وباء لبناني أخطر من ال”كورونا” وأشد فتكاً

 

 

بقلم: عباس صالح

من منا لا يعرف أن وباء الطائفية هو أخطر وأخبث أوبئة الأرض وأشدها فتكاً، وتدميراً، وسفكاً، وإحراقاً، وتهديداً لأسس البنية الانسانية، وضرباً للنظم المجتمعية والإنجازات الكونية برمتها…

كلنا يعرف انه لم يحدث، عبر التاريخ، أن فتك وباء بالبشر وحصد ضحايا بالقدر الذي حصده مرض الطائفية الاعمى، وما تفرع منه من حروب إنسانية إلتهمت مئات الملايين من البشر ..

ورغم كل الحقائق التاريخية الماثلة للعيان فإن لبنان، للأسف، ما زال يتصدر قائمة المبتلين الغارقين بهذا الوباء المُبيد الذي ألمًَّ بشعبه وجثم مقيماً على أرضه منذ نشوء الكيان.

حتى ان الاوبئة الأخرى صارت مطيفة في لبنان، وصار المبتلون يريدونها على قاعدة 6 و 6 مكرر !!!

والطامة الأكبر تتمثل في أن المصابين بهذا البلاء – الداء يمثلون السواد الاعظم من القواعد الشعبية التي تؤلِّه زعماء سياسيين من علية القوم يستثمرون ولاءها الأعمى، ويدفعون بها الى مذابح التقاتل المجاني، والحروب العبثية التي تحصد الارواح والارزاق!

“كورونا” اليوم في لبنان، ورغم عولمته وعالميته، ورغم انه ملأ الكون رعباً وقلقاً لما يمثله من تهديد على مصير الانسانية برمتها، ورغم ان قيادات العالم بكل فئاته تجندت لمواجهته، إلا أنه في لبنان يتخذ شكل مباريات طائفية مقيتة، ومع انتشاره ينتشر الجدل بأوسع حلقاته، حول أصل “الفيروس” وطائفته، ودينه، ومصدر تركيبته اللاهوتي، وجذره الروحي، ومبناه الفقهي…الخ وصولا الى نتائجه وتداعياته الصحية وخسائره التي يفترض ان تأتي متساوية بين الطوائف، والمناطق المطيفة في أحسن حال، وإلاَّ تكون االجائحة قد أخلَّت بالموازين اللبنانية وخرقت أسس التركيبة الديموغرافية لبلاد الأرز ومرقد العنزة. واذا ما اقترف الوباء هذه “الموبقة” وارتكبها ولو بالصدفة فإن زلزال الويل والثبور سيتربص به، وسيتم تصنيفه فوراً في خانة “أنصار” الطائفة الاخرى، وأدواتها الحربية ربما، وسيتم جلده على رؤوس الأشهاد من خلال جلد الخصم المستعين به في عقد الخصومة !.

هذا ما حدث في لبنان، منذ الاعلان عن وصول “كورونا” إلى هواء البلد المعتلّ، والجدل الذي أثير حول صاحب السبق في إيصاله، وما اذا كانت الطائرة الموبوءة هي تلك التي دلفت من ارض القداسة الشيعية قم، أو تلك الاتية من أرض القداسة الكاثوليكية روما، هي التي جاءت بالعدوى ووزعتها في الربوع اللبنانية، ووصولا الى رفض مجلس الوزراء بغالبية طائفية محددة، اقتراحاً من وزير الصحة العامة، يقضي بعزل بعض المناطق اللبنانية الموسومة بانتشار الفيروس بشكل كبير، وذلك في اطار الاجراءات التي تتخذها الوزارة للحجر الصحي بهدف الحد من انتشار الجائحة، علماً بأن الموافقة على تلك الاجراءات المقترحة كانت ستصب حتماً في صالح أهالي المنطقة نفسها، لا سيما اولئك الذين لم يصابوا بعد. فضلاً عن ان عزل المصابين سيساعد في شفائهم.

من هنا فإن الظاهر للعيان ان وباءاً مثل “الكورونا” مهما بلغ من الخطورة والفتك، لا يغدو الا كتفصيل صغير في لبنان المبتلى بمرض أزلي عضال يقتل وجوه الحياة فيه الف مرة كل يوم.