على مستويي التفاهم التجريبي الواجب والانكار النظري القاتل، محولة ظاهرة علمية “انتشار قاع البحر” Seafloor Spreading وتوزيع الحقول الى وشاح حراري Thermal Mantle يلامس طبقتي الممانعة والسيادة..!

ارخت جلسات التفاوض الغير مباشر بظلالها بين ما هو مفهوم وغير مفهوم فصار الحق بالكيل والانتصار متعدد المعايير صنو انهزام.. توازيآ كانت غرفة الحكماء غير المستجدة الازلية المدرجة في توراة بني صهيون الساعية دوما لتحطيم وطن الارز لا بل اقتلاع رمزه الخالد من الجذور، على خط متابعة دقيقة لما يحصل مع إيقاد الصراع بين اهل البيت على ارضية موقدة داخلية نارها لهب من عقم وتشرذم، السنتها ارتهان يتطاول ذاريآ مع الريح جمرات التخوين والتنازل وصولا الى حقن الناس بجرعات تيئيس من مستقبل او امل ورجاء بخلاص..!

من جهة اخرى، في علم البصريات العدسات “ثنائية البؤرة” Bifocal ذات خطوط مرئية تحدد قطاعات تصحيح الرؤية، قريبة توفر رؤية اوضح للقراءة وثانية بعيدة تؤمن رؤية على مد البصر.. في الاقصر القريب اصبح حقل قانا الغازي بقبضة اليد على الدرجة 23 مع انحراف بصري Astigmatism بسيط سببية التمدد جنوبآ، حذر من “حَوَل” Squint قد يتسبب به خطأ انكساري في حال إنعدام التوازن..! كما شكل حقل كاريش الطرف الثاني للمعضلة البؤرية على مقياس 29 غشاوة فرضت حصر الانعكاسات وتطويق محاولة إعماء بصري حرص ديمومة العلاج..!
انطلاقآ من خلفية توحيد الرؤية، تدخلت وضمنت العيادة الاميركية بطبيبها الدائم الابتسامة الانيق ربطة العنق آموس هوكستاين “مستشار الامن القومي لشؤون الطاقة” تأمين طبقة الحماية المطلوبة منعآ لتجاوز وتلافٍ لمحاذير المواجهة وعطب الشبكية.. واذ ذاعت شهرة الوسيط بين بلد الارز وكيان غاصب، سعى الاخير الى اثبات حيادية لطالما شُكك بها على خلفية انتماء ايديولوجي وديني غير خافٍ، فتلاقت الارادات والمصالح المشتركة لانجاز ما كان غير ممكن منذ عقد ونيف..
مع صرف النظر عن الظروف الدولية والاقليمية كما ازمة الطاقة نتاج المواجهة العسكرية الروسية الاوكرانية وارتداداتها على المسرحين الاوروبي والعالمي الدافعة الى فتح آبار الغاز المكنون؛ فقد حصد لبنان ما كان ممنوعآ مثبتآ موقعه الفريد اصلآ في عالم الطاقة، قد يكون فيه حبل نجاة من مستنقع الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي ان احسن العتاة اصلاحآ..!
وبصرف النظر ايضا عن معارضة سياسية بين سياديين ومرتهنين وممانعين على خط المحاور الاقليمية والايعازات الضالة زمط البلد المتهالك من خبثنة التطبيع وشبهة التنازل، مؤكدآ على هدنة ومهادنة محسوبة، في احياء ارادي لشعار عربي قومي عبر الى ذاكرة النسيان تجسد يوما في قمة الخرطوم عام 1967 على خلفية هزيمة النكسة، الملخص باللاءات الثلاث “لا صلح لا اعتراف لا تفاوض”..!
بالمقابل اصاب الوهم البصري Optical Illusion خط الطفافات فاستحال سرابآ، دافعآ يائير لابيد ومجلسه الوزاري الامني المصغر الى التوقيع صاغرآ مدعيآ صلحآ هجينآ مع عاصمة تنزف، معترفآ بخط مرقم بالواقع المكاني والزماني..!

وبصرف النظر ايضا وايضا عن معادلة داخلية كرستها المقاومة يومآ، استحالت مدار خلاف مستحكم لاحقآ “الجيش، الشعب، المقاومة” فقد حسمت في الميدان توازن رعب وردع مع عدو غاشم، رغم ان عامل الزمن ما فتيء يسطو عليها بهدوء جاعلآ من الترسيم برهان..!
تاليآ؛ على مقياس تثبيت الحقوق اتت التسوية ضمن ثنائية خطوط واحداثيات مقبولة من معسكر يعلن فوزا وانتصارا مشكوك بها من آخر يؤكد انهزاما حد تفريط وخيانة ..!
بالتزامن، كان “السلاح صاحي والعدو غدار” على ما غنى عبدالحليم حافظ يومآ، فقد تدخلت المسيرات “الغير مسلحة” ذات عيون متميزة بالتركيز البؤري التلقائي Autofocus من نوع Canon EOS 90D لترنيم النشيد من ألسُن ما انحنى اهلها يومآ، الى عيون ادمعت زمنآ شاخصة تعد مع الامواج شهداءها، فيما بحر الناقورة يحيل الملح دواء وشفاء..!
في الإشتقاق تماثلآ، على صفحات ما دون ووقع ارتسم خيال صاحب مبدأية سياسية تاريخية (خذ وطالب) اعلنها ستينيات القرن المنصرم من أريحا الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة افضل دليل على اداء في “الواقعية السياسية” ليت لاهل فلسطين اليوم ساعة مندمٍ..!
أخيرآ؛ في ظل تقاطعات دولية واقليمية حبلى بالمفاجآت والمخاطر، الاستحقاقات داهمة يفرض عبورها بسلامة وعيآ وطنيآ وتعالٍ، قفز عالٍ فوق مئة عام من عمر الوطن حفلت بالاوهام فيما كانت الاحلام تنام على الطوى…!

——————————-

بيروت في 29.10.2022