هل تستعيد “فاغنر” دورها بعد الخيانة..؟

بقلم العميد منذر الايوبي*

لا ريب فيه؛ ان مصرع رئيس ومؤسس منظمة فاغنر Wagner الروسية شبه العسكرية يفغيني بريغوجين لم يتأخر، لا بل كان متوقعا لدى مراقبين كثر إثر قيادته عملية تمرد على خلفية سلبيات تراكمت خلال مدى زمني يقارب السنة وميداني مرتبط بأداء وزارة الدفاع واهلية القيادة، كما عدم الاستجابه لمتطلبات قواته اللوجستية اثناء العملية العسكرية في اوكرانيا سيما الاستيلاء على مدينة باخموت الاستراتيجية (شرقي اوكرانيا)..
بداية اعلن بريغوجين امام وسائل الاعلام عودة جزء كبير من قواته الى الاراضي الروسية وتوجهها نحو العاصمة موسكو فيما يشبه انقلاب عسكري بعد سيطرتها على مدينة روستوف مؤكدآ رفضه التراجع والاستسلام..

بالتوازي؛ كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتابع الاحداث بهدوء ودم بارد من غرفة القيادة والتحكم في المقر الرئاسي مع وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الاركان فاليري غيراسيموف مسترجعا في ثوان بعض تاريخ روسيا القيصرية « عندما اعدم اول القياصرة الملقب إيفان الرهيب احد قادة جيوشه البارزين الامير اندريه كوربسكي اثر خيانته وانضمامه الى بولندا عام 1564 خلال الحرب الليفونية The Phoney War » تاركآ قافلة فاغنر تقطع حوالي 750 km على الطريق السريع M4 متجاوزة مدينة فورونيج بعد سيطرتها على منشآتها العسكرية..!
‏200 km من اعتاب موسكو العاصمة كانت كافية لتحليق مروحيتين من طراز “كاموف-التمساح” Kamov Ka-52 “Alligator على علو منخفض وقصف الرتل المتقدم بالصواريخ موقعة اكثر من 30 قتيلآ وعدد كبير من الجرحى..
في هذه اللحظات الحرجة دخل رئيس بيلا روسيا الكسندر لوكاشينكو على خط معالجة الازمة، فيما كان الرئيس بوتين يدلي بكلمة متلفزة استثنائية وصف فيها «التمرد المسلح» لمجموعة «فاغنر» العسكرية الخاصة بأنه «خيانة» و«غدر»، جازما بأن «أي شخص يحمل السلاح ضد الجيش الروسي سيعاقب»..
استكمالًا، لم تدم المحاولة الانقلابية اكثر من 24 ساعة فيما اثمرت وساطة لوكاشينكو ضمانات امنية حصل عليها من حليفه بوتين سمحت بانتقال بريغوجين ورجاله الى بيلاروسيا شرط تسليم مجموعة فاغنر عتادها الثقيل الى الجيش الروسي، مع ترك الباب مواربآ للمقاتلين الذين شاركوا بقوة في القتال على الأراضي الأوكرانية، عبر منحهم خيارآ من ثلاث اما التوقيع مع وزارة الدفاع والعمل تحت امرة قيادة الجيش الروسي، الخروج الى بيلاروسيا، او العودة الى منازلهم وعائلاتهم..!

من جهة اخرى؛ ان كان الصفح من شيم الكرام، الا ان حدوده لدى الرئيس الروسي فعل الخيانة، إذ أعاد مقتل زعيم فاغنر يفيغني بريغوجين الى استخراج وسائل الاعلام مقابلة صحافية سابقة تعود الى عام 2018 مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اكد خلالها ردآ على سؤال محاوره قدرته الصفح “لكن ليس عن كل شيء”، مستثنيآ ما لا يمكن الصفح عنه “جرم الخيانة”..!

من منظور لا يمكن تجاهله، إن سقوط او اسقاط طائرة بريغوجين من طراز Embraer-110 خلال رحلتها الداخلية من موسكو إلى سان بطرسبورغ وتضارب او تعدد احتماليات اسباب الحادث: *زرع فنبلة في الطائرة اثناء توقفها في Sheremetyevo مطار العاصمة- *خلل فني او عطل طارئ- *استهدافها بصاروخ ارض-جو الخ..! كذلك هوية المنفذين ومرجعية المستفيدين: *اجهزة استخبارات غربية او اوكرانية. *الامن الروسي. *تورط عملاء من داخل منظمة فاغنر الخ… ما ادى الى مقتله مع مساعده ديميتري اوتكين اضافة لثلاثة طيارين وسبعة مرافقين لن تسهل مجريات التحقيق..! كما لن تطوى بسلاسة صفحة من واقع وتركيبة اذرع الهيكلية العسكرية للقيادة الروسية، كذلك ذكراه في وجدان مؤيديه…!


تاليآ؛ في نظرية الارتياب المشروع مؤدى شبهة تورط مديرية المخابرات الرئيسية GRU التابعة لهيئة الاركان العامة الروسية بعد شهرين من المحاولة الانقلابية الفاشلة. اما في نفي (الشبهة) فعدة من أُخَر: *ان عقاب بريغوجين سبق وتم عبر استبعاده عن العملية العسكرية في اوكرانيا ثم تعاقد عدد كبير من رجاله مع وزارة الدفاع وفرض نفيه الى دولة بيلاروسيا. *تلاشي الثقة بالمؤسسة العسكرية وقدرتها على معالجة الاخطاء وفق القوانين العسكرية. *ان الاجواء التي كانت تحلق فيها الطائرة لحظة سقوطها تعبرها المسيرات الاوكرانية في هجماتها على الاراضي الروسية. *اظهار الرئيس الكسندر لوكاشينكو في موقع المخدوع لجهة ضمانات اتفاق خروج زعيم فاغنر وعدم التعرض له بعد انهاء التمرد. *خلق اللحظة المناسبة هدف لباس الرئيس بوتين صبغة (إيفان الرهيب) السفاح دون هوادة.

في السياق جملة اسئلة تطرح ليس اقلها مصير فاغنر واستمرارية مهامها.؟ من سيخلف قائدها والصلاحيات.؟ مسرح عملياتها والدور الروسي في افريقيا ومناطق مختلفة من العالم.؟ تداعيات وجودها في بيلاروسيا وانتشار قواتها على حدود بولندا في تماس مباشر مع قوات الناتو.؟ الخ..

انعكاسآ لوجهة نظر غربية استخباراتية؛ يعتبر محلل الشؤون العسكرية في شبكة سكاي نيوز الجنرال المتقاعد Sean Bell «ان Wagner دون بريغوجين لا شيء» بالمقابل ضمن صلاحيات مضبوطة ومنسقة مع وزارة الدفاع على قاعدة الاحتواء لن يتأخر الرئيس بوتين في تعيين العقيد المتقاعد Andrei Troshev لقيادة المنظمة وهو ذو الخبرة العسكرية الحائز لقب بطل ألإتحاد السوفياتي.. كما ستواصل المنطمة مهامها في القارة الافريقية دون تقليص دورها في حمأة الحرب الاوكرانية، الصراعات الداخلية، الاخلاء الفرنسي، والاستيعاب الاميركي..

تزامنآ؛ خشية مناوشات او اختراقات حدودية سجل مطالبة كل من بولندا ودول البلطيق (ليتوانيا- لاتفيا- استونيا) رئيس بيلاروسيا طرد مرتزقة مجموعة فاغنر العسكرية “على الفور” بينما تعمل القيادة العسكرية في Minsk على زيادة عديد المنظمة هدف تدريب جنودها ورفع مستوى كفاءتهم القتالية..!
من منطلقات جيوسياسية متغيرة واسس المصالح الاستراتيجية كما خرائط النفوذ سيبقى الاعداء والخصوم في حالة الترقب الحذر، كما قد تتوسع مسارح المواجهة ان بدا الوهن على احد الاطراف..! بالتالي لن يتخلى الرئيس بوتين عن احد اهم اذرع دولته في ميادين الصراع والنفوذ، اذ ان قطع رأس التمرد “خارج الصدفة طبعآ” لأمر كافٍ وسبب وجيه لمتابعة خططه على المستويات كافة مع امساكه بمفاصل المنظمة القيادية..!

طرابلس في 29.08.2023